ماذا بعد الاعتراف بفلسطين؟

30 سبتمبر 2025
ترجمة: قاسم مكي
30 سبتمبر 2025

كتب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس في صحيفة نيويورك تايمز يوم الأربعاء منتقدا الموجة المتنامية لاعتراف الحكومات الغربية بدولة فلسطين. جاء في مقاله «الدعم المتزايد في الغرب للاعتراف يُؤَطَّر بأكثر مما ينبغي كتوبيخ لنتنياهو وسياساته الحربية. الحقيقة هي أن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في ظل الظروف الحالية ليس فقط رفضا لنتنياهو. إنه أيضا رفض للإجماع الحزبي (بين الحزبين الرئيسيين) في إسرائيل».

في هذا الجانب على الأقل، غانتس على صواب. وفي حين يستند مقالُه إلى عدد من الادعاءات التي هي محل جدل كبير إلا أن العالم يرفض حقا الإجماع الأمني الحزبي الحالي في إسرائيل. وهذا شيء جيد.

من المعقول والإنصاف رفض أي «توافق أمني» في أي بلد يرتكز على «فصل عنصري» ويقود إلى إبادة جماعية. في الواقع بإذعانها لتعهد حزبي إسرائيل بالقضاء على الحقوق الفلسطينية عاونت الدول الغربية في إيجاد الأزمة التي نواجهها اليوم. والاعتراف بالدولة الفلسطينية كخطوة نحو إنهاء ذلك الإذعان تحرُّكٌ طال انتظاره وفي الاتجاه الصحيح. لكنه ليس كافيا بأي حال.

فكما كتب مارك لينش وشبلي تلحمي في مقال مشترك نشرته مجلة «فورين افيرز» في عدد يوليو هنالك خطورة في التعامل مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية كهدف في حد ذاته. جاء في المقال «إذا أصبح الاعتراف الرسمي بديلا للدفاع عن أولوية القانون الدولي ومعالجة الحقائق الجوهرية للمعاناة الفلسطينية سيكون في أفضل الأحوال لفتة فارغة (بلا معنى) وفي أسوأ الأحوال سوء تخصيصٍ فادح لرأسمال سياسي دولي نادر».

بعد اعترافها بفلسطين على الحكومات الغربية التحرك للرد بطرائق محسوسة وليست رمزية فقط على ما يجري من استعمار وتقطيع لأوصال تلك الدولة. على كل هذه الحكومات اتخاذ خطوات على الفور للحفاظ على القانون الدولي وفرض ضغط حقيقي على الحكومة الإسرائيلية لوقف حملة النزوح القسري والتجويع والذبح في غزة وأيضا ضمها غير القانوني للضفة الغربية.

يجب على هذه الحكومات وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل وتعليق أشكال التعاون الأخرى وفرض أوامر المحكمة الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين المتورطين على نحو يتسم بالصدقية في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب.

على أوروبا قيادة هذه الجهود.

لقد كان فشل الاتحاد الأوروبي مؤخرا في تجميد اتفاقية الارتباط (الشراكة) مع إسرائيل بحسب الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار «خيانة قاسية وغير قانونية»، لكن يظهر أن المسؤولين في الاتحاد يراجعون هذا القرار الآن.

على الاتحاد الأوروبي أيضا النظر في تعليق مشروعات البحث والتطوير المشتركة بموجب برنامج «أفق أوروبا»، يمكن لدول الاتحاد منفردة بل يجب عليها أيضا التحرك إلى الأمام، كل منها بإجراءاتها الخاصة، لمعارضة انتهاكات القانون الدولي. أوروبا مقصد لحوالي ثلث الصادرات الإسرائيلية تقريبا. يجب على الحكومات استخدام رافعة النفوذ هذه وفرض حظر واسع على التجارة مع مستوطنات إسرائيل غير القانونية.

