في الحب وأنواعه

15 مايو 2023
15 مايو 2023

كيف للزواج المبني على الحب أن يتحطم بسهولة؟ هناك الكثير من حالات الزواج التي بنيت على حب «حقيقي» لا تستطيع الصمود طويلا، وهذا على عكس المتوقع بناء على تلك الصورة النمطية التي تعطى للحب في الأفلام وروايات الغرام والتي تصوِّر الحب الرومانسي شرطا مهما من شروط الزواج بغيره يصبح الزواج بلا معنى، وتبرز صورة الزواج عن حب بالمقارنة مع الزواج المُخطَّط له من قبل الأهل على أنه الطريقة الفضلى التي من غيرها يكون الحب بلا شعلة تمده بالطاقة اللازمة للاستمرار.

هناك في الدراسات النفسية تفريق بين حب الشغف وحب الرفقة: حب الشغف «خليط مربك من اللطف والمشاعر الجنسية، والابتهاج والألم، والقلق والارتياح، والغيرية والغيرة»، ولكأن هذا الحب هو الغريزة الموجهة للمحبوب، أي أنه غريزة وعاطفة معا؛ أما حب الرفقة فهو «الانجذاب الذي نشعر به للذين نتشارك معهم حياتنا»، ولكأن هذا الحب يمثل الثقة في المحبوب ورعايته وتحمل أخطائه وهفواته.

ومن الواضح أن لكل نوع من نوعي الحب هذين نقاط قوة ونقاط ضعف؛ فحب الشغف مليء بالإثارة والعاطفة لكن جذوة هذه الإثارة معرَّضة للتلاشي مع الزمن، فيما ينحو حب الرفقة إلى الاهتمام والرعاية ويكون أكثر قدرة على مواجهة الزمن لكنّه في المقابل خافت المشاعر والإثارة، ويبدو أن نوعي الحب هذين يمكن أن يتعايشا معا بنسب مختلفة كل حين وآن، ولكنّ عامل الزمن يقوّي فيما يبدو حب الرفقة؛ فالعاطفة الجيّاشة والإثارة الجسمية التي تمثل حب الشغف تتلاشيان مع الألفة وتقدم العمر، وقد يكون هذا هو ما يُعبَّر عنه في أحاديثنا بزوال «الحب» وبقاء «المودة والرحمة».

هناك أيضا مقاربة أخرى للحب تمثلها النظرية الثلاثية في الحب قد تكون أكثر تعقيدا بقليل وأفضل على الشرح، وهي تُمايِز الحب إلى ثلاثة عناصر: عنصر عاطفي تسميه «الألفة» يمثل المودة والدفء وانفتاح الواحد على الآخر؛ وعنصر غريزي تسميه «الشغف» يمثل الانجذاب والرغبة والشهوة؛ وعنصر ذهني تسميه «الالتزام» يمثل الرغبة في إبقاء العلاقة والعمل على ديمومتها وتخطي العقبات التي تعترضها.

وبناء على ارتفاع شدة هذه العناصر الثلاثة أو انخفاضها تتشكل أنواع من الحب، منها: حب الافتتان، حين يكون الشغف مرتفعا والألفة والالتزام منخفضين؛ والحب الفارغ، حين يكون الالتزام مرتفعا والشغف والألفة منخفضين؛ والحب الرومانسي، حين تكون الألفة والشغف مرتفعين والالتزام منخفضا؛ وحب الرفقة حين تكون الألفة والالتزام مرتفعين والشغف منخفضا، والحب الأحمق حين يكون الالتزام والشغف مرتفعين والألفة منخفضة، والحب الكامل حين تكون الألفة والشغف والالتزام مرتفعة جميعها.

يمكننا أن نلاحظ من خلال هذه النظرية أهمية العناصر الثلاثة في تكوين الحب، ومن الطبيعي أن هذه العناصر ليست ثابتة بل تتغير مع الزمن؛ فالزمن يقوّي بعضها ويضعف الآخر، وهي تتفاعل مع بعضها أيضا؛ فمن يألف، أي تكون لديه عاطفة قوية للمحبوب يمكنه أن يقوِّي التزامه بالمحبوب، ومن يلتزم بالمحبوب يمكن أن يطور ألفته وعاطفته، ويمكننا ببساطة أن نرى أن الحب الرومانسي (كما تُوصِّفه النظرية) ينخفض فيه الالتزام، وهذا ما يمكن أن يكون جوابا على سؤالنا في صدر المقال؛ فالحب الرومانسي حب متقد بالعاطفة والانجذاب الجسمي، وهذا يبدو جميلا للوهلة الأولى لكنه لا يقوى على الزمن وواقعية الحياة اللذين يظهران المشاكل المالية والحياتية واللوجستية والعائلية والحمل والولادة ووجود الأطفال إلخ إلخ، أي ما ينحته الزمن في الأشخاص، ما ينحته في أفكارهم وشبابهم وعاطفتهم؛ فالزمن، كما نعلم، لا يبقِي ولا يذر!

وفي مقابل الزواج الذي ينشأ عن حب رومانسي والذي قد يتحطم بسبب انخفاض الالتزام كما رأينا يأتي الزواج الذي يُخطَّط له من قبل العائلة والذي ينشِئ عادة حبا فارغا، وقد يتحطم هذا النوع من الحب بسبب انخفاض العاطفة والشغف.

وفي كل الأحوال يتطلب الزواج عملا جادا ودؤوبا واشتغالا مستمرا؛ فعنصر الالتزام فيه ليس أمرا سهلا ولا ينتج مباشرة ولزوما من العاطفة والشغف بل يحتاج إلى وعي وإدراك وتضحيات ومتاعب وجهود، يحتاج إلى تفكير بعيد المدى يمتد لعشرات السنين.