هل تضر الانهيارات المصرفية بالتكنولوجيا النظيفة؟

02 مايو 2023
02 مايو 2023

يبدو أن انهيار بنك سيليكون فالي كان نذير شؤم لسباق الطاقة النظيفة العالمي. فبينما كانت حِـزَم الاستثمار الأمريكية التي استُـنَّـت مؤخرا وبقية أحلام الرئيس جو بايدن المناخية على وشك الانطلاق، أفلس البنك المفضل لدى قطاع الشركات البادئة في مجال التكنولوجيا الفائقة، ويحذر المعلقون من تباطؤ وشيك في «الانتقال إلى الطاقة النظيفة».

مع ذلك، بدلا من إعاقة السباق إلى الطاقة النظيفة، يجب أن تكون هذه الواقعة لحظة يمكننا أن نتعلم منها. صحيح أن الضيق والأسى في مستهل الأمر بشأن التداعيات المصرفية والعواقب التي ستخلفها على السياسة المناخية مبررا. وأن بنك سيليكون فالي احتل مكانة مهمة في قطاع الشركات البادئة، وكان مُـستغَـلا بشكل خاص لصالح شركات التكنولوجيا النظيفة (لا يزال موقعه على الإنترنت «يتباهى بأكثر من 1550 عميلا بارزا» بين الشركات البادئة في مجال التكنولوجيا النظيفة). ولكن إذا تعلمنا الدرس الصحيح هنا، فقد يتحول إفلاس بنك سيليكون فالي إلى بشير خير.

في المقام الأول من الأهمية، يجب أن يدفن مصير بنك سيليكون فالي الفكرة السخيفة التي روج لها بعض أصحاب الأصوات الأكثر صخبا في قطاع التكنولوجيا، ومفادها أن التكنولوجيا وحدها كفيلة بإنقاذنا جميعا من عِـلل وأمراض المجتمع. من المفيد أن البنك يحمل اسم «سيليكون فالي». لنتذكر هنا كيف سَـخَـر «التحرريون» في سيليكون فالي من عمليات إنقاذ البنوك في عام 2008 وعمليات إنقاذ شركات صناعة السيارات خلال الفترة 2008-2009، معتبرين أنه من الواضح أن شركات وال ستريت الكبيرة الراسخة وشركات ديترويت القديمة المملة ستحتاج إلى أموال دافعي الضرائب. لو كان رؤساء شركات التكنولوجيا التنفيذيون هم فقط المسؤولين، فإن التفكير المبدع المستقل كان ليمنع الفوضى بأكملها.

الآن، بتنا نعلم كم كانت مثل هذه الحجج خيالية. الواقع أن عمليات إنقاذ البنوك وصناعة السيارات في السابق قدمت أيضا دروسا مهمة. أحدها أن المخاطر الأخلاقية القائمة دائما من شأنها أن تجعل عمليات الإنقاذ في المستقبل أكثر ترجيحا وأكبر تكلفة. ولكن في حين يتحمل التأمين على الودائع والضمانات الأقل صراحة التي تدعمها الدولة ضد المخاطر الجهازية بعض اللوم، فإن هذا لا ينفي أن عمليات الإنقاذ قد تكون مبررة في بعض الأحيان. كما قال جيفري فرانكل من جامعة هارفارد ساخرا في مناسبة شهيرة في عام 2008: «يقولون إنك لن تجد ملحدا في الخنادق. ربما لن نجد إذا تحرريين في الأزمات المالية». إن سيليكون فالي يحتاج إلى واشنطن بقدر ما تحتاج إليه واشنطن. يقودنا هذا إلى درس آخر أكثر فِطنة مستفاد من واقعة بنك سيليكون فالي. برغم أن حجم المؤسسة يشكل أهمية واضحة للاستقرار المالي، فلا يجوز أن يكون الحجم هو المعيار الوحيد.

بعد عام 2018، لم يخضع بنك سيليكون فالي لاختبارات إجهاد البنوك بانتظام، لأن إدارة ترامب أعادت تصنيف البنوك التي تقل أصولها عن 250 مليار دولار على أنها غير مهمة جهازيا. (كان رئيس بنك سيليكون فالي التنفيذي جريج بيكر مؤيدا بقوة لهذا التراجع التنظيمي). بطبيعة الحال، لا يخلو الأمر من أسباب وجيهة وراء ضرورة عدم إخضاع المؤسسات الأصغر حجما لذات القواعد التي تخضع لها المؤسسات الكبيرة. ذلك أن رائد الأعمال المنفرد من غير الممكن أن يواجه، ولا ينبغي له أن يواجه، ذات الضوابط التنظيمية التي تخضع لها المؤسسات الضخمة المتعددة الجنسيات. ولكن لابد من إيجاد التوازن. فكما لم يكن من الجائز استثناء البنوك التي تقل أصولها عن 250 مليار دولار من اختبارات الإجهاد، لا يستطيع العالم أن يتحمل ترف تجاهل صِـغار الملوثين بإعفائهم من القواعد التي لا تلزمهم إلا بالإفصاح عن الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي.

