خطة دونالد ترامب لغزة تتجاهل الخطوة الأولى
ترجمة - أحمد شافعي
في يوم الاثنين الماضي، كشف الرئيس دونالد ترامب النقاب عن خطة من عشرين نقطة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، إذ تعالج الخطة الكثير من المواضيع المحورية التي تديم الصراع الراهن بين إسرائيل وحماس، لكنها قد تكون خطة أشد طموحا مما ينبغي. فلا بد لأي خطة ناجحة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة أن تجعل الأولوية لإدارة الأزمة والأمن والحكم المؤقت قبل معالجة تحديات المدى البعيد من قبيل التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.
يجب أن يركز المفاوضون جهودهم أولا على ضمان صفقة تنهي الحرب في غزة، وضمان انسحاب إسرائيلي منسق من القطاع، وتكوين هيئة حكم مؤقتة، ومعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة للمدنيين في غزة. وفي حين أن أي خطة لما بعد الحرب في غزة هي خير من عدم وجود خطة بالمرة، فلا بد أن يجعل المفاوضون الأولوية للسياسة الكفيلة أولا بـ«إيقاف النزيف» قبل النظر في المبادرات بعيدة المدى من قبيل الاستثمار والتنمية العقارية.
لقد قوبلت الخطة التي أعلنها البيت الأبيض في أعقاب لقاء ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بردود فعل إيجابية من بلاد كثيرة في العالم العربي من بينها قطر والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية وكذلك من دول إسلامية غير عربية مهمة من قبيل تركيا وباكستان وإندونسيا. وفي حال موافقة إسرائيل وحماس على المقترح، سوف تنتهي الحرب فورا، ويتم تحرير جميع الرهائن الباقين ـ أحيائهم وأمواتهم ـ في غضون اثنتين وسبعين ساعة في مقابل 1950 سجينا فلسطينيا. وتنزع حماس سلاحها، وتتولى «لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية» الحكم في المدى القريب بمشورة وإشراف من «مجلس سلام».
تتبنى الخطة نهجا مبدعا لمعالجة كل من المخاوف الإنسانية والتحديات الأمنية ضمن إطار شامل واحد. فعلى سبيل المثال، تشير الخطة إلى الشروع فورا في تدفق المساعدات على غزة مرة أخرى بمعدل يتناسب مع العدد اليومي للشاحنات التي دخلت القطاع خلال وقف إطلاق النار في يناير من عام 2025. وتبرز الخطة أيضا الحاجة إلى إعادة إعمار البنية الأساسية المحورية -من قبيل محطات معالجة المياه والمستشفيات والمطابخ الجماعية- وضمان «عدم إرغام أحد على مغادرة غزة، وإتاحة مجال الخروج منها للراغبين في ذلك على أن يتاح لهم مجال العودة».
غير أن إطار ترامب يحتوي العديد أيضا من المخاطر. فهو يحاول معالجة الكثير للغاية من القضايا في وقت واحد، ومنها الحكم في ما بعد الحرب، وإعادة الإعمار، والتنمية الاقتصادية، والمساعدات، لكن ما تحتاج إليه غزة بالفعل هو خطة تخمد أشد الحرائق في المقام الأول. ففور استقرار الوضع على الأرض، ونزع سلاح حماس، وتلبية احتياجات المدنيين الأساسية، سوف يتسنى الشروع في الحوارات المتعلقة بإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.
يجب أن يجعل المفاوضون الأولوية لاتفاقية أصغر نطاقا تتعلق بإنهاء القتال، وتحرير الرهائن (وهو شرط وافقت حماس على تلبيته)، وضمان تدفق ضخم للمساعدات على غزة لمعالجة المجاعة القائمة وانهيار نظام الرعاية الصحية. وفور معالجة هذه المخاوف العاجلة، يكون بوسع صناع السياسات أن يؤسسوا على النجاحات السابقة ويصوغوا اتفاقات إضافية تتناول قضايا أكبر وأصعب وأبعد مدى من قبيل إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. وفي نهاية المطاف، لا يمكن أن يعاد بناء غزة بينما شعبها جائع ومحتضر بسبب أمراض يمكن التغلب عليها. والأهم إطلاقا هو أن أي خطة لـ«اليوم التالي» تعجز عن معالجة حقوق الإنسان والوضع الأمني لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين سوف تكون مستبعدة النجاح.
فضلا عن ذلك، تنص الخطة على ضرورة أن يخضع حكم غزة المؤقت لإشراف «مجلس سلام» برئاسة ترامب نفسه ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. ووفقا لوثائق أصدرها البيت الأبيض، سوف يشرف المجلس على إعادة إعمار غزة إلى أن تجري السلطة الفلسطينية إصلاحات كافية ولكنها غير محددة بعد. والأهم من ذلك أن خطة ترامب لا تذكر دورا للفلسطينيين في المجلس الإشرافي، ولا تعالج مسألة توحيد غزة مع الضفة الغربية.
ويحتوي المقترح أيضا لغة مماثلة لرؤية الرئيس في فبراير 2025 المتعلقة بـ«ريفييرا غزة»، التي تصورت «استيلاء» أمريكا على قطاع غزة، وإخراج المدنيين الفلسطينيين، وتنمية القطاع بحيث يصبح «منطقة اقتصادية خاصة». وفي خطة ترامب بعض النقاط الجيدة، لكنها لا تزال تنظر إلى غزة أساسا باعتبارها فرصة استثمارية أكثر منها حالة طارئة إنسانية ودبلوماسية في أمس الاحتياج إلى التدخل الدولي.
ولو أن إدارة ترامب ملتزمة بلعب دور أساسي في الإشراف على إعادة إعمار غزة بعد الحرب، فلا بد أن تكون عازمة على تكريس سنين من الموارد الدبلوماسية لهذا الموضوع. ولا بد أن تتهيأ لإجراء حوارات عصيبة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والشركاء العرب والحلفاء الأوروبيين على السواء إذا ما كانت تريد أن ترى جميع الأطراف يوفون بالتزاماتهم على المدى البعيد.
وفي حين أنه ما من شك في أن السلطات الحاكمة لغزة، ومنها السلطة الفلسطينية، سوف تحتاج إلى دعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للمساعدة في تعافي ما بعد الحرب، فلا بد أن تحرص واشنطن أيضا على عمل ذلك بطريقة لا تعد استغلالية. فلا بد أن تحرص على تنسيق المساعدات مع الأردن ومصر للاعتماد على شركاء إقليميين كلما أمكن ذلك. والقيام بهذا سوف يحافظ على مصداقية واشنطن في دورها بوصفها وسيطا محايدا موثوقا فيه خلال النقاشات المستقبلية المتعلقة بقضايا أكبر من قبيل التبادل التجاري وأمن الحدود والدولة الفلسطينية.
مؤكد أنه لن توجد خطة مثلى لـ«اليوم التالي» في غزة ما بعد الحرب. فمن شأن أي اتفاقية تنهي الحرب أن تثير غضب الإسرائيليين والفلسطينيين وشركائهم الغربيين بدرجات متفاوتة. وسوف تستوجب أي اتفاقية من حماس التفاوض بوصفها فاعلا حسن النية يفي بالتزاماته، وهذا قطعا غير مضمون. غير أن تجاهل حكم غزة في ما بعد الحرب هو الخيار الأسوأ، وفي حين أن خطة ترامب معيبة، فمن الممكن استعمال جوانب منها لتحقيق إنهاء هذا الصراع.
ومن أجل تحقيق أكبر فرصة ممكنة للنجاح، يجدر بالبيت الأبيض أن يقسم ويرتب طموحاته في خطتين متصلتين أصغر حجما، إحداهما تركز على إنهاء الحرب، إعادة الرهائن إلى بيوتهم، وإحلال الاستقرار في غزة، والثانية تتعلق بإعادة الإعمار على المدى البعيد. ويجب أن تحتوي هذه العملية رأي الفلسطينيين كلما أمكن هذا، وتوفير فرصة لحكومة ما بعد حماس أن تقيم شرعية محلية منذ البداية. ويتفق كثير من الفلسطينيين والإسرائيليين وأعضاء المجتمع الدولي على أن هذه الحرب قد طالت أكثر مما ينبغي. والتفكير في خطط ما بعد الحرب أهم حاليا منه في أي وقت مضى، وهو أمر حاسم لضمان أمن كل من الفلسطينيين والإسرائيليين في المدى البعيد.
ديلاني سوليداي باحثة مساعدة في برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز (الأمن الأمريكي الجديد). سبق لها العمل باحثة مساعدة في برنامج جانيت وإيلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
عن ذي ناشونال إنتريست
