القومية الهندوسية والاحتفالات الوطنيّة في الهند

17 فبراير 2024
17 فبراير 2024

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

يوافق 26 يناير من كل عام يوم الجمهورية في الهند، وفيه تُحيي ذكرى إصدار الدستور الهندي، وتمتلئ الشوارع بالعلم الهندي ثلاثي الألوان الذي ينتشر في مراكز التسوق والمجمعات السكنية والمكاتب وعربات الريكشا والمدارس ويحمله الباعة المتجولون. عند كل إشارة مرور، يحثك أحد الباعة المتجولين على شراء العلم الهندي أو غيره من الملحقات الوطنية.

ولكن هذا لم يحدث هذا العام.

ففي جميع أنحاء الهند، كانت الأعلام التي هيمنت على يوم الجمهورية تحمل اللون الزعفراني، وهو لون القومية الهندوسية. وذلك لأن رئيس الوزراء ناريندرا مودي افتتح معبد رام الكبير قبل أربعة أيام في مدينة أيودهيا الشمالية في موقع مسجد مهدم، وهي إشارة قويّة لتحول البلاد نحو جمهورية ذات مركز هندوسي.

موقع المعبد الجديد له تاريخ حافل، فقبل نحو 30 عاما، عندما كان مودي زعيما قوميا هندوسيا في غرب الهند، حثّ الحركة على تدمير مسجد (بابري)، المسجد الذي يعود تاريخه إلى قرون مضت وكان قائما في مكانه. وألقى خطابات مؤيدة لاستبدال المسجد بمعبد للإله الهندوسي (رام)، الذي يعتقد المؤمنون الهندوس أنه ولد هناك.

وفي 6 ديسمبر 1992، دمر حشد من الهندوس المسجد بالفؤوس والمطارق وأيديهم العارية بينما وقفت قوات الأمن متفرجة. ورغم أن المحكمة قضت بأن العنف كان «انتهاكا صارخا لسيادة القانون»، إلا أنه لم تتم محاسبة أحد عليه. وقُتل أكثر من 1000 شخص في المذبحة الطائفية التي أعقبت ذلك. ثم، في عام 2019، حكمت المحكمة العليا لصالح الهندوس ببناء معبد رام، في حين تم منح المسلمين قطعة أرض في مكان آخر. كتبت حينها مقالًا في صحيفة واشنطن بوست من وجهة نظر عائلة نزحت خلال أعمال العنف ضد المسلمين عام 1992.

لقد كان تدشين المعبد بمثابة انتصار هائل لمودي، حيث جاء قبل أشهر قليلة من الانتخابات الوطنية في هذا البلد ذي الأغلبية الهندوسية، وحضره قضاة سابقون ونجوم سينمائيون وشخصيات وطنية بارزة أخرى، ونشرت شخصيات عامة صورًا للإله (رام) على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم مع تسمية توضيحية تقول «جاي شري رام» -المجد للإله رام-. لقد طغى الاحتفال بالمعبد الجديد على الاحتفال بيوم الجمهورية.

تنص ديباجة دستور الهند على أن الهند «جمهورية ذات سيادة، اشتراكية، علمانية، ديمقراطية». ولكن في الهند في عهد مودي، تم تقليص الجزء العلماني. توجد في كل مكان قطع بالحجم الطبيعي لرئيس الوزراء يقف مع الإله رام ويرتدي ملابس الزعفران. يتم تقديمه للبلاد على أنه «رام العصر الحديث» الذي أعاد الفخر الهندوسي.

ولا تزال الدولة الهندية تحتفل رسميًا بالعيد الوطني: فقد جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كضيف دولة في موكب يوم الجمهورية في العاصمة الوطنية. وتناول الشاي مع مودي في موقع سياحي في جايبور، والتقط معه صورًا شخصية، وزار ضريح شيخ مسلم لتكريس التنوع الذي تتميز به الهند. (انتقد المكتب الفرنسي لمنظمة العفو الدولية الزيارة، محذرا من «التجاوزات الاستبدادية للنظام»).

