توازن التنمية بالولايات

06 أبريل 2024
06 أبريل 2024

‏تتميز سلطنة عمان بنظام إداري فريد من نوعه بحيث يقسم الدولة إلى محافظات وكل محافظة بها عدد من الولايات، كما تُدار المحافظة عن طريق المحافظ والولاية عن طريق الوالي. ولعلنا نشير قليلا إلى «الوالي» بحكم أنه مستمد من الولاية، ووظيفة الوالي ليست من الوظائف المستحدثة، بل هي قديمة منذ الآلاف السنين؛ حيث تشير كتب التاريخ ومنها «الوسيط في التاريخ العماني» إلى أن يعرب بن قحطان الذي امتد حكمه إلى قوم عاد والذي كان يحكم اليمن قام بتنصيب أخيه الذي يسمى «عُمان بن قحطان» ليكون واليًا على عُمان، لذا يُعتقد بأن تسمية عُمان مأخوذة من اسم ذلك الوالي. أيضًا في العهد الإسلامي، فإن الصحابي عمرو بن العاص، يعتبر أول والٍ مسلم على مصر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بالتالي فإن الوالي قد يُدير تقسيما جغرافيا كبيرا، أو يُدير موقعا جغرافيا صغيرا مثل الولاية.

والمشاهَد أن التنمية الشاملة غطت جميع الولايات، وقد تكون بدرجات متفاوتة، حيث حظيت بعضها بازدهار اقتصادي منفرد ومتميز، وغالبيتها هي الولايات المركزية والتي تُتخذ مقرا للمحافظات، حيث إنها غالبًا ما تكون مقصدًا للمواطنين بالولايات الأخرى، سواءً للعمل بحكم التمركز لأغلب الخدمات الحكومية، أو الاستثمار بحكم توفر البيئة المناسبة لذلك. ولعل اختيار الولايات المركزية بالمحافظات لتسريع التنمية بها، كان ضمن اعتبارات منها: التاريخ؛ لأن بعضها كانت عواصم سابقة لبعض الأئمة أو السلاطين، أو لاعتبارات التميز الجغرافي والميزة التنافسية التي قلما توجد في مثيلاتها من الولايات في المحافظة نفسها. أيضًا من الممكن أن تكون الولايات المركزية بالمحافظات، محط أنظار مخططي التنمية ومتخذي القرار في بدايات النهضة الأولى للبلاد الذين ارتأوا بأن يتم التركيز على تلك الولايات، بيد أن هناك ولايات أخرى بالمحافظة نفسها قد تتفوَّق عليها من حيث التاريخ ومن حيث المساحة الجغرافية وعدد السكان.

لقد ساهم الانفتاح المجتمعي من قبل المشايخ والأهالي ببعض الولايات في تسريع التنمية نظرًا للتعاطي الإيجابي في المشاريع التي يراد تنفيذها بالولاية وبالتالي كانوا مرحبين بأغلب المبادرات الحكومية التي تخدم التنمية والبنية الأساسية وتخدم مجتمع الولاية. ذلك التعاطي النافع من قبلهم أوجد بيئة تنافسية في ترسيخ فكرة لدى صنّاع القرار على فترات متعاقبة وبالتالي الجهات الحكومية استمرت في استخدام ما يسمّى «بالتخطيط التشاركي» مع أصحاب المصلحة أو العلاقة بالولايات، إيمانًا منها بأن التخطيطي التشاركي يساعد في تقليل الفجوات في الآراء والمشاركة في القرارات التي تخدم الولاية وتعمل على تسريع التنمية بها. في الجانب الآخر، فإن ضيق ذات الأفق من قبل المشايخ والأعيان في بعض الولايات وعدم الانسجام مع مبدأ التخطيط التشاركي في اتخاذ قرارات مشاريع التنمية، قد يكون ساهم في عدم التوازن في التنمية لأنه لم يتم الوصول لفهم مشترك أمام المبادرات الحكومية التي تعتزم الجهات المختصة تنفيذها في تلك الولايات. وبالتالي لا مناص لدى الجهات الحكومية مع تطلعهم لتسريع وتقريب الخدمات الأساسية للمواطن من تحويل تلك المشاريع للولايات أو حتى النيابات الأخرى التي كما أسلفنا، ترحب وتنشد الصالح العام. فيمكن القول إن الجهات الحكومية التي استخدمت أسلوب التخطيط التشاركي والتشاوري في الفترات الماضية والفترات الحالية تعلل بأن التوافق المجتمعي للمشاريع الحكومية ضروري عند اتخاذ قرار تنفيذ بعض المشاريع الحكومية بحكم أن أهل مكة أدرى بشعابها. لذا فإن التباين في معدلات التنمية بالولايات وإن لم يكن كبيرا، كان له تأثير مباشر على النشاط الاستثماري للقطاع الخاص، من حيث أن رجال الأعمال من العمانيين وغيرهم يضخون استثمارات مالية في الولايات التي تمنحهم ميزة إضافية وتنافسية وتسهيلات؛ لأن المستثمر هدفه الأساسي هو تعظيم الربح واستدامة وضعه المالي.

وقد يكون هناك نموذج ريادي لأسلوب التخطيط التشاركي وهي ولاية نزوى بمحافظة الداخلية، والشاهد أن مجتمع ولاية نزوى يتميز عن غيره من الولايات الأخرى -مع التقدير لجميع الولايات- في كونه محبًا ومحافظًا على الصناعات الحرفية، والأعمال الحرة منذ قديم الزمن. ولعل الجميع يتذكر عند الذهاب لولاية نزوى في السنوات السابقة والحالية، يلاحظ أن الذين يعملون بسوق نزوى جلهم من العمانيين سواءً الذين يعملون في صياغة الذهب والفضة، أو ممارسة شتى أنواع التجارة والأعمال. والمشهد يتفرد أكثر عند مشاهدة ولع الأطفال الذين هم في سن المدرسة يساعدون آباءهم في المحلات التجارية والأسواق التقليدية، حيث ساهم تاريخ نزوى العريق وشغف الأهالي بممارسة شتى أنواع العمل مع تمسكهم بالتراث في إعطائها ميزة تنافسية وأيضًا كونها من الولايات التي ترحب بالمبادرات التنموية.

ومن خلال قراءة ملامح الخطة الخمسية العاشرة (2021 - 2025) توقفت مع نسخة دليل المواطن، ومع بعض من التعريفات ومنها: الاقتصاد الأخضر، الذي من إيجابياته تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي. وقياسًا على التوازن في التنمية بين الولايات نجد أن الرفاه البشري تم من خلال تنفيذ منظومة الحماية الاجتماعية، التي أحدثت تغييرا جذريا في استحقاق المنافع دون تمييز بين المواطنين على حد السواء، وذلك استنادًا لمبادئ النظام الأساسي للدولة. ولكن في مجال الإنصاف الاجتماعي وإسقاط ذلك على التركيبة الاقتصادية والتنموية للولايات فقد يكون هناك نوع من عدم التوازن بين الولايات؛ فالإنصاف الاجتماعي هو ملامسة المواطن للتنمية الشاملة، وذلك بأن يكون توزيع مشاريع التنمية ذا توازن وانسجام مع تطلعات المواطنين بجميع الولايات، وأيضًا يتوافق مع مبادئ الخطة الخمسية العاشرة، التي تهدف إلى توزيع تنمية متوازنة بالمحافظات؛ فهناك ولايات تتطلع لخدمة جيدة في تغطية شبكة الاتصالات وقد تكون لدى بعضها ميزات تنافسية وسياحية كما هو الحال برمال بدية بمحافظة شمال الشرقية. أيضًا هناك ولايات تأمل في استكمال متطلبات البنية التحتية مع وجود متنزهات أو حدائق ترفيهية تستطيع العائلات قضاء أوقات ممتعة في مواسم الإجازات والأعياد. وفي أحيانًا كثيرة يتساءل قاطنو بعض القرى والأمل يحدوهم في وجود خدمات أجهزة السحب الآلي البنكية تكون قريبة من قراهم، وإن كانت هذه الخدمات تقدمها البنوك، إلا أنها تقوم بتوفير خدماتها البنكية في المكان الذي تتوافر به مقومات التنمية، مع توفر التغطية الشاملة لخدمات الإنترنت. وبالرغم من أهمية الولايات واهتمام الدولة بتنميتها دونما تمييز، فإن دليل المواطن بالخطة الخمسية العاشرة لم ترد به كلمة «ولاية»، والحديث ليس من الناحية السردية لكلمة «الولاية» ولكن طالما هو دليل المواطن، فإن المواطن قد لا يهمه نوع الاقتصاد الدائري أو الأخضر، تلك المصطلحات التي يفهمها أهل الاختصاص، وإنما يبحث عن موقع ولايته في مسار التنمية الشاملة.

مع اليقين بأن جميع الولايات تمر بتنمية شاملة، فإنها بحاجة إلى مؤشرات أداء في كل القطاعات الإنتاجية والتشغيلية، بحيث تعطي قراءة سنوية لمستوى توفر البنية التحتية ومتطلباتها المتجددة. أيضًا تحتاج إلى منظومة يتم على أساسها تسريع التنمية الشاملة بالولايات. وليس مبالغًا القول بأن الخطة الخمسية الحادية عشرة التي يتم التحضير لها حاليا للفترة (2026 -2030) ينبغي أن يخصص الجزء الأكبر منها لتنمية اقتصاد الولايات؛ فتسريع التنمية الاقتصادية بالولايات سوف يعمل على تقليل لامركزية توفير الوظائف، وتمركزها في محافظة مسقط والولايات المركزية بالمحافظات، وبالتالي يكون مناسبا: الإسراع في تنفيذ المناطق الصناعية بالولايات التي قد لا توجد بها ميزات تنافسية، مع العلم بأن بعضًا من تلك المناطق الصناعية القائمة، قد لا يستقيم تسميتها بالصناعية، بحكم عدم وجود أية صناعات خفيفة أو متوسطة بها.

مسار التنمية يمضي بخطى ثابتة في جميع الولايات في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- منها ما يخطط أن يقام بها المدن الذكية المستدامة مما يعطي أبعادًا تنموية شاملة، ويرقى بالخدمات والمرافق الحكومية، الأمر الذي يشجع على إيجاد بيئة الأعمال المناسبة للمستثمرين، كما أن مسار التنمية ينبغي أن يكون متوازنا بجميع الولايات؛ حيث إن توازن التنمية بالولايات ليس سردًا لأهداف المقارنة بينها، وإنما هو توجه استراتيجي تمت الإشارة إليه في رؤية «عمان 2040» بحيث تكون هناك تنمية شاملة جغرافيًّا تتبع نهج اللامركزية في توفير الخدمات وفي تسريع التنمية. ذلك التوجه يُراد منه المساهمة في صناعة تنمية عادلة بالمناطق الحضرية والريفية من أجل الازدهار الاقتصادي مع تقليل الفوارق التنموية بالمحافظات. لذا نأمل أن يصبح التوازن في التنمية الشاملة لجميع الولايات ضمن الأولويات بالخطة الخمسية القادمة؛ لنصل لمستوى الاهتمام الذي نراه متّجهًا نحو إقامة مدن المستقبل والمدن الذكية أو النموذج العمراني (Down Town).

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس