هل من أمل في توحيد مكافأة أو منحة نهاية الخدمة؟

05 مايو 2024
05 مايو 2024

إنه موضوع مهم، أخذ نقاشات كثيرة من الجهات المعنية وأيضًا من موظفي الحكومة، وهو منحة أو مكافأة نهاية الخدمة. والنقاش كان حول ما إذا كان هناك تأثير لصدور قانون الحماية الاجتماعية، في تحديد السقف والحد الأقصى لمبلغ تلك المنحة. ذلك النقاش وفي ظل عدم الوضوح، قام بعض من الموظفين الذين يشككون في حصول تعديل ما، بالتوجه نحو التقاعد الاختياري بمحض إرادتهم. وفي نهاية المطاف، ذلك النقاش تم حسمه، بأن المنحة تصرف من قبل جهة عمل الموظف ولا علاقة لقانون الحماية الاجتماعية في تحديدها. في الجانب الآخر، وهو الهدف من هذا المقال، فإن تساؤلات موظفي الوحدات الخاضعة للخدمة المدنية، ليس في ذلك التأثير؛ لأنهم على يقين منذ عقود من الزمن، بأن تلك المنحة أو المكافأة غير موحدة وتتباين بالمقارنة مع الوحدات التي لا تخضع للخدمة المدنية وغيرها من الوحدات غير المدنية.

‏منحة نهاية الخدمة، محددة في قانون الخدمة المدنية والأنظمة الخاضعة لها، بأنها مبلغ يمنح مرة واحدة عند تقاعد الموظف، أو في حال إكمال سنوات معينة في الخدمة. وتحتسب على أساس آخر راتب شهري عن كل سنة من سنوات الخدمة. ولتقريب الصورة فإن الموظف الخاضع لقانون الخدمة المدنية يُمنح راتبًا شهريًّا عن كل سنة من سنوات الخدمة وبحد أقصى مبلغ (12) ألف ريال، بغض النظر عن عدد سنوات الخدمة. حيث أن عدم التوحيد، يقع في أن أغلب الأنظمة غير الخاضعة للخدمة للمدنية، لم تقيد مبلغَ المنحة أو عدد سنوات الخدمة، كما هو الحال في قطاع الخدمة المدنية. ومثال على ذلك، في حال رَغِبَ الموظف الذي أمضى (20) سنة والذي يعمل في الوحدات التي لا تخضع للخدمة المدنية في التقاعد، فإنه حسب اللوائح الحالية سوف يحصل على منحة نهاية الخدمة بمبلغ أكبر، عن الموظف الذي يعمل بالخدمة المدنية وإن كان الأخير أكمل سنوات أكثر من (20) سنة.

‏لقد عكف المسؤولون الحكوميون بالوحدات المستقلة في الفترات السابقة، على العمل لإيجاد قوانين ولوائح تختلف عما هو معمول به في الخدمة المدنية، وبحيث تكون تلك الوحدات غير خاضعة للنظام العام للجهاز الإداري للدولة. ولعل من تلك الأسباب، أن قطاع الخدمة المدنية تَكثر فيه البيروقراطية ويصعب تحديثه حسبما تتطلبه مقتضيات العمل. وأيضًا كون ذلك القطاع ينتسب إليه العدد الأكبر من الموظفين وفي حال اقتراح تعديلات، على سبيل المثال: منحة نهاية الخدمة، فإن هناك تأثيرًا ماليًا، وبالتالي فإن مصير تلك التعديلات إما التأجيل وإما الرفض. بعكس ذلك ففي الوحدات المستقلة والتي يكون فيها عدد الموظفين أقل وبالتالي التأثير المالي يكون أقل. وما حدث سابقًا من وجود (11) صندوقًا للتقاعد قبل دمجها في صندوق الحماية الاجتماعية، قد يفسر ذلك.

وخلال الحقب الماضية، لم يسعف أعضاء مجلس عمان الذين عينتهم الدولة من الكفاءات أو الذين تم انتخابهم من قبل المواطنين في مجلس الشورى، بأن يحاولوا على الأقل وضع الحقوق الوظيفية ومنها منحة نهاية الخدمة -المتباينة- بين قطاعات الدولة محل اهتماماتهم. ولكن ما حدث سابقًا كان عكس ذلك. حيث عكفوا على إيجاد لوائح وأنظمة عمل لموظفيهم حتى تمكنوا من الابتعاد عن أنظمة الخدمة المدنية، والتوجه نحو الأنظمة والقوانين المستقلة. وعندما نسرد هكذا ممارسات فإننا لا نقصد القول بأن هذا يعطى كذا وهذا يفترض أن يعطى كذا، كلا؛ لأن الاستحقاقات المالية تحددها الدولة. كما أن الموظف أيا كانت وظيفته فهو في عقد تنظمه اللوائح مع الدولة، ولكن نُعطي تجارب من الماضي ليتم تجنبها عند تعديل القوانين في المستقبل.

