نظام العنونة الموحد.. ما الفوائد والتطلعات؟

20 مارس 2024
20 مارس 2024

نظام العنونة للشوارع والمدن والمساكن نظام معمول به في أغلب دول العالم، وإن كان ليس بالصورة الحالية نظرًا للتحديث الذي طرأ عليه بعد ظهور استخدام التقنية الحديثة في تحديد الأماكن وعناوين الإقامة. كما أن بعضًا من روايات التاريخ الإسلامي تشير إلى أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» هو أول من وضع أرقامًا للبيوت تهدف للتعرف على القاطنين بتلك المساكن ولسهولة الوصول إليهم. وهنا نشير إلى حادثة بكاء الطفل، والتي عمل على تقصيها سيدنا عمر أثناء تجواله بالمدينة المنورة، وما نتج بعدها من إصدار التعليمات بعمل أرقام للبيوت. وعلى النطاق العالمي تم تطبيق نظام العنونة منذ زمن بعيد، فعلى سبيل المثال: بدأ تطبيقه بالمملكة المتحدة في مدينة (Norwich) عام (1959)، وكان ذلك النظام يتمثل في تحديد رمز بريدي (Postcode)، والذي تدل رموزه على اسم المدينة واسم الشارع. حيث تطور نظام العنونة عندهم حتى أصبحت جميع البيوت بالمملكة المتحدة بها منافذ عند باب المنزل لوضع البريد، بحيث يقوم ساعي البريد وغيره من الشركات ومقدمي الخدمات العامة من توصيل المراسلات والطرود البريدية لأصحابها طبقا للعنوان المحدد بالرسالة. فالعنونة هو نظام متكامل لمعرفة أماكن وعناوين الإقامة للأفراد والمنشآت، ويستخدم في جميع مناحي الحياة اليومية وقطاعات الأعمال، وأيضا يسهل عمليات التعداد العام والمعلومات الإحصائية عن السكان والمساكن والمنشآت.

في سلطنة عمان لم يتم البدء بتطبيق نظام العنونة الموحد، ولكن البداية كانت عن طريق صناديق البريد الموجودة بمكاتب البريد في أغلب الولايات. حيث أصبح لكل الجهات الحكومية والخاصة أرقاما خاصة بهم، ومن يرغب من الأفراد فيمكنه استئجار صندوق للبريد باسمه عن طريق دفع اشتراك سنوي. تلك الصناديق كانت لها أهمية كبيرة في التواصل والمراسلات بين القاطنين بالدولة، وأيضًا مع دول العالم حتى يومنا هذا. مع العلم بأن الشخص الذي يقوم باستئجار صندوق بريد باسمه لا يدل ذلك على عنوان إقامته. وبعد فترة من الزمن تم تحديث أرقام صناديق البريد عن طريق إضافة الرمز البريدي الذي يُتبع برقم صندوق البريد (Postcode)، حيث يدل على الولاية وذلك لتسهيل وتسريع وصول المراسلات والطرود البريدية، وهو أيضًا لا يعطي دلالة لمكان الإقامة.

فوجود نظام العنونة المتكامل يعطي انطباعًا جيدًا للسياح والزائرين عند زيارتهم للدولة؛ وذلك لأنه يبسط وصولهم للأماكن التي يرغبون الإقامة بها أو زيارتها، كما أنه يساعد على سرعة الوصول إليهم في حالات الطوارئ؛ لتقديم خدمات الدعم والمساندة وقت الضرورة. كما أن بعض الدول ذهبت أبعد من ذلك، فعند طلب التأشيرات أيا كان نوعها، يُطلب كتابة عنوان الإقامة بالكامل الذي سوف يقيم فيه الزائر أو السائح وذلك لأغراض إحصائية وأيضًا أمنية. وبالتالي العنونة هي نظام لوجستي متكامل لجميع الخدمات التي ينشدها السائح أو الزائر. كما يسهل عنوان الإقامة الأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة من التواصل مع دول العالم في عمليات الاستيراد والتصدير باختيار طريقة الشحن المناسبة من عنوان بلد المنشأ إلى العنوان النهائي في بلد الوصول، أو ما يعرف (Door to Door). أيضا يعمل نظام العنونة على إيجاد نوع من المنافسة في تمكين الأفراد من شراء المستلزمات والسلع التي يحتاجونها من أي دولة في العالم حيث يمكنهم تتبع ((Tracking مشترياتهم خطوة بخطوة حتى وصولها للعنوان المكتوب بفاتورة الشراء.

عليه، فنظام العنونة هو استكمال للمنظومة البريدية السابقة، ولكن بشكل مختلف من حيث إن العنونة هي تحديد مكان الإقامة الحقيقي للمواطن والمقيم. هذا النظام أخذ وقتًا طويلا من الدراسة ومن تداوله بين الجهات الحكومية، ونظرًا لأهمية نظام العنونة كان مخططًا أن يقوم المركز الوطني للإحصاء والمعلومات وهو الجهة المنوط لها في السابق استكمال المراحل النهائية لتطبيقه في بعض المحافظات، لكي يساند عمليات التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت الذي نُفذ في عام (2020)م ولكن لم يتم ذلك، لعله بسبب الظروف المالية.

