ماذا يعني تدشين سجل المخاطر الوطنية؟

12 نوفمبر 2025
12 نوفمبر 2025

سجل المخاطر الوطنية هو بمثابة إطار تقييمي يتضمن أكثر الأخطار والحوادث والتهديدات التي تواجه الدولة والأفراد على المستوى الوطني، ويحدد احتمالات حدوث تلك المخاطر، ودرجة تأثيرها على الجوانب الاقتصادية والصحية والاجتماعية والبيئية.

يكون دور الدولة في وضع آليات أو سيناريوهات لإدارة التعامل مع تلك المخاطر والاستعداد المسبق لها؛ بهدف التقليل من تداعيات تلك المخاطر على سلامة الأفراد وتأثيراتها على مسار الحياة العامة، ومنها -على سبيل المثال- ما حدث في فترات إعصاري جونو وشاهين وأيضا جائحة كوفيد 19.

عليه؛ طالما أصبحنا نعيش في عالم متغير واحتمالية أكثر لحدوث الأنواء المناخية والتقلبات الاقتصادية فإنه ينبغي للدولة إيجاد وثيقة لكيفية تعامل الجهات الحكومية وأفراد المجتمع والمقيمين مع شتى أنواع المخاطر المحتمل حدوثها، والتصدي لها وتطوير وسائل التعافي منها بعد وقوعها.

سجل المخاطر الوطنية ـ نسخة المجتمع التي اطلعت عليها ـ يتوافق مع الممارسات الدولية؛ حيث إن هناك دولًا دأبت على إصدار أدلة للمخاطر الوطنية ومنها بريطانيا ونيوزيلندا وأستراليا وكندا.

من تلك الدول من أوكل تبعية المخاطر الوطنية لمكاتب رئاسة الوزراء؛ نظرًا لتأثيراتها على حياة الأفراد، وأيضا لمتابعة حوكمة قياس وتقييم تلك المخاطر بصورة أكثر كفاءة وفاعلية. يتضمن سجل المخاطر الوطنية مجموعة من المخاطر يصل عددها إلى ثلاثة عشر مقسمة في مجموعات نوعية وهي: المخاطر الطبيعية، والحوادث المتعلقة بالخدمات الأساسية ومنها انقطاع الكهرباء والمياه، والمخاطر الصحية والحوادث الكبرى.

أيضا تلك المخاطر غالبا تُقيم احتمالات حدوثها إلى خمسة مستويات تبدأ من منخفضة جدا إلى مرتفعة جدا.

الملاحظ أن أغلب المخاطر والحوادث المضمنة بالسجل الوطني تتعلق بالمناخ والظروف الطبيعية الاستثنائية؛ ولهذا تأهبت الدولة لذلك، فأنشأت منذ فترة المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة؛ للتصدي لتلك المخاطر، والعمل على الحد من تداعياتها على أفراد المجتمع والمقيمين.

إدارة المخاطر لها أهمية كبيرة؛ حيث إنها في حال عدم وجود آليات وبرامج حكومية لتقييمها وتتبع آثارها فإنه ينتج عنها خسائر في الأرواح والممتلكات. وإن كان من الصعوبة تحديد التكاليف المالية الناتجة عن المخاطر والحوادث إلا أن بعض الدراسات -على سبيل المثال- قدرت الخسائر الناجمة عن إعصار شاهين الذي حدث في (2021) بنسبة (% 0.5) من الناتج المحلي الإجمالي.

الاستعداد المبكر للمخاطر أيًا كان نوعها يعمل على استمرار الحياة بصورة طبيعية، وتجنب انقطاعات الخدمات الأساسية -على سبيل المثال: الكهرباء والمياه-، والذي من شأنه أن يقلل من اللجوء إلى ميزانيات الطوارئ. ولهذا؛ لتجنب آثار المخاطر على المسار المالي للميزانية العامة السنوية للدولة؛ فقد أنشئ الصندوق الوطني للحالات الطارئة؛ لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية والفيضانات التي تلحق أضرارا بأفراد المجتمع والبنية التحتية والممتلكات.

تعتبر أموال الصندوق حالة استثنائية؛ حيث منح صلاحية ترحيل الفوائض المالية غير المستخدمة من سنة إلى أخرى ـ لا تحول الفوائض المالية إلى الخزينة العامة للدولة ـ؛ وذلك لتكون للصندوق مقومات الاستدامة المالية، ويكون على درجة عالية من الجاهزية عند حدوث المخاطر.

لنأخذ مثالًا لبعض المخاطر المهمة التي وردت بالسجل الوطني وهي مخاطر الحرائق ومنها المتعلقة بالمنشآت الصناعية. تلك الحرائق كما هو ملاحظ آخذة في تزايد من سنة إلى أخرى؛ بسبب التوسع التنموي والسكاني. ولكن من خلال التحقيقات التي تقوم بها الجهات المختصة؛ فإن أكثر مسبباتها هي سوء التوصيلات والتمديدات الكهربائية، والأهم من ذلك الإهمال في تطبيق معايير الأمن والسلامة.

تحديد فئة الحرائق ضمن المخاطر الوطنية يتطلب من الجهات الحكومية المختصة العمل على تحديث معايير الأمن والسلامة الخاصة بالمنشآت التجارية والصناعية والمساكن بشكل مستمر، وتكثيف برامج توعية المجتمع في كيفية اتباع الإرشادات التي تصدرها الجهات المختصة في حال حدوث الحرائق وكيفية التعامل معها؛ حيث إن لتكثيف برامج التوعية التي تتم عبر وسائل التواصل المختلفة أهمية كبيرة في التقليل من تلك الحوادث؛ وبالتالي ينبغي لأفراد المجتمع اتباعها؛ حفاظًا على سلامتهم وسلامة الآخرين.