وتعتبر الوحدات الخاضعة للخدمة المدنية هي الأكبر من حيث عدد الموظفين، حيث ينضوي تحتها جميع العاملين بالوزارات والجامعات الحكومية والمحافظات والمؤسسات والهيئات العامة، إلا ما استثني بنص خاص في قرار إنشائها. كما أن الخدمة المدنية والوحدات الخاضعة لها تأثرت سلبا بالتشريعات التي تخص أنظمة التقاعد ومكافآت ما بعد الخدمة، سواء في الفترات الماضية وحتى الحالية. وكمقارنة بسيطة، فإنه في أنظمة التقاعد ظلت منظومة الخدمة المدنية هي الأقل من حيث المزايا التقاعدية ومنحة نهاية الخدمة حتى بعد صدور قانون الحماية الاجتماعية، حيث كفل ذلك القانون المزايا نفسها بالوحدات الأخرى بدون تغيير، وهذا له مبرراته في عدم المساس بالمستحقات المالية طالما أن الموظف أكمل فترة زمنية في نفس النظام، وأيضًا لعدم تضرره بما يصدر من التشريعات الجديدة. ولكن في المقابل فإن قانون الحماية الاجتماعية لم يأتِ بمزايا أفضل لمن هم في أنظمة الخدمة المدنية، حيث إنهم مطالبون بالعمل عددًا من السنوات لكي تتحسن مستحقاتهم التقاعدية، وأيضًا تم إخضاعهم للخصم الإجمالي للاشتراكات التي تستقطع من مرتباتهم الشهرية. كما تم إخضاعهم كذلك للتقاعد الاختياري الجديد، وهو إكمال (30) سنة في الخدمة لاستحقاق المعاش للذين لم يكملوا (20) عاما أثناء الفترة الانتقالية لتطبيق قانون الحماية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال: الموظف الذي أكمل في الخدمة (19) سنة وقت صدور القانون، فيجب عليه أن يعمل (11) سنة إضافية لكي يستحق معاشا تقاعديا.

‏‏عليه فإن توحيد منحة نهاية الخدمة يعتبر مطلبًا مشروعًا، طالما أن موظفي الحكومة هم سواسية أمام القانون في تنفيذ ما يوكل إليهم من الواجبات الوظيفية، وأيضًا يتمتعون بنفس الحقوق، بغض النظر عن المكان، أو القطاع الذي ينتمون إليه، أو المنصب الحكومي الذي يتولونه. والمقصد هنا بأن طريقة تحديد الحد الأقصى لمبلغ المنحة أو عدد السنوات التي تحتسب عنها تلك المنحة يفترض أن تكون شاملة وموحدة للجميع تطبيقًا لمبادئ النظام الأساسي للدولة. حيث أن الموظفين الذين يعملون بالقطاع العام، أو أي قطاع آخر هم في الأساس مواطنون سواءً كانوا متقلدين لوظائف حكومية أو خاصة، أو لا يعملون بأية جهة. وهذا ما حدث عند توحيد المنافع الاجتماعية، فتم ذلك لجميع المواطنين بغض النظر عن كونهم مستحقين، أو غير مستحقين فهم سواء في الحقوق، ولا تمييز بينهم بأي شكل من الأشكال. وأيضًا ما حدث عند تطبيق جدول الرواتب والبدلات الموحد، حيث تم تطبيقه للجميع، وكذلك عند استحداث نظام تقييم الأداء الوظيفي (إجادة). وأيضًا ما تم قبل فترة من توحيد في البدلات والعلاوات المالية لموظفي الدولة؛ من أجل انسيابية التطبيق السليم لمنظومة قانون الحماية الاجتماعية.

‏ولعل الأمل يحدو الموظفين -الخاضعين لصندوق تقاعد الخدمة المدنية السابق- بأن يتم مراعاتهم في قانون الوظيفة العامة المنتظر، في تحسين أوضاعهم فيما يخص منحة نهاية الخدمة وإزالة ذلك التباين، بهدف مساواتهم مع بقية موظفي القطاعات الأخرى بالدولة. ولعلنا نقترح طالما أن الموظف أصبح مستحقًّا للتقاعد الاختياري بعد إكمال (30) عامًا في الخدمة بأن يتم أيضًا معاملته في استحقاق منحة نهاية الخدمة بنفس عدد تلك السنوات عند احتساب الحد الأقصى لاستحقاق المنحة، وبدون تقييد لمبلغ المنحة، ليكون متقاربا مع الوحدات الأخرى غير المدنية. هذا التوجه سوف يكون محفزًا لفئة كبيرة من موظفي الخدمة المدنية لمن يرغب منها في التقاعد الاختياري وبالتالي يفتح مجالا أوسع للباحثين عن العمل، وتقليل عددهم الذي تجاوز (100) ألف باحث عن عمل.

‏ومجمل الحديث بأنه ليس هناك أدنى شك بأن الفكر السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- الذي يُسدي توجيهاته دائمًا بالتكامل والشمولية في أنظمة العمل بين الوحدات الحكومية، بأن تقوم الجهات المختصة، بإعادة النظر في منحة نهاية الخدمة للموظفين الخاضعين للخدمة المدنية، تحقيقا لنهج المساواة والعدالة في الحقوق الوظيفية مع نظرائهم من موظفي الحكومة بالقطاعات المختلفة.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس