اليمين المتطرف يريد السيطرة على أوروبا

23 أبريل 2024
ترجمة: أحمد شافعي
23 أبريل 2024

«ليس في يوم التصويت إلا سؤال واحد فقط: هل تريدون أوروبا مسلمة أم أوروبا أوروبية؟»

هذا هو الاختيار الصارخ الذي طرحته ماريون ماريشال، نجمة اليمين المتطرف الصاعدة في فرنسا، عند إطلاق حملة حزبها في الانتخابات الأوروبية في يونيو. وفي خطاب ناري، تحدثت بأن أوروبا واقعة تحت حصار «الكثير من القوى الأجنبية والمنظمات الإسلامية التي تستغل الهجرة الفوضوية في جهودها الرامية إلى زعزعة الاستقرار، وإفساد شبابنا، وتنظيم ما يشبه الطابور الخامس في بلادنا وتجنيد جنود جهاديين قتلة». وانضم إليها مجموعة من الخطباء الذين مضوا يندبون مشروعا أوروبيا سطا عليه النشطاء المثليون والمتعصبون البيئيون والأيديولوجيون المناهضون للغرب.

وبرغم كل ذلك الغضب المروع، لم تكن هذه دعوة للخروج من الاتحاد الأوروبي. ففي حين يوجه حزب «الاسترداد» ـ الذي تنتمي إليه ماريشال ـ تهما ملتهبة إلى النخب بتدبير عملية كبرى لإحلال المسلمين محل المسيحيين، فإنه يسعى للحصول على مكان خاص به في أروقة السلطة، وفي جميع أنحاء القارة، لا تهدف الأحزاب اليمينية المتطرفة المماثلة لحزبها إلى الخروج من التكتل، وإنما تهدف بشكل متزايد إلى الاستيلاء على الكتلة، ولديهم في سعيهم إلى هذا المشروع نموذج يتبعونه، وهو رئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني.

ميلوني بالفعل مصدر إلهام لليمين المتطرف الأوروبي. فقد أشرفت، وصفها رئيسة الائتلاف اليميني في إيطاليا، على الهجمات على جماعات المثليين ومنظمات إنقاذ المهاجرين والاستيلاء على هيئة الإذاعة العامة والمحاولة المستمرة لتغيير الدستور لتوسيع السلطة التنفيذية.. ولكن أكثر أسباب التميز لها هو ما حققته على مستوى القارة. فمن خلال الجمع بين الأطلسية القوية - أي الالتزام بحلف شمال الأطلسي والدفاع الأوكراني على السواء - والمعارضة الدائبة لسياسة الهجرة والمناخ، أصبحت قوة رئيسية في أوروبا. وبالنسبة لليمين المتطرف الأوروبي، المتأهب لتحقيق تقدم، تقود ميلوني الطريق.

منذ وصولها إلى السلطة في أكتوبر 2022، أثارت ميلوني إعجاب الكثيرين بنهجها العملي وتخليها عن انتقادها السابق للاتحاد الأوروبي. وقد اكتسبت في بروكسل سمعة طيبة في مجال الدبلوماسية الماهرة. فقد تم توصيفها على سبيل المثال بالهامسة لأوربان، بعد أن ساعدت في إقناع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بالامتناع عن استخدام الفيتو ضد المزيد من قرارات الاتحاد الأوروبي بمساعدة أوكرانيا هذا العام. ولم يمر تغييره رأيه بلا ثمن ـ فقد أفرجت المفوضية الأوروبية أيضا عن 10.2 مليار يورو، أو 10.8 مليار دولار، من التمويلات المحتجزة سابقا لحكومته ـ ولكن بقي لميلوني دور حاسم في كسبه.

دفع هذا النجاح الدبلوماسي البعض إلى القول بأن ميلوني لا تتبع القواعد ولكنها في الواقع تحدد جدول الأعمال. وفي تقرير حظي بمشاهدة واسعة النطاق في إيطاليا، أشاد فريد زكريا على شبكة سي إن إن بـ «لحظة ميلوني» في أوروبا، مقارنا موقفها بالدور القيادي الذي لعبته من قبل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل. وفي ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، يبلغ الادعاء حد المبالغة، فالاقتصاد الإيطالي، برغم تناميه، لا يقتحم أرضا جديدة. ولكن لا يمكن القول إن المقارنة لا تستند إلى أساس. ففي العديد من المجالات، تعطي روما التوجيه لبروكسل.

مثال ذلك أن ميلوني كانت في طليعة القائلين بخطط إيكال مهام حراسة حدود أوروبا إلى دول شمال إفريقيا الاستبدادية. وفي يوليو من العام الماضي، زارت تونس للإعلان عن اتفاق للحد من الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، وفي الشهر الماضي، فعلت مثل ذلك في مصر. وفي المرتين كان يصحبها أعلى مسؤول في أوروبا ورئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، التي باركت في يناير رؤية ميلوني الأوسع للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا. وحتى مع موافقة الكتلة على قواعد جديدة للتعامل مع المهاجرين فور وصولهم إلى القارة، تعمل إيطاليا على ضمان عدم وصولهم من الأساس.

