حان الوقت لكي تواجه أوروبا تحدي ماغا

23 ديسمبر 2025
23 ديسمبر 2025

ترجمة قاسم مكي -

قادة أوروبيون عديدون في ورطة، لماذا؟ لأنهم يجدون أنفسهم معتمدين على ضمانات أمنية من رئيس أمريكي يؤيد الأحزاب السياسية التي تشكل الخطر الأكبر لبقائهم في الحكم.

لقد أمكنهم حتى الآن بالدبلوماسية الحاذقة وزيادة الإنفاق الدفاعي والمداهنة تجنب الكارثة في أوكرانيا؛ لكن قادة أوروبا بالتركيز على السياسات العاجلة لمواجهة مشاكل يؤججها البيت الأبيض يغيب عن بالهم تحدي «حركة ماغا» الأعمق والأطول أجلا؛ أي التحدي الأيديولوجي.

(ماغا -وفقا لتعريف قاموس ويبستر- حركة سياسية تدعو إلى وضع قيود صارمة على الهجرة والعودة إلى السياسات والممارسات السابقة للعولمة وخصوصا قبل حقبة العولمة التي بدأت في أواخر القرن العشرين. انطلقت الحركة أثناء الحملة الرئاسية لدونالد ترامب في عام 2016 واستمدت اسمها من الحروف الأولى لكلمات شعار حملته الانتخابية «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» ـ المترجم)

حين تتحدث إلى مفكري وساسة «اليمين الجديد» ستعلم أنه عابر للأطلسي ويمثل سياسة الحاضر (لا يقتصر على أمريكا ويهتم بمشاغل اللحظة الراهنة وليس بالقضايا المستقبلية)

فاستراتيجية الأمن القومي التي نشرها ترامب مؤخرا تتهم الحكومات الأوروبية المألوفة باستدعاء «المحو الحضاري للغرب» وأيضا «تقويض الديمقراطية». وتشير الاستراتيجية إلى عزمها على «تطوير مقاومة» في أوروبا بالعمل مع رفقاء درب «حركة ماغا» حول القارة من حزب الإصلاح في بريطانيا وإلى حزب البديل لألمانيا.

في أوروبا كما في أمريكا، نقطة البداية لهذه القوى هي نقد لليبرالية والعولمة بعد الحرب الباردة. تزعم هذه القوى أنهما تركتا المواطنين تحت رحمة سلسلة من الأزمات من الانهيار المالي في عام 2008 وأزمة الهجرة في عام 2015 والجائحة في عام 2020 وارتفاع تكلفة المعيشة بعد الحرب الأوكرانية في عام 2022. فكل أزمة من هذه الأزمات أضرت بمكانة الوسط الليبرالي بإضعاف الدولة وإثارة أسئلة حول الجانب الذي تنحاز إليه.

سعت الحركات الجديدة على كلا جانبي الأطلسي (في أوروبا وأمريكا) لبناء قاعدة اجتماعية جديدة بالتودد إلى أولئك الذين كانوا في الجانب المتضرر من هذه الأزمات. وغالبا يكون هؤلاء الناخبون من الطبقة العاملة والذين تعرضوا إلى خسارة نسبية في المكانة الاجتماعية والثروة.

هذه الاستمالة أو الرسالة الشعبوية مكرسة في أجندة سياسات راديكالية حول الهجرة والتجارة والسياسة الخارجية وإعادة تشكيل الدولة ومرتبطة بفكرة إيجاد هوية وطنية جديدة. فضبط الحدود يمكن استخدامه لتحديد من هو المواطن الأصيل ومن الذي يجب طرده. والرسوم الجمركية يمكن توظيفها لإعادة بناء اقتصاد إنتاج وطني يتمحور حول كرامة العمل. والسياسة الخارجية يعاد تشكيلها حول تعريف ضيق جدا للمصلحة الوطنية. كل هذا صار ممكنا بشن حرب على «الدولة العميقة» وعلى «الخبراء» سدنة الأجندة الليبرالية.

لكي ينشر رسالته، استغل اليمين الجديد تشظي الفضاء العام إلى قبائل رقمية مفككة. فالأحزاب الجديدة تتخطى وسائل الإعلام الراسخة وتهيمن على الفضاء المعلوماتي الجديد سواء على منصة تيك توك أو تيليجرام. وتستخدم شخصيات من أمثال إيلون ماسك وجيه دي فانس وسائل التواصل الاجتماعي بوقا لدعم شخصيات أو أحزاب من أقصى اليمين كانت في وقت ما تعد منبوذة مثل حزب البديل لألمانيا وتومي روبنسون. إنهم يحولون تعريفا لحرية الكلام لا يميز الحقيقة من الزيف إلى سلاح لإغراق الفضاء العام بقضاياهم ورموزهم الرقمية.

هكذا، في أوروبا كما في أمريكا لدى اليمين الجديد السردية والقاعدة الاجتماعية وأجندة السياسات وقنوات الاتصال التي تمكنه من الازدهار. ويتعاون طرفا اليمين الجديد الأمريكي والأوروبي لتشكيل تلك السياسة الجديدة. كيف يمكن لقادة أوروبا التقليدين الرد على ذلك؟ أولا، عليهم تطوير استراتيجية خاصة بهم لسردية وقاعدة اجتماعية وأجندة مضادة تتوجه نحو ناخبي الطبقة العاملة.

لا توجد إجابة مثالية حتى الآن لكن هنالك عدد من الأمثلة الإيجابية. ففي الدنمارك أسست مته فريدريكسن رئيسة وزراء الدنمارك عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي أرضية صلبة لمواجهة اليمين في موضوع الهجرة. فبدلا عن تقليد هجمات الجناح اليميني على العِرق حولت مته فريدريكسن موضوع الهجرة إلى جدل حول أفضل السبل للدفاع عن دولة الرفاه. وفي هولندا نقل روب جيتين حزبه «دي 66» من المركز الخامس إلى الصدارة بكسب الوسطيين والمحافظين برسالة أمل واستعادة العلم الهولندي وما يرمز إليه من الشعبويين.

ثانيا، يمكن للتيار الرئيسي في السياسة الأوروبية استغلال حقيقة أن من الممكن كشف الستار عن ارتباط اليمين الجديد على جانبي الأطلنطي باستخدام ترامب سلاحا ضد جماعة «ماغا» الأوروبية. أوضح رئيسا الوزراء مارك كارني وانتوني ألبانيز هذا المسار في كندا وأستراليا على التوالي. لقد أدركا بسرعة أن القادة الشعبويين لا يمكنهم ببساطة المزايدة على الوطنية عندما يكونون جزءا من حركة ثورية عابرة للأوطان.

في الواقع، شرع بعض الشعبويين بمن فيهم نايجل فاراج زعيم حزب الإصلاح في بريطانيا وجوردان بارديلا رئيس التجمع الوطني في فرنسا في النأي بأنفسهم عن ترامب على الرغم من حقيقة أن التشابه بين سياستهم وسياسة الزعيم الأقوى في العالم يحملهم إخفاقاته في الحكم. ويلزمهم تحديد موقفهم من سياساته.

لقد أصبحت سياسة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «عبئا ثقيلا» على عاتق أقصى اليمين مع اتضاح الإضرار بالنفس الذي ترتب عن ترك الاتحاد الأوروبي. وأظهر استطلاع بواسطة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الشيء ذاته يمكن أن يحدث لروابط حركة اليمين الجديد مع ترامب واعتقاد أغلبية كبيرة حول أوروبا أن إعادة انتخابه سيئ لبلادهم.

يشرح القادة الأوروبيون الأذكياء أن الإجراءات التي يتخذونها لإرضاء ترامب من زيادة الإنفاق الدفاعي وتقليل الاعتماد على موارد الطاقة الروسية أشياء يجب عليهم القيام بها على أي حال.

هم محقون في ذلك. لكن الشيء نفسه صحيح حول ما يلزم أن يفعلوه لمواجهة حركة ماغا في أوروبا.

ربما يستلهم اليمين الجديد الأوروبي أفكاره مما يفعله ترامب. لكن التحدي الذي يمثله في الأجل الطويل للمؤسسة السياسية بالقارة نشأ في التربة المحلية وتحديدا من الاحتياجات الأوروبية الحقيقية. وبالدفاع عن السيادة الوطنية من هجمات الزعيم الأمريكي يمكن للقادة الأوروبيين الليبراليين إعادة بناء التأييد في المجتمعات التي شعرت على مدى فترة طويلة بتركها وراء الركب وإيجاد حلول لمشاكل أهملت طويلا وتتفاقم. إذا فعلوا ذلك لن يكون ترامب مؤججا للمشاعر الشعبوية فقط ولكن أيضا محفزا لسياسة أوروبية وسطية جديدة.

مارك ليونارد مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

الترجمة عن الإيكونومست