وفقا للوضع الراهن، تحدد هيئة حماية البيئة في الولايات المتحدة عتبة الحد الأدنى للإبلاغ عند مستوى 25 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنويا. يثير هذا المعيار مشكلات واضحة. لنفترض أنك عضو في مجلس إدارة شركة تتجاوز انبعاثاتها بالكاد هذه العتبة، أو ربما شركة تتجاوز انبعاثاتها ضعف العتبة. ماذا ينبغي لك أن تفعل؟ يتلخص أحد الخيارات ببساطة في الانقسام إلى كيانين مؤسسيين (أو أكثر).

يظهر الرقم 25 ألفا في مكان آخر أيضا، وربما يصاحبه قدر أعظم من الألم. تشترط مدينة نيويورك الآن أن تكون البنايات أكبر من 25 ألف قدم مربع (نحو 2300 متر مربع) لتلبية أهداف إزالة الكربون الصارمة. ومع احتمال وصول الغرامات إلى ملايين الدولارات لكل بناية في العامل المقبل، فقد يفكر مديرو المباني الآن مرتين بشأن الموافقة على توسعة السقيفة. على مستوى العالم، تستطيع البلدان التي لا تندرج ضمن فئة أكبر عشرة ملوثين الاختباء خلف الادعاء بأنها «أصغر من أن تشكل أهمية». لكن هذه الاقتصادات مجتمعة مسؤولة عن نحو 25% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية. أي أن كونها صغيرة لا يعني أن تصرفاتها وأفعالها لا تشكل أهمية كبيرة. للإبقاء على الانبعاثات والانحباس الحراري الكوكبي تحت السيطرة، يجب أن نحافظ على فهم دقيق للمساهمات والالتزامات الفردية. ما يدعو إلى التفاؤل أن دعم المشاريع النظيفة الهادئة الرحيمة بالبيئة لم يعد اختصاصا ضيقا لبنك مجتمعي متعثر يجازف بالكثير. الواقع أن كل مؤسسة مالية كبرى الآن تريد المشاركة في هذا التدبير، وقد يعني فشل بنك سيليكون فالي أنها قادرة على التدخل بقدر أعظم من القوة (والتمويل) مقارنة بما كانت لتفعل لولا ذلك. على سبيل المثال، بين عشية وضحاها، اكتسب بنك HSBC موطئ قدم في قطاع التكنولوجيا المتنامي الذي تبلغ قيمته مليارات عديدة، عندما اشترى ذراع بنك سيليكون فالي في المملكة المتحدة مقابل جنيه إسترليني واحد (1.25 دولارا أمريكيا). علاوة على ذلك، يبحث الآن عملاء التكنولوجيا النظيفة الألف والخمسمائة المذكورون في موقع بنك سيليكون فالي عن مصرفيين جدد. وسوف يختار أغلبهم مؤسسات أكبر حجما ذات جيوب أعمق. وأينما انتقلوا بأعمالهم، فسوف يعلمون بعضهم بعضا حيلا جديدة في هذه العملية. على ذات القدر من الأهمية، لن تسير هذه البنوك والمؤسسات المالية الأخرى على خُـطى بنك سيليكون فالي في الترويج لخبرتها في التغلب على «العقبات التنظيمية» باعتبارها كفاءة أساسية. سيكون الهدف الآن هو الاستفادة من البيئة التنظيمية والاستثمارية الجديدة في وقت حيث تنفق الحكومة الفيدرالية الأميركية وحدها مئات المليارات من الدولارات على إزالة الكربون. بدلا من بذل قصارى جهدها في معركة ضد الحكومة الكبيرة، تتنافس الشركات البادئة في مجال التكنولوجيا النظيفة للحصول على مساعدات الدولة السخية. هذه التغيرات في السوق تستلزم مستوى غير مسبوق من التعاون بين المجازفين والهيئات التنظيمية. هل نرى رقصة بطيئة متجانسة جيدة التنفيذ بين القطاعين العام والخاص، أو نشهد سقوط المزيد من النجوم الكبرى؟ في الأرجح، سنرى وفرة من الاثنين. عندما يتعلق الأمر بتحول اقتصادي على نطاق الانتقال إلى صافي الانبعاثات الصفري، من الصعب أن يكون الأمر على خلاف ذلك.

غيرنوت واجنر خبير اقتصادي مناخي في كلية كولومبيا للأعمال، ومؤلف كتاب الهندسة الجيولوجية: The Gamble (بوليتي ، 2021).