في الأثناء واستنادا إلى ما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأمم المتحدة من المؤكد تقريبا أن الولايات المتحدة ستظل جزءا من المشكلة. رغم ذلك توجد أشياء بمقدور الساسة المناصرين للسلام في الولايات المتحدة أن يفعلوها. فأعضاء الكونجرس يمكنهم الموافقة على إجراءات تؤيد الدولة الفلسطينية من شاكلة خطاب مجلس النواب الذي يقود مؤيديه النائب رو خانا. أيضا قدَّم عضو مجلس الشيوخ جيف ميركلي مشروع قرار يدعو الولايات المتحدة إلى الاعتراف بفلسطين وشارك في تبنيه عدد من زملائه المشرّعين.

لكن الأهم أن على الكونجرس تأييد إجراءات تحظر مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل مثل مشروع قانون حظر القنابل للنائبة ديليا راميريز إلى جانب قرارات رفضٍ أخرى لمنع إرسال المزيد من الأسلحة.

من المستبعد أن تغير هذه الإجراءات سياسة الولايات المتحدة في الأجل القريب. لكنها مفيدة في التدليل عمليا على أن عهد «الشيك على بياض» الذي يقدمه الغرب لإسرائيل يصل إلى نهايته.

لِنَعُد إلى ما قاله غانتس. يجب عدم السماح للإجماع السياسي في أي بلد بأن يكون وسيلة للإفلات من المحاسبة. لكن الحقيقة هي أن أي حل يجب أن يتعامل مع حقائق السياسة الداخلية الفلسطينية والإسرائيلية. وذلك هو السبب في أن على البلدان التي تفرض عقوبات على إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي توضيح أنها سترفعها عند توقف انتهاكات إسرائيل للقانون. فالهدف ليس معاقبة إسرائيل ولكن تأمين التعايش السلمي لكلا الشعبين في إسرائيل وفلسطين.

مع كل مستوطنة إسرائيلية تُبنى في الأراضي المحتلة يتضاءل احتمال حل الدولتين كما يُفهم تقليديا. ومن المفهوم أن هذا قاد العديدين إلى الاستنتاج بعدم واقعية المناداة بدولة فلسطينية. لكن حتى الآن لم تشعر إسرائيل أبدا بمحاسبة حقيقية وملموسة على السياسات التي تستهدف القضاء على احتمال قيام الدولة الفلسطينية. وفرض هذه المحاسبة اليوم ضروري للحفاظ على أي أمل بِحَلٍّ عادل.

في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء زعم ترامب أن الاعتراف بدولة فلسطينية «مكافأة» للإرهاب. لكن العكس أقرب إلى الحقيقة. فالاعتراف السياسي يكافئ الدبلوماسية. لقد كان الفشل المتكرر للعالم في تقديم هذا الاعتراف في الماضي هو الذي ساعد في ازدهار حماس.

وبَيَّن هجوم 7 أكتوبر وانتقام إسرائيل البربري مرة أخرى أن الوضع الحالي للاحتلال والحصار لا يمكن استمراره. والإقرار بذلك ليس مكافأة «للإرهاب». إنه اعتراف بالواقع. فالناس ببساطة لن يقبلوا بحبسهم في قفص إلى الأبد. وفي غياب الأدوات السلمية للتحرير سيختارون أدواتٍ عنيفة.

يجب أن يكون إنهاء إبادة غزة الأولوية الأكثر إلحاحا للعالم. وإذا أعقبت ذلك إجراءات ملموسة يمكن حينها أن يكون تأييد الدولة الفلسطينية وتقرير المصير جزءا مُهِمَّا من هذا المسعى. إيجاد مسار غير عنيف ويتصف بالصِّدقية للتحرير الفلسطيني هو الوسيلة الأفضل لتجنب سفك الدماء في المستقبل. أما إغلاق ذلك المسار لتجنب مكافأة الإرهاب فلن يقود إلا إلى المزيد منه.

ماثيو دَس نائب الرئيس التنفيذي بمركز السياسات الدولية.

عن مجلة فورين بوليسي.