لماذا يكره ترامب شعار «لا ملوك بعد اليوم»؟
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
نظرت إلى الناس، ولم أرَ فيهم تمثيلًا لهذا البلد. ورأيت لافتات جديدة تمامًا يبدو أنها مموّلة من سوروس (الملياردير الأمريكي ذي الميول الليبرالية الذي يدعم منظمات المجتمع المدني)، وأتباع اليسار الراديكالي المجانين. نحن نتحقق من الأمر. المظاهرات كانت صغيرة، والناس مختلون.
وفي اليوم نفسه نشر الرئيس على منصة «تروث سوشيال» مقطع فيديو أنتجه الذكاء الاصطناعي يُظهره وهو يقود طائرة حربية ويقصف المتظاهرين بسيول من القاذورات مرتديًا تاجًا على رأسه. هذه ليست مبالغة، بل حدث بالفعل.
وهناك أيضًا تقليد نبيل في الحزبين الجمهوري والديمقراطي يقوم على أن الحكومة يجب أن تعيش في حدود إمكاناتها وألا تُثقل كاهل الأجيال القادمة بالديون»، ثم دعا المتظاهرين إلى تحديد مطالبهم بوضوح حتى يمكن العمل على أرضية مشتركة.
قد يظن البعض أن الفارق بين الرجلين مجرد اختلاف في الطباع، لكن المسألة أعمق من ذلك. فحتى الرئيس ريتشارد نيكسون -المعروف بحقده العميق على معارضيه- التقى طلابًا من المحتجين على حرب فيتنام عند نصب لنكولن التذكاري، محاولًا فهم وجهة نظرهم بوصفهم مواطنين لا خصومًا.
أما ترامب فلا يرى نفسه رئيسًا لكل الأمريكيين، بل لقومه وحدهم، أولئك الذين يسكنون ما يسميه «أمريكا ماجا» والمحددة بألوان خريطة الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ليست القضية أنه يهتم بمصالح مؤيديه فحسب، بل إنه يُضمر كراهية صريحة لمن يعارضونه.
وقد قال في مناسبة رسمية لتأبين الناشط المحافظ تشارلي كيرك الشهر الماضي: «أنا أكره خصمي ولا أريد له الخير» ما يريده ترامب هو السيطرة، لا الحوار. ولأجل ذلك حوّل الأجهزة الأكثر قسوة في الدولة إلى أدوات لتركيع معارضيه، أو «أعدائه» كما يراهم، وإجبارهم على الخضوع لإرادته. ولهذا خرج الملايين يهتفون تحت شعار «لا ملوك بعد اليوم» رافضين نزعاته السلطوية وأحلامه الملكية.
فقد أنشأ أجهزة جديدة لملاحقة خصومه، وأبقى جيوشًا في المدن من دون موافقة الكونجرس، وجعل المؤسسة العسكرية فوق المدنية، وقطع طرق التجارة، وفرض الضرائب دون استشارة المشرعين، بل صرف أموال الدولة من دون تفويض برلماني لدفع رواتب الجنود أثناء الإغلاق الحكومي في مشهد يعيد إلى الأذهان ممارسات الملوك المستبدين في أوروبا القديمة.
كل ذلك في سبيل إعادة تشكيل نظام الحكم الأمريكي على صورته هو؛ ليصبح سلطة فردية مطلقة. لقد أدرك معارضوه أنه يسعى إلى قوة تمكنه من سحقهم، ولم يُخفِ هو رغبته في تحويل مؤسسات الدولة ضد الولايات التي تميل إلى الديمقراطيين، ومعاقبة مواطنيها؛ لأنهم لا يصوتون له. ففي حديثه أمام قيادات الجيش مؤخرًا قال: «نحن نواجه غزوًا من الداخل لا يختلف عن الغزو الأجنبي.
إنها حرب داخلية»؛ ولهذا استخدم الحرس الوطني لاحتلال المدن، واستبدل القانون المدني بالأوامر العسكرية، وسخّر أجهزة الأمن الفيدرالية لملاحقة خصومه السياسيين والجامعات والمنظمات التي يصفها بالليبرالية، كما جمّد أموالًا مخصصة للولايات ذات الأغلبية الديمقراطية، وهدد بقطع التمويل عن مدن مثل نيويورك.
وقال في أحد اجتماعات الحكومة: «نحن نقطع فقط برامج الديمقراطيين. أكره أن أقول ذلك، لكنها الحقيقة. سنوقف برامجهم الشهيرة التي لا تروق للجمهوريين». والمفارقة أن هذا الإصرار على معنياقبة الديمقراطيين أضرّ بملايين من أنصاره المقيمين في ولايات كبرى مثل نيويورك وإلينوي وكاليفورنيا غير مدرك أن في مقاطعة لوس أنجلوس وحدها من صوّتوا له أكثر مما في ولاية أوكلاهوما كلها.
ففي نهاية المطاف لا يمكن حكم دولة على أساس «فريقي ضد فريقكم». فالولايات المتحدة لا تنقسم حقًا إلى مجتمعين منفصلين مهما أظهرت الخرائط الانتخابية. فالشعب الأمريكي رغم انقسامه السياسي يعيش في وطن واحد ينهض أو يسقط معًا. ومن ثم فإن سياسة الانتقام التي ينتهجها ترامب تلحق الضرر بالجميع حتى بمن يصفقون له من أنصاره.