تمثل ميلوني شوكة في خاصرة التحول الأخضر داخل الكتلة الأوروبية، فمن خلال استهزائها بالصفقة الخضراء الأوروبية، وهي مجموعة تشريعات بيئية، واعتبارها أنها نوع من «الأصولية المناخية»، حاولت بدأب إبطاء السياسات الخضراء أو إيقافها. وفي كثير من الأحيان، كانت إيطاليا تجد أنها وحدها أو لا تحظى بدعم يذكر في هذه الجهود. لكن ميلوني لعبت ـ في شهر فبرايرـ دورا محوريا في التصويت المعارض لقانون استعادة الطبيعة الأساسي لدى الكتلة، والذي يسعى إلى إصلاح النظم البيئية المتضررة في جميع أنحاء القارة.

ومن الدال أن (الشعب الأوروبي) المنتمي إلى يمين الوسط قد انضم إلى ميلوني في هذا التصويت، ويعد (الشعب الأوروبي) أكبر مجموعة حزبية في بروكسل ويضم الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني. يذكر أن المجموعة، التي سعت بالفعل إلى تقليص الالتزامات المناخية للاتحاد الأوروبي، قد وصفت هذا المقترح بأنه هجوم على المزارعين، الذين نظموا في الآونة الأخيرة احتجاجات في جميع أنحاء أوروبا. وقد تم إقرار التشريع بعون من بعض المنشقين من البرلمانيين المنتمين إلى يمين الوسط الذين صوتوا لصالحه. لكن زعماء يمين الوسط يأملون في عرقلة الحظر المفروض على السيارات الجديدة ذات محركات الاحتراق وهو ما يشير إلى المزيد من التعاون المنتظر.

تشير استطلاعات الرأي السابقة على انتخابات يونيو إلى أن قوى الوسط إلى اليمين المتطرف في طريقها للفوز بقرابة 50% من مقاعد البرلمان. ويوفر هذا ـ بالنسبة للكثيرين في اليمين المتشدد ـ فرصة لإنهاء الائتلاف الكبير بين الاشتراكيين والديمقراطيين المسيحيين الذي هيمن تاريخيا على السياسة الأوروبية - لإنشاء تحالف يميني بديل يشغل المناصب العليا. وهذا التعاون صعب من الناحية العملية، إذ يقول زعماء يمين الوسط إنهم لن يتحالفوا إلا مع الأحزاب الموالية للاتحاد الأوروبي، والموالية لحلف شمال الأطلسي، والموالية لأوكرانيا، والمؤيدة لسيادة القانون. وهو ما يستبعد جزءا غير قليل من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، ولو في الوقت الراهن على الأقل. غير أنه يسمح بالتبني الكامل لميلوني.

تقوم حاليا القوى الأكثر تطرفا، والمتبعة لميلوني، بإعادة التدبير. ففي التجمع الوطني الذي تقوده مارين لوبان في فرنسا، تتراجع الشخصيات البارزة عن مواقفها السابقة المنتقدة لحلف شمال الأطلسي، وتنأى بنفسها عن حزب (البديل من أجل ألمانيا) الأكثر تعنتا. ويتطلع أوربان، الذي كان لفترة طويلة نافرا في ما يتعلق بالشؤون الأوروبية، إلى كسر العزلة قبل أن تتولى المجر رئاسة الكتلة في يوليو. ويدعي أنه سينضم إلى (المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين)، أي المجموعة التي تقودها ميلوني، بعد انتخابات يونيو - وهو احتمال ترحب به المجموعة، حتى لو أن لين أوربان تجاه روسيا قد يمثل حجر عثرة. هذه المجموعة التي تقودها ميلوني، ويهيمن عليها حزب (إخوان إيطاليا) التابع لها وحزب (القانون والعدالة) البولندي، ليست الموطن الأوروبي الوحيد لقوى اليمين المتطرف. فهناك أيضا مجموعة (الهوية والديمقراطية)، التي تضم حزب التجمع الوطني الفرنسي وحزب الرابطة الإيطالي. والعلاقات بين المجموعتين ليست متناغمة طول الوقت. ففي مارس، وجهت لوبان اتهامات حادة لميلوني بالتخطيط لإعادة انتخاب فون دير لاين رئيسة للمفوضية. ويصر ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة، على أن اليمينيين يجب أن يرفضوا العمل مع الوسطيين.

ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن المجموعتين ستفوزان معا بنحو ربع المقاعد، بما يترك لليمين المتطرف نفوذا أكبر بكثير بغض النظر عمن سيتولى المنصب الأعلى، وبعيدا عن السعي إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، تسعى هذه الجماعات اليمينية المتطرفة الآن إلى أن تسمه ببصمتها الخاصة ــ لخلق ما تسميه ماريشال بـ«أوروبا الحضارية» بدلا من «نسخة أوروبا التكنوقراطية» الخاصة بالمفوضية. من جانبها، تبدو ميلوني مقتنعة بإمكانية العمل المشترك.