والتطلعات التي ينظر إليها في نظام العنونة الجديد، هو تطبيقه على جميع القاطنين من عمانيين وغيرهم، وبالتالي تحديد مكان الإقامة الصحيح لغير العمانيين في نطاق الولاية والقرية والحي، سوف يسهم بلا شك في توفير قاعدة بيانات مركزية حول توزيع تلك العمالة في المحافظات والولايات وأماكن عملهم الفعلية. كما نتجت بعضا من التحديات غياب عنوان الإقامة للأفراد حيث لوحظ ذلك في عدم دقة نتائج التعداد في ولايات معينة. على سبيل المثال: عدد السكان غير العمانيين بولاية المضيبي بمحافظة شمال الشرقية في التعداد العام (2020) أكثر عن السكان العمانيين، وبالتالي قد يساور البعض الشك في هكذا إحصاءات، إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أن غالبية الذين يوجدون في البيوت والمدارس والأماكن العامة هم من العمانيين. ومن أسباب تلك الإحصاءات غير الدقيقة، قد يكون بأن بيانات الأحوال المدنية لا توضح العنوان الذين يقيم فيه المواطن والمقيم. فعادة يكتب في البطاقة الشخصية أو بطاقة الإقامة اسم الولاية، ولكن أية قرية، وأي شارع، وما هو رقم المنزل؟ فهذه البيانات غير موجودة بنظام الأحوال المدنية نظرًا لغياب نظام العنونة الموحد.

في المقابل هناك من يرى بأن التقنية الحديثة تحدد المواقع المكانية (Locations) التي يريدها الشخص بسهولة وسرعة عن طريق الهاتف، إلا أن تحديد المواقع المكانية لا تتحكم به الدولة فهي وسيلة يتم توفيرها عن طريق شركات الاتصالات، مع ما يعتري تلك الخدمات من انقطاعات في شبكة الإنترنت، وأيضًا عدم توفرها في بعض أنواع الهواتف؛ بسبب الحظر الذي قد يطرأ على بعض خدمات التحديد المكانية أثناء العقوبات الاقتصادية أو الخلافات السياسية التي تنشأ بين الدول، كما حدث لبعض شركات الاتصالات الصينية. وبالتالي تحديد عنوان متكامل ومستقل يغطي محافظات الدولة يعطيها الاستقلالية وعدم تحكم شركات الاتصالات العالمية في المواقع المكانية، بل تكون الدولة هي المسيطرة على التحديثات في العنونة مما يمكنها من استدامة تقديم الخدمات العامة للمواطنين والمقيمين بسهولة ويسر.

أيضًا نظام العنونة الموحد له علاقة مباشرة بالقطاع اللوجستي، والذي يعدّ أحد ممكنات الاقتصاد. ولعلنا نشير بأن القطاع اللوجستي وسلاسل الإمداد لأي دولة يعتمد على انسيابية حركة شحن البضائع والسلع، وأية عمليات تتصل بالاستيراد والتصدير، من حيث كفاءة العمليات التشغيلية بالمواني البرية والبحرية والمطارات، والفترة الزمنية التي تحتاج لها البضائع من التحرك بين الدول والحدود، وأيضًا التنقل بين الدولة نفسها حتى وصولها للمحطة الأخيرة لصاحب البضاعة أو الطلبية. كما أن عامل الوقت المستغرق في هكذا عمليات يحدد جودة وكفاءة القطاع اللوجستي. وقياسًا على ذلك ففي المؤشر الدولي لكفاءة اللوجستيات الصادر عن البنك الدولي لعام (2023) يلاحظ بأن ترتيب سلطنة عمان ظل نفسه بالمرتبة (43) عالميًا من بين (139) دولة حول العالم، حيث لم يطرأ أي تغيير في ترتيبها قياسًا بالتقرير الصادر في (2018) وإن كانت هناك تحسينات في بعض العوامل الفرعية.

خلاصة الحديث، إن نظام العنونة المتكامل أو الموحد، أخذ وقتًا طويلًا من الدراسات، ومن ترحيله من جهة حكومية إلى أخرى. ولعل كل جهة تحاول عمل الأفضل والأحسن، ولكن هذا الوقت الطويل من طول الانتظار، يأمل الجميع بأن يتم التسريع في التنفيذ المكاني لنظام العنونة الموحد والذي آخر مستجداته هو القرار الصادر عن وزارة الإسكان والتخطيط العمراني بأن يتم تنفيذه بعد ستة شهور والذي سوف يصادف شهر أغسطس من هذا العام. كما نتطلع بأن يكون النظام مواكبًا لأفضل الأنظمة بالدول التي طبقته منذ سنوات طويلة، للاستفادة من تجاربها والتحسينات التي تمت على تلك الأنظمة. كما نقترح بأن يتم دراسة أسماء الشوارع لتكون معبرة عن التاريخ العماني والأئمة والسلاطين الذين كانت لهم منجزات تاريخية وأيضًا العلماء، كأمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأبي مسلم البهلاني، و الملاح العماني أحمد بن ماجد السعدي. كتابة تلك الأسماء في بعض الشوارع هو بمثابة تكريم رمزي يستحقونه، وأيضًا يحفظ المقدرات العمانية من الذين يحاولون تحريف وسرقة التاريخ العماني. ولعل الهاجس لنظام العنونة هي آليات التنفيذ التي نأمل أن تكون سهلة وإلزامية، يتشارك بها الأفراد والمحافظات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص. لعلنا نصل يومًا ما إلى نظاما للعنونة موحدا لجميع المحافظات والولايات، والذي يسهم بفاعلية في التنمية الشاملة لسلطنة عمان.

د.حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس