معايير الأمن والسلامة هل كافية لمنع حوادث الحرائق؟

13 فبراير 2024
13 فبراير 2024

من الأسباب التي استدعت إعطاء هذا الموضوع أهمية، هو الحريق الذي وقع في سوق السيب قبل ثلاثة أسابيع تقريبا، حيث التهمت النار ما يقرب من (22) محلا تجاريًا، أيضًا تصادف هذا الحريق، مع ما ورد بالصحف من استئناف نشاط مسقط مول بعد الحادث الصغير نتيجة تصاعد الأدخنة في أحد المحلات، بالإضافة إلى حريق في الحشائش بولاية طاقة. وليس ببعيد الحريق الذي حدث العام الماضي بالمعبيلة الناتج عن انفجار أسطوانة غاز الطبخ. بالتأكيد تلك الحرائق أحدثت أضرارًا جسيمة بالممتلكات كما لا تخلو من إصابات أو وفيات.

الإحصاءات الصادرة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، تشير إلى ارتفاع عدد الحرائق خلال الفترة من (2020 إلى 2022) من (3,409) إلى (4.186) حريقًا أو بمعدل (11) حريقا في اليوم. وأيضا ارتفاعها على مستوى المحافظات، حيث تصدرت محافظة مسقط نسبة (31.2%) منها، وبعدد (1.307) حرائق خلال عام (2022) وقد يكون هذا الارتفاع سببه الكثافة السكانية والنمو الاقتصادي. تلك الحرائق في مستوى تصاعدي من حيث تصنيفها حيث تأتي الحرائق المتعلقة بالمنشآت السكنية لتأخذ النسبة الأعلى حيث بلغت (32.1%) بعدد (1.345) حريقًا. هذه الأعداد من الحرائق تبحث عن دلالات حول مدى كفاية وكفاءة معايير الأمن والسلامة التي يجب توافرها في المنشآت السكنية والتجارية والصناعية.

معايير الأمن والسلامة، هي متطلبات أساسية يجب أن تكون موجودة في جميع المنشآت وفي وسائل النقل المختلفة وتشمل السيارات والطائرات والسفن بمختلف استخداماتها. أيضًا يجب أن تتوافق تلك المعايير مع التصاميم الهندسية لخرائط البناء والاختيار الصحيح لنوعية التوصيلات الكهربائية مع متطلبات الأحمال الكهربائية المناسبة، وأن تكون تلك التوصيلات وغيرها من مصانع ذات علامة تجارية معروفة بجودتها. وأهم من ذلك بأنه يجب على مقاولي البناء والمهندسين وأصحاب العلاقة التقيد بالنماذج والخرائط المعتمدة أثناء البناء، وعند الاستخدام الشخصي أو التجاري للمباني، وأن تكون إجراءات التفتيش لمعايير الأمن والسلامة ذات فاعلية ومصداقية. الأهمية تكمن في وجود جهة مستقلة تمنح شهادات الاعتماد لجميع المنشآت السكنية والتجارية والصناعية والزراعية تفيد بأن المنشأة أو المشروع تمت مطابقته مع الاشتراطات المعتمدة من قبل هيئة الدفاع المدني والإسعاف. تلك الجهة سواءً كانت حكومية أو خاصة تحتاج إلى فريق احترافي حاصل على الشهادات التخصصية الفنية من الهيئات والمنظمات المتخصصة لكي يتم التأكد من التطبيق السليم لمعايير واشتراطات الأمن والسلامة بكفاءة عالية.

أيضًا الجانب التخطيطي غير السليم، قد يكون معيقا لتطبيق معايير الأمن والسلامة، وإذا أخدنا على سبيل المثال منطقة «المعبيلة الصناعية» فأغلب الشركات التي تعمل في صيانة السيارات والنجارة والحدادة والأنشطة الأخرى، قد يرى الباحث عن الخدمة بأن أغلب تلك المنشآت تفتقر للمعايير الفنية المطلوبة سواء من ناحية الاشتراطات المعتمدة ومن ناحية التوصيلات الكهربائية، وعشوائية التخطيط في أغلبها قد يكون ناتجا لا نقول بغياب الرقابة والتفتيش الدقيق، ولكن في الغالب أن التاجر أو المستثمر يتساهل في تطبيق متطلبات الأمن والسلامة لأنها تكلفه مبالغ مالية إضافية. في الجانب الآخر فإن ما قامت به بلدية مسقط في الفترات الماضية، من تعديل استخدامات المباني من النوع السكني والسماح بتحويلها إلى مباني سكنية تجارية في أماكن محددة، قد لا يتوافق ذلك التعديل مع خرائط البناء في استيفاء جميع متطلبات الأمن والسلامة، أيضًا مع ما نتج من ذلك التعديل في الاستخدام، في إحداث ازدحام سكاني اضطر بعض المواطنين التوجه إلى أماكن أكثر هدوءا وسكينة.

هناك جهود حثيثة تقوم بها هيئة الدفاع المدني والإسعاف في العمل من الحد من الحرائق، ولعله من المناسب إعطاء أهمية نحو تكثيف متابعة الاشتراطات الوقائية المطلوب توافرها في أماكن العمل في المنشآت السكنية والصناعية والزراعية حسب طبيعة كل منشأة. من تلك الاشتراطات المتعارف عليها: تفعيل أنظمة منع الحريق وطفايات الحريق مع التدريب على استخدامها، وتركيب أنظمة كشف تسرب الدخان، وأجهزة إنذار الحريق، والتأكد من صيانتها بشكل مستمر مع وجود جدول للصيانة، وأيضا رفع كفاءة المخارج والمداخل لجميع المنشآت للتأكد من سهولة وصول سيارات الدفاع المدني في حال نشوب الحريق - لا سمح الله -. فعلى سبيل المثال: المقاهي والمطاعم التي تكون ضمن الطوابق الأرضية للمباني فيجب إعادة النظر في إلزام أصحاب تلك المنشآت، نحو ضوابط أكثر صرامة فيما يخص أسطوانات الغاز. وأعطي مثالاً وأثناء التسوق في منطقة الخوض لاحظت وضع عدد لا يقل على (9) أسطوانات غاز من الحجم المستخدم للمطاعم والمقاهي على الممر المؤدي للطابق الثاني لمبنيين متقابلين مع عدم توافر متطلبات الأمن والسلامة لهذا النوع من أسطوانات الغاز المستخدمة في الطبخ. هذا المثال تتشارك في المسؤولية عنه ليس فقط هيئة الدفاع المدني والإسعاف، وإنما الجهات الحكومية الأخرى (كالإسكان، قطاع البلديات، شركات توصيل الكهرباء)، هذه الجهات لها دور أساسي من حيث توافر الاشتراطات والتصاريح الفنية للتأكد من مطابقتها لمعايير الأمن والسلامة.

في المقابل فإن مؤشرات معايير الأمن والسلامة في المنشآت النفطية كانت إيجابية، حيث سجلت (صفر) حريق خلال عامي (2021 و2022)، وأيضا قد تكون متوافقة مع التقرير السنوي لعام (2023) لشركة تنمية نفط عمان، الذي أشارت فيه الشركة بأن ما يتصل بمؤشرات السلامة فقد سجلت (صفر) وفاة مرتبطة بالعمل وتعتبر النسبة الأفضل في مجال السلامة للشركة منذ عام (2011). كما كان هناك انخفاض في حوادث العمليات بنسبة (66%) مقارنة مع عام (2022) وانخفاض أيضا بنسبة (50%) في الإصابات المضيعة للوقت. وبالتالي يمكن القول بأن الاشتراطات التي تستخدمها المنشآت النفطية من الممكن أن تكون ضمن الممارسات الوطنية الجيدة في حال الرغبة نحو إعادة النظر في معايير الأمن والسلامة المطبقة في المنشآت السكنية والصناعية وأنشطة الأعمال الأخرى التي تسجل معدلات عالية في عدد الحرائق.

بالنسبة للقوانين والضوابط، فإن الحكومة أولت اهتمامًا مستمرًا في إصدار التشريعات التي لها علاقة بمعايير الأمن والسلامة من حيث مراجعة آليات عمل هيئة الدفاع المدني والإسعاف، والذي كان آخرها التعديلات التي أجريت في عام (2021) بإعطاء هيئة الدفاع المدني والإسعاف الاستقلالية في جوانب كثيرة، حتى بات بإمكانها تخصيص بعضًا من الخدمات وذلك بإشراك القطاع الخاص من أجل استدامة الموارد المالية. كما أن هناك منظومة خليجية من التشريعات على سبيل المثال، فقد تم اعتماد الجزء الرابع من الاشتراطات الوقائية للمواد الخطرة بدول مجلس التعاون الخليجي في عام (2020)، والذي تضمن أغلب معايير الأمن والسلامة في أماكن العمل المختلفة وكيفية الحماية من المواد المشتعلة التي تؤدي إلى الاحتراق وأنواع الغازات والسوائل والمتفجرات والألعاب النارية والمبيدات الحشرية وأجهزة إشعال وقود ومعدات الطبخ التجارية.

نختم بالقول بأن التطبيق السليم لمعايير الأمن والسلامة للحد من الحرائق ليس بالأمر الصعب، وإنما يحتاج إلى رؤية جديدة وثقافة ووعي تام من المواطنين، ومؤسسات القطاع الخاص، ومن المستثمرين على وجه الخصوص نحو الالتزام بالاشتراطات التي تضعها الجهات المختصة من أجل حماية وسلامة الأرواح والممتلكات وأيضا هناك تكاليف باهظة ناتجة من حوادث الحرائق. هذه التكاليف تؤثر على مسار النمو الاقتصادي وتعرقل بيئة وجاذبية الاستثمار المحلي والأجنبي. وبالتالي الوقت قد حان لبلورة استراتيجية وطنية متكاملة تكون متسقة مع الاستراتيجية الصناعية والعمرانية بحيث يتم فيها وضع مؤشرات قياس مؤسسية يحدد فيها على سبيل المثال، الوصول إلى مستويات متدنية لعدد حوادث الحرائق، وتناسب عدد سيارات الدفاع المدني (الإطفاء) مع التوزيع السكاني والتنموي للمحافظات، وسرعة الاستجابة لنداءات الإطفاء، وغيرها من المؤشرات التي تؤخذ من أفضل التجارب على المستوى الإقليمي والعالمي ومن المنظمات المعنية بالأمن والسلامة للحد من الحرائق بشتى أنواعها. هذه الاستراتيجية بلا شك سوف تتعاضد مع الجهود الكبيرة التي تقوم بها هيئة الدفاع المدني والإسعاف والتي تقدم خدمات جليلة لحماية الأفراد والممتلكات من مخاطر الحرائق. حفظ الله الجميع من كل سوء ومكروه.

حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس