بـلاسيـبـو

19 ديسمبر 2022
19 ديسمبر 2022

يحدث أحيانا أن أعطي مريضا بالاكتئاب دواء مضادا للكآبة، ومع أني أعلم أن أدوية الاكتئاب عادة ما تحتاج إلى أسبوعين لتبدأ مفعولها الإيجابي وقد تحتاج إلى وقت أطول من ذلك، إلا أن بعض المرضى يتحسنون في ظرف يوم أو يومين خصوصا لو كان الاكتئاب خفيفا. وها هو المريض يتصل فرِحا أن العلاج يأتي مفعوله، وأنا من ناحيتي أخفي تعجبي المهني وأبدي فرحتي الإنسانية بالنتيجة الإيجابية التي جاءت قبل أوانها المتوقع، وأبثّ الأمل في أن التقدم سيزداد مع الأيام. فماذا يحدث إذًا؟ كيف يتحسن المريض قبل أن يبدأ الدواء مفعوله؟ ليس هذا بسحر ولا شعوذة، هناك عاملان مهمان جدا ربما أدّيا إلى التحسن: أولهما العلاقة العلاجية، والتي تعني التفاعل بين المريض والمعالج، وهي موجودة في كل علاج يحدث بين معالج ومريض، إلا أنها في العلاج النفسي أكبر أثرا. تُبنى العلاقة بين المعالج والمريض على أسس محددة مثل ثقة المعالج بالمريض ورغبة المعالج في مساعدة المريض وعلى البُعد الإنساني الذي تتخذه المقابلة، وعلى أمور أخرى يمتعني الكلام عنها في وقت لاحق، إلا أنني أرغب في الكلام هنا عن العامل الثاني، وهو أثر البلاسيبو أو العلاج الزائف أو المتوهم. يتوهم المريض بطريقة ما، ليست معروفة بعدُ تماما، بأن العلاج مفيد له، لذا يمكن أن ندعوه إلى حد ما العامل النفسي في الشفاء، وقد يكون هذا العامل مرتبطا بمناعة الجسم حسبما تقول بعض الأبحاث. وبما أن هذا العامل النفسي أو هذا المفعول الزائف للدواء يفعل مثل هذه الأفاعيل فيزيد من مفعول الدواء أو يغيّره أو يحدثه بدون الدواء، فإن التجارب التي تحدد فعالية الأدوية يجب أن تأخذ هذا العامل بعين الاعتبار دائما.

وهو ما يحدث في التجارب؛ فالمرضى يقسَّمون إلى مجموعتين، مجموعة تأخذ الدواء الحقيقي ومجموعة أخرى تُعطَى الدواء الزائف، وطبعا يكون الدواء الزائف في شكل وحجم الدواء الحقيقي، وطبعا أيضا لا يُخبَر المرضى هل ما يأخذونه علاج حقيقي أو زائف. هكذا تكون التجربة مُعمَّاة عن متناوِل الدواء. بالتالي فإن الأثر الذي يحدث للمرضى الذين يأخذون الدواء الزائف (أي لا يتلقون علاجا) هو بتمامه أثر زائف أو ربما نقول بشكل أدق إنه أثر غير دوائي. تكمن أهمية البلاسيبو هنا في معرفة الأثر الحقيقي للدواء وفصله عن الأثر الزائف أو غير الدوائي أو النفسي إن شئنا. وقد ذُهِبَ، لمزيد من الضبط، إلى جعل التجارب مُعمَّاة على مستويين، على مستوى المرضى كما أسلفنا، فلا يعرف المرضى هل أخذوا دواء حقيقيا أو دواء وهميا، وعلى مستوى العامِلين في التجربة الذين يقومون بجمع البيانات وتسجيلها، فهؤلاء يؤدون عملهم دون أن يعرفوا مَن مِن المرضى أخذ الدواء الوهمي ومَن أخذ الحقيقي، وهذا يزيح بدوره الأثر النفسي (غير الدوائي أو النفسي) الذي يمكن أن يتسرّب من العاملين إلى المرضى أو إلى البيانات نفسها.

ماذا نستفيد إذا؟ أولا، حين يذهب مريض إلى طبيب ويعطيه دواء فهناك عدة عوامل تعمل مجتمعة لمنح المريض الفائدة من الدواء (وأحيانا تُخفِّض من الفائدة أو تجلب آثارا جانبية غير مرغوبة)؛ من بينها طبيعة العلاقة العلاجية بين المريض والطبيب والأثر الوهمي (البلاسيبو) للدواء أو الأثر غير الدوائي. هذا لا يحدث في الأمراض النفسية فحسب بل في كل الأمراض ومع كل الأدوية، إلا أنه أكبر أثرا في الأمراض النفسية (العُصابية أو الأقل جسامة) وأكبر أثرا في الأمراض التي تتأثر بالإيحاء. ثانيا، العلاقة العلاجية التي تكون بين المريض من ناحية وبين أي معالج (سواء كان طبيبا أو معلما أو دجّالا أو ساحرا أو معالجا زائفا) إضافة إلى الأثر الزائف للدواء (أو المحو أو الشراب المقراي عليه أو الماء المتفّل فيه أو البول) يمكن أن يأتيا بنتيجة إيجابية في العلاج. ما الذي يميّز الطبيب (أو الطبيب النفسي أو المعالج الإكلينيكي) إذًا عن المعالجين الآخرين أو «الزائفين»؟ يميزه أنه يعمل معتمدا على علم: دراسات حول المرض نفسه، وتجارب حول الأدوية، وأبحاث مؤصلة حول تقنيات العلاج. العلم مستند إلى الأدلة، وقابل للتفنيد والأخذ والرد، وقابل للنقل إلى معالجين آخرين. لذلك، نصيحتي، إن كان يحق لي أن أنصح، أنْ اذهبْ للمعالجين الشعبيين ومعالجي الطاقة والمعالجين بالسحر والشعوذة إن كان ذلك يريحك ويجعلك تشعر بتحسن، لكن خذْ في حسبانك أن ما تأخذه حقا يمكن أن يكون بلاسيبو فقط، لكن أيضا، الأهم أن تتحسن في نهاية المطاف.