ما سبب استمرار ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة؟

24 أكتوبر 2022
24 أكتوبر 2022

ترجمة قاسم مكي -

بعدما عزز تقرير الوظائف الإيجابي عن شهر سبتمبر موقف الديمقراطيين في انتخابات نصف الفترة الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة ذَكّرَ تقريرٌ مقلِق عن التضخم صدر هذا الشهر بالسبب الذي يدفع ما يقارب من أربعة أخماس الأمريكيين إلى وصف الأوضاع الاقتصادية بالهزيلة.

على الرغم من الهبوط في تكلفة وقود السيارات مؤخرا ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 8.2% خلال فترة الاثني عشر شهرا الماضية، وفقا لوزارة العمل. فقد بلغ معدل التضخم الأساسي والذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة 6.6%. وهو أعلى مستوى له منذ عام 1982. ومع ارتفاع الأسعار بوتيرة أسرع كثيرا من الأجور ليس غريبا أن يظل المزاج العام متعكرا.

الخبر المفرح أن التضخم الرئيسي هبط بما يقارب من نقطة مئوية واحدة منذ شهر يونيو عندما بلغ معدله 9.1% ومن المرجح أن يهبط أكثر في الشهور القادمة. لكن معدَّلي التضخم الأساسي والرئيسي عن شهر سبتمبر كانا كليهما أعلى مما توقع الاقتصاديون.

رد المستثمرون على ذلك بدفع عائدات السندات إلى أعلى تحسبا من استمرار بنك الاحتياط الفدرالي الذي تعهد بخفض التضخم من خلال الاستمرار في رفع سعر الفائدة. ويتوقع المستثمرون الآن أن يصل سعر الفائدة الذي تحدد في الوقت الحاضر بين 3% و3.25% إلى ما يقارب من 5% في النصف الأول من العام القادم. وكان قبل 12 شهرا قريبا من الصفر.

في وقت مبكر من هذا العام بدا من الممكن تماما أن يتراجع معدل التضخم بشدة حاليا. وكان الافتراض السائد أن أسعار كل الأشياء خصوصا تلك التي يتم شحنها من الصين والبلدان الأخرى في حاويات كبيرة ستنخفض مع حل مشكلات سلاسل التوريد المرتبطة بالجائحة وتراجع سعر النفط من المستويات المرتفعة التي بلغها بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

في الحقيقة حدث هذا. فباستثناء الغذاء والطاقة لم ترتفع أسعار كل السلع الأخرى في مجموعها على الإطلاق في الشهر الماضي، حسبما أوضح تقرير مؤشر أسعار المستهلك. وهبطت أسعار بعض السلع التي تُشترى على نطاق واسع وتشمل الملابس والأحذية والسيارات المستعملة والأجهزة المنزلية الرئيسية والهواتف الذكية ولوازم الرياضة.

المشكلة هي أن مثل هذه الأصناف تشكِّل أقل من ربع مؤشر أسعار المستهلك. وعلى الرغم من أننا مؤخرا شاهدنا تحسنا في صورة التضخم بالنسبة لهذه المنتجات لكن حدثت قفزات مقابلة (تلغي هذا التحسن) في أسعار منتجات أخرى تلعب دورا أكبر في الإنفاق العائلي مثل الغذاء الطاقة وخدمات مختلفة كإيجار المسكن والسفر الجوي والرعاية الطبية. التضخم في أسعار الخدمات وليس في أسعار السلع هو ما حال دون انخفاض المعدل العام بقدر كبير.

هنالك أرقام قليلة من تقرير مؤشر أسعار المستهلك توضح ما يحدث. فأسعار الغذاء قفزت بنسبة 0.8% مرة أخرى في سبتمبر وهذا ما رفع إجمالي السعر خلال فترة الإثني عشر شهرا السابقة إلى 11.2%. وارتفعت تكلفة الكهرباء والغاز بنسبة 1.1% في الشهر الماضي ويعني هذا ارتفاعا كبيرا في هذه التكلفة خلال العام السابق إلى 19.8%.

وارتفعت أسعار الخدمات الأخرى (بخلاف الطاقة) بنسبة 0.8% في ذلك الشهر وبنسبة 6.6% خلال العام المنصرم. وبما أن هذه الخدمات تشكل أكثر من نصف مؤشر أسعار المستهلك من الصعب خفض المعدل العام للتضخم فيما ترتفع أسعار الخدمات بسرعة.

مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة (يوم الثلاثاء 8 نوفمبر) سارع الساسة من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى التعليق على أرقام التضخم هذه (وهي آخر أرقام تنشر قبل هذه الانتخابات.)

قال الرئيس بايدن في تصريح « تكلفة المعيشة تضغط على الأمريكيين. كان ذلك صحيحا لسنوات. ولا يحتاجون إلى تقرير (التضخم الذي صدر) اليوم ليخبرهم بذلك.» كما أكد على الهبوط في معدل التضخم العام منذ يونيو. وأشار إلى أن معالجة ارتفاع الأسعار تمثل أولويته القصوى.

من الجانب الآخر، انقضَّ الجمهوريون على الأرقام المرتفعة التي وردت في التقرير. ونشر ميتش مكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ، تصريحا جاء فيه «التضخم المنفلت يستمر في سحق العائلات العاملة. ولا تبدو أية انفراجة في الأفق.»

على الرغم من تقرير سبتمبر المخيب للآمال إلا أن ما يؤكد عليه مكونيل غير صحيح. فهنالك عوامل عديدة تشير إلى المزيد من الهبوط في معدل التضخم خلال الشهور القادمة. ومع اقتراب العام من نهايته ستخرج بعض الزيادات الكبيرة التي شهدتها الأسعار في أواخر عام2021 من أرقام تقرير التضخم السنوي (لفترة الإثني عشر شهرا بأكملها).

مع الانخفاض الحاد في تكاليف الشحن البحري مؤخرا يلزم أن تستمر أسعار العديد من السلع في الانخفاض. أسعار النفط لا تزال عاملا مجهولا. وعلى الرغم من إعلان أوبك عن نيتها خفض الإنتاج إلا أن أسعار النفط لم ترتفع كثيرا عن مستواها قبل 12 شهرا. وهي أقل بحوالي 25% من ذروتها في وقت مبكر من هذا العام. ومن الصعب التنبؤ بما سيحدث لأسعار الخدمات. لكن هنالك مؤشرات على أن الإيجارات والتي هي واحدة من أكبر محركات التضخم في هذا القطاع بالولايات المتحدة ربما بلغت ذروتها أخيرا. ومع استمرار أسعار فائدة بنك الاحتياط في إبطاء الطلب ونمو الوظائف سيساعد ذلك أيضا على اعتدال ارتفاع الأسعار.

كتب إيان شيفيردسون، كبير الاقتصاديين بشركة بانثيون ماكرو ايكونوميكس في تعميم للعملاء بعد صدور تقرير مؤشر أسعار المستهلك ما يلي « ضغوطات خفض التضخم يمكن مشاهدتها في كل مكان باستثناء أرقام التضخم.» في هذه العبارة شيء من الدعابة السوداء. لكنها ليست بعيدة عن الحقيقة.

من الصعب معرفة الأثر السياسي لهذا التقرير إذا كان ثمة أثر من هذا القبيل.

الاعتقاد السائد هو أن استمرار ارتفاع التضخم يؤذي من هم في سدة الحكم. لكن شعبية الرئيس بايدن تعافت في الشهور الثلاثة الأخيرة وتقدم الديمقراطيون على الجمهوريين في استطلاع الاقتراع العام.

ربما هبوط أسعار البنزين منذ الصيف له أثر في ذلك. وربما تطغى على المخاوف الاقتصادية انتصاراتُ بايدن التشريعية وقرارُ المحكمة العليا حول الإجهاض وعودةُ دونالد ترامب إلى المشهد والمخاوفُ بشأن التطرف الجمهوري. أو ربما تفتقر استطلاعات الرأي العام إلى شيء ما. لن نعلم قبل الثامن من نوفمبر (موعد الانتخابات النصفية).

جون كاسيدي كاتب ومحرر بمجلة نيويوركر

ترجمة خاصة لـ $