هل بإمكان آلات الذكاء الاصطناعي أن تكون مبدعة؟

22 سبتمبر 2021
22 سبتمبر 2021

نوف السعيدية

يمكن اعتبار تفوق الكمبيوتر على غاري كاسباروف في العام 1997 نقطة فارقة في تاريخ الذكاء الاصطناعي، إلا أنه ليس مدهشا بقدر تفوق الآلة على الإنسان في لعبة «جو» Go.

يُعد غاري كاسباروف أحد أهم أساتذة اللعبة في تاريخ الشطرنج، الذي حافظ على لقبه كبطل للعالم لعقدين، حتى هزيمته أمام ديب بلو. من هنا بدأ طموح كُبرى الشركات - العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي - سباقها لإثبات تمكنها في المجال عبر تطوير آلات تتفوق على الإنسان في ألعاب أعقد من الشطرنج. راهنتْ شركة ديب مايند - التي استحوذت عليها جوجل عام 2014 - على ألفا زيرو AlphaZero - ولاحقا ألفا جو AlphaGo - من أجل إتمام هذه المهمة ولكن بتقنية مختلفة عن تلك التي استخدمتها «آي بي أم» IBM لتطوير «ديب بلو» Deep Blue.

بينما يعتمد ديب بلو على الذكاء الاصطناعي الرمزي، تعتمد أنظمة ديب مايند على الذكاء الاصطناعي المبني على تعلم الآلة باستخدام الشبكات العصبونية الاصطناعية. يمكن التفكير بالذكاء الاصطناعي الرمزي كأي برنامج تقليدي مكون من سلسلة طويلة من الجُمل الشرطية «إذا تحقق الشرط ألف، قم بالنشاط باء»، مع فارق بسيط هو أن برامج الذكاء الاصطناعي تأتي بقدرة حسابية عالية وخوارزميات بحث ذكية. يمكن التفكير بأنظمة الذكاء الاصطناعي المعتمدة على تعلم الآلة - بالمقابل - على أنها برامج تُبرمج نفسها. إنها تتعلم كيف تلعب الشطرنج مثلا عبر دراسة الألعاب السابقة.

الآلة المبدعة

وُصفت بعض الحركات التي أداها لاعب جو الآلي - في مواجهته مع بطل العالم في لعبة الجو وهزيمته - بأنها حركات غير تقليدية، بمعنى أن الآلة كانت قادرة على الإتيان باستراتيجيات جديدة كليا لم تتعلمها عبر مراقبة البشر. يمكنك التفكير بلعبة جو على أنها لعبة شطرنج أكثر تعقيدا، وباحتمالات أوسع.

هذه الحركات «غير التقليدية» دفعت الكثيرين للتساؤل حول قدرة الآلة على الإبداع، وهي أسئلة على علاقة بقدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق اكتشافات علمية، أو إنتاج الفنون. أي أننا عندما نُفكر بالتقنية، فغالبا ما نفكر بنظام ما يحل مشكلة محددة بكفاءة عالية. قيمة الآلة -في السياق التقليدي- لا تتأتى من قدرتها غير المسبوقة على إيجاد الحلول، بل على تطبيق حل وجد سابقا، بكفاءة عالية، وعلى نطاق واسع.

سؤال الإبداع هذا مهم ليس لأنه يعني منافع أكثر فحسب، بل لأنه قد يقدم حجة حاسمة في جدال إمكانية الآلة على حيازة الذكاء «أيًا يكن ما يعنيه ذلك». إذ يُعرف الذكاء الاصطناعي عبر مقارنته المباشرة بالذكاء البشري. بل تُوصف الآلة بالذكاء عندما تنجح في إنتاج عمل يصعب التفريق بينه وبين العمل البشري. هذا ما يجعل سؤال إمكانية الذكاء الاصطناعي مرتبطا بقدرة الآلة على محاكاة الذكاء البشري، وحتى تتم هذه المحاكاة يفترض المهتمون أن على الآلة أن تحوز قدرات شبيه بالقدرات البشرية «الإبداع، الخيال، أيًا يكن ما يعنيه ذلك». حيازة قدرة يصعب أتمتتها - مثل الإبداع - قد تعني أن حيازة الذكاء ممكنة، أو أنها على الأقل تقربنا من حيازة الذكاء بمعناه الواسع.

ما الذي يعنيه أن يكون الواحد مبدعا؟ عندما نتكلم عن الإبداع فإننا نتكلم عن حل المشكلات، تحديدا الإتيان بطريقة غير مسبوقة لحل المشكلات. تضع مارتا هالينا - فيلسوفة الوعي والأحياء والحيوان من جامعة كامبريدج - شرطين أساسيين لعملية حل المشكلات بشكل إبداعي.

الشرط الأول: القدرة على المحاكاة الذهنية، أي القدرة على اختيار الحل الأمثل من بين الحلول الممكنة دون الاضطرار إلى تجربتها فعليا.

الشرط الثاني: القدرة على نقل ما تم تعلمه إلى سياقات أخرى. هذه القدرة ترتبط بالإلمام بخواص العناصر والمنطقة بشأنها في النطاق العام - خارج النطاق المحدد الذي يتعرض له المتعلم.

هذا ما تنجح الحيوانات في فعله. تجارب دراسة الوعي لدى الحيوانات تشير إلى أن الشامبانزي مثلا - إذا ما واجهت أحجية ما - فإنها تقيم الوضع، ومن ثم تصبح واعية بالحل، حيث يبزغ ذاك الحل فجأة دون الحاجة للتجريب. هذه القدرة ليست حكرا على القردة المتطورة، بل إن بعض الطيور حتى - مثل الغربان - إذ يتعذر عليها الوصول إلى طعام معلق في نهاية سلك ما فإنها تسحبه، تضع جزءا تحت أرجلها، تواصل السحب، وهكذا حتى يصبح الطعام في المتناول. وهكذا تنجح الغربان في حل المشكلة من المحاولة الأولى، عبر المحاكاة الذهنية للحل، وليس من خلال التعلم عبر المحاولة والإخفاق «trial-and-error learning».

تخلص هالينا إلى أن الآلة تحقق الشرط الأول - لأن لاعب جو الآلي يأخذ بعين الاعتبار جميع الاستراتيجيات الممكنة، ثم يختار أفضلها وينفذها. تنجح الآلة في اختيار الحركة «الأفضل»، بناء على موقع الأحجار في الرقعة. لكنها لا تحقق الشرط الثاني - لا يمكن لـ «ألفا جو» أن يتأقلم مع أبسط التغييرات في قوانين اللعبة - النسخة التي تدربت على لعبها الآلة هي النسخة المعيارية على رقعة 19x19، لكن هناك النسخة التبتية، والكورية، وغيرها التي تكافئ اللاعب على القيام ببعض الحركات. بينما ينجح اللاعب البشري في استيعاب تحويرات اللعبة في دقائق واللعب بها، تفشل الآلة في ذلك. يحتاج المطورون إذا ما أرادوا «ألفا جو» أن يلعب نسخة أخرى إلى إعادة تدريبه مجددا. الآلة إذا تمتلك مرونة المحاكاة والتصرف في نموذجها المحدود، فحلها إذا مخصص لذلك النطاق. عندما يشار إلى خوارزمية «ألفا جو» على أنها «عامة» فإنه يقصد أنها قادرة على لعب أكثر من لعبة استراتيجية يلعبها لاعبان، ولا يقصد به أن الخوارزمية قادرة على توظيف ما تعلمته من اللعبة لحل مشكلات شبيهة في سياقات جديدة. هذا بالطبع ليس للتقليل من القدرة الكامنة لخوارزميات تعلم الآلة، وإنما للإشارة للاختلاف في القدرات بينها وبين الملكات الحيوانية المستثمرة عند الانخراط في عملية حل مشكلة لم يسبق أن تعرضت لها تلك الحيوانات.

المصدر:

https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/mila.12321