عن الزواج من الخارج والحرية
ما هو الحل الجذري لتنجب حوادث السيارات؟ أن يُمنَع الناس من سياقة السيارات، ويسير في درب هذا المثال «النكتةُ» التي تقول: «ما أفضل طريقة لحل مشكلة الطلاق؟ بسيطة: عدم الزواج»! وهذا بالضبط ما يدعو له بعض الناس، عن حسن نية طبعا، حين يهوِّلون ويفزِّعون من الزواج من الخارج بعد صدور مرسوم السماح بالزواج من الخارج، يقولون: له سلبياته المؤكدة! ولكأن هناك شيئا في هذه الحياة من دون سلبيات! والحجة تسير هكذا: «بما أن الموضوع قيد النقاش سيؤدي إلى بعض السلبيات في المجتمع فالأفضل أن نمنعه إنْ كنا في محل المنع أو نطالب بمنعه إن كنا في محل الامتثال»، وكما يقول المثل: «لماذا تعصب رأسك ورأسك ما يوجعك»، وبما أن المثل بالمثل يذكر، فـ«الباب الذي تأتيك منه الريح، سده واستريح»!
واللغط الحاصل هذه الأيام في مجتمعنا حول الزواج من الخارج يُظهِر لنا بصورة جلية مشكلة الحرية وخوف الإنسان من أن يأخذ حريته ويكون مسؤولا عن تصرفاته، ويمكننا أن نصوغ هذه المشكلة في السؤال التالي: أيهما أفضل، أن تتركني أفعل ما أريد وربما أخطئ أو تمنعني من فعل ما أريد ولن أخطئ أبدا؟ هناك من يرى فيما يبدو أن الأفضل أن تمنعني من فعل ما أريد فهذا يجعل الأمور أيسر لي، صحيح أنه يحُدُّ من اختياراتي لكني سأكون في مأمن وأستطيع أن أعيش بخياراتي المحدودة من غير أن يُطلَب مني أن أُعمِل عقلي وأُفعِّل إرادتي وأقول أريد أو لا أريد، وفي رأيي ليس هذا إلا خوف من حرية الاختيار؛ فلكأن الأصل هو المنع والحرمة والاستثناء هو السماح وحرية الاختيار.
ومن خلال تنقلي، غير الشامل، بين آراء من كتبوا في وسائل التواصل الاجتماعي أو علَّقوا بفكاهة أو من أرجَفهم الأمر إلى حد أن بدؤوا في تفزيع الناس من هذه الطامة الكبرى والخطر المحدق، لم أجد إجابة على سؤال مهم وهو: لماذا مُنِع الزواج من الخارج أصلا؟ ما الذي حدا بواضعي القرارات حينها أن يمنعوا فيما يبدو حقا من حقوق الناس البسيطة والمتفق عليه فيما يبدو عالميا والذي لا يضاد التشريعات الدينية ويتوافق مع حقوق الإنسان العامة؟
لعلي أوجز ما استشففته من الحوارات الدائرة حول الموضوع وخصوصا من آراء من يرون المنع في الأمور التالية: هناك خوف مبالغ فيه من الانفتاح على الآخر، ويبدو هذا الخوف في مواضيع متعددة ليس الزواج من الخارج بأولها ولن يكون آخرها، فهناك موسوسون يخشون من ظلهم ويخشون من أي تغيير في المجتمع وفي الإنسان، فتراهم يسارعون لتخويف الناس من كل أمر جديد بحجج مختلفة مثل هدم المجتمع وتفكيكه والمؤامرة ضده، وبعض هؤلاء يرجون الصالح العام لكن بعضهم لعلهم يسعون لامتلاك السلطة الاجتماعية أو لديهم شهوة للاستعراضات الجوفاء الخُلّب؛ وهناك خوف من اتخاذ القرارات، أي خوف من الحرية، لدرجة تقترب أحيانا من الاستلاب، فمع كل حركة يمكن أن تشي بترك حرية أمر ما للإنسان الفرد يرتعب البعض ويظنون أن الحكومة التي هي ولي الأمر - ويا له من تعبير! تفعل جللا وتأتي أمرا إدَّا، فلكأن قائما على سجن يفتح الباب أمام فرد ما ليخرج من سجنه لكنّ الفرد يقول «أرجوكم وأتوسل إليكم، اغلقوه! أنا في خير هنا»؛ وهناك ازدواجية في معايير التسامح والتفاهم، فالقول يُصرِّح بالتسامح والتفاهم والتعايش والفعل يشي بالعكس، وتصل الازدواجية أحيانا إلى حد تظهر فيه «المركزية العرقية» و«نقاء السلالة» بدواعي «الخصوصية» و«الكفاءة»!
وفي الختام لا يسعني إلا أن أتمنى أن تُزال العوائق والقوانين الزائدة عن اللازم والتي استنفدت أغراضها والتي لا تفعل إلا أن تهوّل من خوفنا من الآخر، أخينا في الإنسانية، وتقلل من حريتنا الفكرية والتعبيرية والمعيشية!