كما تضمن السجل الوطني حوادث النقل البحري والجوي التي قد تنشأ نتيجة الظواهر الطبيعية أو العيوب الفنية والأخطاء البشرية، ولكن هذه الحوادث تصنف احتمالات حدوثها بأنها منخفضة. هذا قد يكون صحيحا قياسا بقلة مرات حدوثها على المستوى الوطني، ولكن في الجانب الآخر فإن حوادث النقل البري وخاصة المركبات والحافلات تسير بوتيرة مرتفعة. فمع الجهود الحكومية في تأهيل الطرق والشوارع؛ إلا أن أغلب أسباب حوادث النقل البري ناتجة عن الإهمال ومخالفة قوانين السير على الطرق.

كما أن حوادث نسيان الأطفال في حافلات المدارس تعتبر مصدر قلق لأفراد المجتمع، إلا أنه يلاحظ أن هناك اهتمامًا ومتابعة من الجهات المختصة، وأيضا تناقش على مستوى المحافظات من خلال اجتماعات المجالس البلدية.

ولكن تلك الحوادث لم تصنف بمستوى المخاطر الوطنية حسب المعايير المتبعة في إعداد السجل الوطني. في نفس السياق؛ فإن الجهات المختصة لديها معايير للأمن والسلامة للحد من الحوادث، بيد أن التنبه لتلك المعايير وتفعيل تطبيقها غالبًا يكون عند وقوع الحوادث بدلالة التوجيهات التي صدرت خلال الفترة الماضية نحو إلزام المدارس بأخذ غياب الطلبة في الحصة الأولى. عليه؛ فمع وجود السجل الوطني للمخاطر فإنه يساعد على تقييم وتتبع مدى فاعلية أنظمة النقل الآمن بشكل عام.

تضمن السجل كذلك المخاطر الصحية، ومنها التلوث الغذائي الذي ينتج عن احتواء المواد الغذائية على الجراثيم أو المواد الكيميائية التي تؤدي إلى حدوث التسمم.

كما أن أكثر المخاطر الصحية -حسبما تمت الإشارة إليه بالسجل الوطني- هو التلوث الناتج عن الميكروبات الذي يعتبر الأكثر تأثيرًا على سلامة الغذاء.

وكون المخاطر الصحية أغلبها تصنف احتمالات حدوثها وتأثيرها إلى مستوى المتوسط؛ فقد أنشأت الحكومة المختبر المركزي للصحة العامة؛ ليكون إضافة نوعية في تفعيل آليات الرصد الوبائي، وحماية المجتمع من الأوبئة البشرية المستجدة. المخاطر الصحية مسؤولية الجميع سواء كانوا أفرادًا، أو جهات حكومية وخاصة.

عليه؛ لتتكامل الجهود فهناك حاجة إلى آليات أكثر فاعلية لتطبيق المعايير الصحية، وأيضا فإن اتباع التعليمات والإرشادات الواردة بسجل المخاطر الوطنية سوف بكون إضافة للتقليل من المخاطر الصحية التي قد تصيب أفراد المجتمع.

وليحقق سجل المخاطر الوطنية أهدافه وغاياته في تقييم درجات المخاطر والحوادث والتهديدات؛ فهناك توجيه سابق من قبل مجلس الوزراء نحو إيجاد وحدات إدارية تعنى بإدارة المخاطر على هيئة أقسام أو دوائر بجميع الوحدات الحكومية؛ وبالتالي ينبغي أن تكون تلك الوحدات الإدارية لديها أدوات ذات فاعلية للتصدي لكافة أشكال الحوادث والمخاطر قبل وقوعها وأثناءه، وأيضا آليات للحد منها مستقبلا.

تلك الوحدات الهيكلية يراعى في مواردها البشرية والمالية حجم كل جهة حكومية والخدمات المقدمة للمجتمع؛ بحيث تكون الهياكل متسقة مع طبيعة أعمالها واختصاصاتها.

ولتكامل الجهود بالوحدات الحكومية؛ فإنه من الممارسات الجيدة توجيه جميع الوحدات المعنية بإدارة المخاطر بالجهات الحكومية نحو إيجاد سجل داخلي للمخاطر يعنى بتقييم وتصنيف مستوى المخاطر، وتحديث وتقييم السياسات الداخلية المتعلقة بها مع رفع التقارير ـ بشكل مستمرـ للجان العليا المعنية بالمخاطر والتي أيضا ينبغي أن تنشأ في كل وحدة حكومية.

نعتقد بأن سجل المخاطر الوطنية الذي دشن الشهر الماضي يشكل مرحلة مفصلية في ظل حالات عدم اليقين بتوقيت حدوث الأنواء المناخية، وتعدد أنواع المخاطر والحوادث والتهديدات. وبالتالي؛ يكون لازمًا للمحافظة على المكتسبات الوطنية أهمية سجل المخاطر الوطنية؛ كونه وثيقة إطارية تحدد أكثر الأخطار الوطنية احتمالية حدوثها وتأثيراتها على أفراد المجتمع والمقيمين به.

نجاح تدشين سجل المخاطر الوطنية يتطلب قيام كل فرد بتحمل مسؤوليته نحو التقيد التام بمعايير الأمن والسلامة والإرشادات التي تصدرها الجهات المعنية، والابتعاد عن الإشاعات، وأخذ المعلومات من المصادر الرسمية؛ حفاظًا على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.