انسداد مرحلة «البطة العرجاء»

28 فبراير 2024
28 فبراير 2024

بقراءة سريعة لتطورات أوضاع العالم منذ سنتين، وتحديدًا منذ تاريخ الغزو الروسي لأوكرانيا، ومرورًا بانفجار أزمات إقليمية ذات طابع دولي مثل القضية الفلسطينية، بصورة غير مسبوقة منذ عملية طوفان الأقصى، وكذلك الحرب الأهلية السودانية وخطرها الجيوسياسي على وسط وشرق وغرب إفريقيا والبحر الأحمر، لا يمكننا اليوم فرز هذه الأزمات عن بعضها البعض من ناحية، وفك ارتباطها، من ناحية ثانية، عن تداعيات الانتخابات الأمريكية التي تلوح من خلال التسخين حولها؛ أزمات ومفاجآت، سواءً أتكشفت نتائجها عن فوز بايدن بولاية ثانية (نظرًا للقلق الكبير في أوساط الأمريكيين حول اضطراب ذاكرة بايدن بحسب تقارير طبية كشفت ذلك مؤخرًا) أو لجهة عودة محتملة للرئيس السابق دونالد ترامب، بعد أن أصبح المرشح الأوفر حظًا بين مرشحي الحزب الجمهوري، خصوصًا وأن الخوف من عودة ترامب يأتي في ظل أوضاع جيوساسية وحربية خطرة تضرب العالم؛ مثل: الحرب الأوكرانية وحرب إسرائيل في غزة. وهي أوضاع لم تكن قد انفجرت خلال ولايته السابقة.

ما كشفت عنه الإدارة الأمريكية الحالية، حيال طبيعة إدارتها للأزمة في أوكرانيا أو محاولات احتواء تداعيات عملية طوفان الأقصى أمور لا تبشر بخير، ولا تعكس قدرةً وحنكةً في إدارة الأزمات، لاسيما وأن مع الأزمتين الكبريين (أوكرانيا وغزة) هناك أزمة ثالثة مزمنة فشلت واشنطن في إدارة ملفها ونقصد بذلك أزمة المشروع النووي الإيراني الذي فشل الدبلوماسي الأمريكي روبرت مالي فشلاً تسبب في خروجه من إدارة الملف، وكشف عن اضطراب كبير في رؤية الإدارة الديمقراطية الحالية للأزمة.

كما أن الرحلات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط في محاولات لاحتواء تداعيات عملية طوفان الأقصى لم تفضِ إلى نتائج ملموسة.

المأزق الخطير الذي ينعكس اليوم يلوح في الانسداد الذي تعبر عنه أزمتا أوكرانيا وغزة في هذه اللحظة الجيوسياسية للعالم.

فمن ناحية يتقدم الروس هذه الأيام في حربهم ضد الأوكرانيين ويحققون انتصارات، كما عجزت إسرائيل حتى اليوم وبعد 4 أشهر من عملية طوفان الأقصى عن تحقيق مكاسب مقنعة، بل فجرت إدارتها للأزمة تداعيات كارثية كالمذابح التي ظلت ترتكبها ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة بصورة غير مسبوقة، ما أدى إلى تغير الرأي العام العالمي، وخصوصًا في الولايات المتحدة باتجاه إدانة جرائم الإبادة الإسرائيلية التي تجاوزت قواعد القانون الدولي الإنساني.

المخيف، هو أن هذه الأشهر المقبلة (التي يدخل فيها الرئيس الأمريكي إلى مرحلة «البطة العرجاء») وتتأجل معها ملفات القضايا العالمية إلى حين تسفر نتائج الانتخابات عن رئيس جديد في نوفمبر المقبل، ستكون مساحة كبيرة لنشاط أجندات متسارعة ومحمومة في أتون الصراع الدولي لكل من روسيا والصين وحلفائهما، هذا يعني أن الإبقاء على الأزمات مفتوحة ومتفجرة في أجندة الروس والصينيين ستكون بمثابة «كرت رابح»، وهما ينظران للولايات المتحدة تتعثر في إدارة الأزمتين.

في إسرائيل يتلكأ نتانياهو في الاستجابة للضغوط الأمريكية غير الصارمة للحيلولة دون اجتياح رفح، فيما عينه على فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية القادمة، الأمر الذي قد نرجح معه فشل مساعي صفقة باريس بين حماس وإسرائيل، تلك الصفقة التي تسارع الخطى لقطع الطريق على عملية اجتياح رفح وما قد ينجم عنها من تداعيات تزيد من تفاقم الصراع في المنطقة، وربما العالم.

وواضح جدًا أن تركيز إسرائيل على ضرورة تحقيق إنجاز في غزة من خلال عملية اجتياح رفح (أي من خلال ممارسة الشيء ذاته مرات عديدة وانتظار نتائج مختلفة) ستضطرها إلى تبريد الحرب في الشمال مع حزب الله، حيث نقل الإسرائيليون للأمريكيين رغبتهم في ذلك، لكن ما لن يحسب له نتانياهو حسابًا (وهو المهجوس ببقائه في السلطة خوفًا من كابوس اليوم الثاني لنهاية الحرب) هو أن تداعيات اجتياح رفح ستكون محل استثمار أجندات دولية تستهدف إبقاء ورطة أمريكا وتعثرها في احتواء أزمة غزة، كما نرى ذلك واضحًا من نشاط الحوثيين في تأزيم أوضاع الملاحة في البحر الأحمر وتراخي الصين عن الضغط في ذلك الاتجاه، رغم مناشدة الولايات المتحدة.

لذلك فالأرجح أننا سنرى كلاً من روسيا والصين ستركزان جهودهما نحو المزيد من استثمار أشهر مرحلة «البطة العرجاء» في أمريكا بأكثر من ملف إقليمي ودولي.