عن الأدوية المضادة للاكتئاب «1»

17 أبريل 2023
17 أبريل 2023

يرفض بعض المرضى بالاكتئاب تناول أدوية مضادة للاكتئاب معللين ذلك بأسباب يرونها وجيهة، من بينها: الأدوية المضادة للاكتئاب مخدِّرة وحسب ولا تفيد إلا أن تخدر مشاعرك؛ الأدوية مواد كيميائية وكل المواد الكيميائية مضرة أو نفعها أقل بكثير من ضررها؛ الاكتئاب يختص بالنفس ولا يفيد أن نعالج مشكلة نفسية باستعمال الأدوية؛ الأطباء يسرعون لإعطائك دواء سواء كنت تحتاج له أو لا تحتاج؛ الاكتئاب دلالة على نقص في التدين وإلا لما أصابك الاكتئاب لو كنت قوي الإيمان وما عليك إلا أن تقوِّي إيمانك، وهذه الأسباب تخلط الحابل بالنابل وتلصق معلومات صحيحة بأخرى مغلوطة، وهي مزيج من أفكار قديمة متحدرة من التقاليد وأفكار حديثة مغلوطة شائعة في مواقع الإنترنت العامة، ومن الجيد إعادة النظر فيها جميعها وشرحها كل مرة للمريض وأهله.

الأدوية المضادة للاكتئاب ليست أدوية مخدرة؛ لا تصنف كأدوية مخدرة ولا تحتوي على مواصفات الأدوية المخدرة؛ فالدواء المخدر يجعلك بعد فترة من الزمن تعتاد عليه فتحتاج إلى جرعة أعلى لإحداث التأثير السابق نفسه، وحين تقطعه تدخل في أعراض انسحابية تجبرك على العودة إليه؛ أما الأدوية المضادة للاكتئاب فقد تفيدك بنسبة معينة غير كافية ولذا ربما يرفع الطبيب الجرعة توخِّيا لنسبة تأثير أعلى لكن الأدوية هذه لا تجعلك تعتاد عليها، وهناك جرعة أعلى لكل دواء لا يمكن للطبيب أن يرفع الدواء أعلى منها، أما حين يُقطَع الدواء المضاد للاكتئاب فيفضَّل أن يُقطَع بتدرج كي لا تكون هناك أعراض توقف، والتدرج في توقيف دواء كي لا تحصل أعراض التوقف الفجائي يقابله التدرج في الابتداء بالدواء كي لا تحصل الأعراض الجانبية الأولى.

ومن المفيد أن تعرفَ أن الطبيب النفسي يمكن أن يصف لك دواء مهدئا أو مخدرا، وهي تصنَّف أحيانا ضمن الأدوية المنومة أو الأدوية المضادة للقلق، ومن المفيد أيضا أن تعرف أن هذه التصنيفات تصنيفات صيدلانية؛ فعادة ما يُصنَّف الدواء في البداية حسب مفعوله المُكتَشف أولا أو حسب خصائصه البيوكيميائية إلا أن ذلك لا يعني أن هذه الأدوية لن تفيد في أمراض أو أعراض أخرى؛ فالأدوية المضادة للاكتئاب مثلا لا يصفها الطبيب النفسي للاكتئاب فحسب بل كذلك للقلق والوسواس والعصبية والعدوانية وربما يصف بعضها للأرق؛ أما الأدوية المضادة للقلق المخدرة فتستعمل في حالات القلق الشديد كما في اضطراب الهلع، وهو حين تنتاب المرء نوبات من الخوف الشديد تزيد دقات القلب وترفع وتيرة التنفس وتدخله في مزيج من الأعراض الجسمية المختلفة ويفكر المرء أثناءها أنه لا محالة ميت أو مختنق، وفي هذه الحالات قد لا تفيد الأدوية التي توصَف للقلق العام وحدها بل يكون المريض بحاجة كذلك إلى أدوية مخدرة لإجهاض النوبات كيما يعود المريض إلى استقراره ويستطيع من ثَم أن يمارس حياته، وهذه الأدوية المخدرة لا توصف في العادة لفترات طويلة وإن وصفت تكون لأسباب محددة، وعلى الطبيب في كل الأحوال أن يسجِّل في ملاحظاته السبب الذي من أجله ارتأى أن يستمر في مثل هذا الدواء المخدر.

والأهم من ذلك أن الطبيب النفسي لا يصف الأدوية المخدرة- إن وصفها- هكذا دون مناقشة مع المريض؛ إن واحدة من السياسات التي تتضمنها بروتوكولات العلاجات الدوائية العالمية والتي يتّبعها الأطباء النفسيون حول العالم هي أن يُناقَش المريض ويُعرَّف بالأدوية والعلاجات النفسية المتوفرة لعلاج مرضه أو مشكلته النفسية، ويشارِك المريض من ثَمَّ في اختيار طريقة العلاج والدواء المناسبين له، لذلك ليس هناك خداع من قبل الطبيب فالطبيب لا يريد أن يمارس ألاعيب على المريض أو يستدرجه لأخذ أدوية مخدرة؛ فالطبيب النفسي، والأطباء عموما، ليسوا حواة ولا مشعوذين يغلّفون مهنتهم بالأسرار والهالات والشعبذات، إن المريض شريك في الاختيار ما لم يكن في حالة طارئة لا يستطيع أن يختار فيها أو كانت المسألة مسألة حياة أو موت فحينها وحينها فقط يختار الطبيب للمريض من غير استشارته ولكنه حتى في تلك الحالات لا يتصرف بناء على رأي أو هوى وإنما بناء على ما تقوله المصادر الطبية العلمية.

لذلك من المناسب إن كان لديك بعض المخاوف أو المحاذير حول الأدوية الموصوفة لك أن تناقش طبيبك فيها؛ فمن المفترض أن تكون فكرة «الطبيب أدرى بمرضك وأدرى بعلاجك» قد اختفت من قاموس الأطباء المعاصرين، فحتى وإن كان الطبيب أدرى وأعلم وأخبر فهذا لا يخوّله أن يصف لك علاجا أو دواء من دون أن يبين لك فوائده ومضاره ويزيل مخاوفك منه ويبصرك بتفاصيله.