روجت حكومة مودي لتدشين المعبد على موقع إنستغرام من خلال نشر نسخة من الديباجة الأصلية للدستور، دون ذكر كلمتي «اشتراكي» و«علماني». تاريخيا، كان أنصار «الهند الهندوسية» ينتقدون كلمة «علمانية»، التي أضيفت في عام 1976 لحماية مصالح الأقليات، ففي نظرهم يعدّ ذلك استرضاءً. (في حين أن سكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، 80% منهم من الهندوس، إلا أن هناك أيضًا أقلية مسلمة تضم أكثر من 200 مليون شخص).

عندما كنت أقود سيارتي في أنحاء مومباي في عطلة نهاية الأسبوع التي تحتفل بيوم الجمهورية، كان مشهد الألوان الثلاثة الهندية نادرا. وبدلا من ذلك، كان هناك علم الزعفران في مطاعمي المفضلة وعلى طول الطرق وشاطئ البحر.

تبدأ صباحات يوم الجمهورية عادةً باجتماع المجمعات السكنية لرفع العلم الوطني مع انطلاق الأغاني باللغة الهندية عبر مكبرات الصوت، تكريمًا لأبطال نضالنا من أجل الحرية من البريطانيين ووحدة الشعب الهندي. في يوم الجمهورية هذه المرة، كانت تلك الموسيقى مفقودة في الغالب، وغرقت بسبب نشاز «جاي شري رام» على القنوات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ومكبرات الصوت.

قبل العطلة، في ولاية تشاتيسجا الشمالية، أظهر مقطع فيديو تم تداوله على المنصّة داعية مسلمًا شابًا والدماء على وجهه وهو يعرج باتجاه مركز الشرطة. هاجمه حشد من الغوغاء يحملون أعلامًا زعفرانية وهم يهتفون: «إذا كنت تريد البقاء في الهند، فسيتعين عليك ترديد المجد للإله رام».

وفي طريق ميرا، وهو حي يقطنه عدد كبير من السكان المسلمين في مومباي، ثارت حشود تحمل أعلام الزعفران والعصي والسيوف، بعد افتتاح المعبد، وهاجمت أصحاب المتاجر والمقيمين والسائقين، وهم يهتفون «جاي شري رام». نهبت متاجر المسلمين، بينما المحلات التجارية والمركبات التي تحمل أعلام الزعفران لم تمس. انتقلت العديد من العائلات المسلمة إلى المنطقة بعد أعمال الشغب عام 1992، ولكن يبدو الآن أن الغوغاء قد عادوا. وعلى تطبيق واتساب، شاركت عائلات مسلمة خائفة مقطع فيديو لامرأة شابة مسلمة ترتدي عباءة، وأجبرت على ترديد «جاي شري رام» من قبل الغوغاء. في يوم افتتاح المعبد، علقت طالبة هندسة معمارية أعرفها علم الهند الوطني ثلاثي الألوان على شرفة منزلها. وبعد ساعتين، حذر سكرتير جمعية الحي التي تسكنها الأسرة من أنهم إذا لم يزيلوا العلم، فسيتم إبلاغ الشرطة بتهمة القيام بنشاط «مناهض للوطن». وكتبت إحدى الجارات على حسابها على الواتساب: «إذا كان لديك مشكلة مع العلم الزعفراني، فلماذا لا تنتقل إلى باكستان؟»

في يوم الجمهورية هذا، أصبحت المشاعر المنصوص عليها في الدستور الهندي عتيقة الطراز بالتأكيد، وكان شعار «جاي شري رام» الشعار السائد ذلك اليوم، وأصبحت الأفلام التي كانت تعرض في دور العرض كعروض خاصة بيوم الجمهورية، ووسائل التواصل الاجتماعي لدينا، وأيقوناتنا العامة، ووسائل الإعلام الرئيسة لدينا، أصبحت متزامنة مع الهند القومية الهندوسية حيث تحولت هذه الجريمة التاريخية إلى احتفاليّة متألقّة. ومع انتشار جرائم الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي في خلفية افتتاح معبد رام، استمتع المتعصبون المتشددون بالتغيير الذي تصوره الدولة للزعفران. لقد تم الكشف بالكامل عن رؤية القومية الهندوسية، أو خارطة الطريق إلى التفوق الهندوسي.

رنا أيوب صحفية هندية ومؤلفة كتاب - ملفات غوجارات: «تشريح المخفي».

عن واشنطن بوسـت