القمة العربية.. هل تشهد نهاية الصراعات؟

02 مايو 2023
02 مايو 2023

القمة العربية المرتقبة في المملكة العربية السعودية الشقيقة التاسع عشر من الشهر الحالي تكتسب أهمية كبيرة سواء على صعيد إيجاد حلول واقعية للأزمات العربية أو على صعيد إيجاد التكامل الاقتصادي، وخاصة في مجال الأمن الغذائي، بعد ظهور مشكلات كبيرة في سلاسل الإمداد على ضوء اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن عددا من الحروب الأهلية العربية لا تزال مشتعلة وآخرها الحرب بين المكونَين العسكريَين في السودان وهما الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث تحولت الحرب السودانية إلى حرب بالوكالة كما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا. كما أن العلاقات العربية العربية تشهد خلافات حادة، ولعل قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب هو الأكثر حدة، علاوة على موضوع عودة سوريا لموقعها في الجامعة العربية على ضوء حزمة شاملة من حل الأزمة السورية.

ومن هنا فإن القمة العربية تمثل أملا لملايين العرب في أن ينجح القادة العرب في إيجاد حلول واقعية لخدمة شعوبهم والحفاظ على الأمن القومي العربي الذي يواجه تحديات حقيقية بعد اندلاع الثورات العربية، والتي انحرفت عن مسارها الحقيقي وأدخلت عددا من الدول العربية في حروب وصراعات أهلية طاحنة فَقد من خلالها عشرات الآلاف حياتهم، خاصة في سوريا واليمن وليبيا.

القمة العربية في المملكة العربية السعودية تنتظرها قضايا متعددة، وهناك شعور يتحدث عن إرادة عربية لإنهاء المشكلات والصراعات والتفرغ للتنمية والتحديث والانطلاق نحو البناء. وهناك مؤشرات إيجابية حدثت في الآونة الأخيرة منها العودة الوشيكة للعلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وهناك اختراق كبير حدث في الملف اليمني حيث أدّت الدبلوماسية العمانية دورا محوريا في كلا الملفين، إيمانا من القيادة السياسية في بلادنا سلطنة عمان وفي ظل الجهود الكبيرة التي يبذلها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في استقرار المنطقة وأن يعم السلام والاستقرار ربوع المنطقة العربية والإسلامية. وعلى ضوء تلك التطورات الإيجابية فإن هناك فرصة سانحة لإيجاد مزيد من التقدم في عدد من الملفات المعقدة، ولعل إنهاء الخلافات العربية العربية يعد من الخطوات الأساسية سواء على صعيد عودة العلاقات المغربية الجزائرية وأيضا عودة سوريا إلى الجامعة العربية وإنهاء أزمتها وعودة ملايين السوريين إلى وطنهم، علاوة على إيجاد حلول واقعية للأوضاع الاقتصادية العربية من خلال التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي بحيث نشهد انطلاقة عربية في ظل أزمة الأمن الغذائي التي تعاني منها الدول العربية التي تعتمد على الحبوب كالقمح.

الحرب في السودان تعد خطيرة ليس فقط على السودان وشعبه ومقدراته بل على الدول العربية المجاورة كمصر على سبيل المثال، كما أن الحرب سوف تدخل فيها قوى إقليمية ودولية، خاصة أنها حرب للسيطرة على النفوذ والثروة وهذه هي مشكلة السودان منذ عهد الاستقلال عام ١٩٥٦ وانسحاب القوات البريطانية وانفصال السودان عن مصر بعد قيام ثورة ٢٣ يوليو المصرية عام ١٩٥٢ التي قادها الرئيس المصري الأسبق محمد نجيب ومجموعة الضباط الأحرار ومنهم الرئيس جمال عبدالناصر.

إذن أمام القمة العربية تحديات عربية على الصعيدين السياسي والاقتصادي وعلى صعيد علاقات الدول العربية بالعالم خاصة الدول الغربية والصين وروسيا الاتحادية، كما أن أمام العرب تحديا كبيرا من خلال قضايا التعليم المتدني في معظم الدول العربية، علاوة على تنامي ظاهرة الفقر واتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية على صعيد الفقر والغنى وتنامي ظاهرة البطالة بين الشباب، وهي ظاهرة قد تؤدي إلى مشكلات اجتماعية ومزيد من التطرف الذي قد يؤدي إلى التمرد والعنف. وعلى ضوء تلك المحددات فإن الشعوب العربية تنتظر قرارات حقيقية من القادة العرب في القمة العربية المرتقبة؛ فمن دون ذلك سوف تتعمق الأزمات العربية وقد تندلع حروب وصراعات أخرى وربما ثورات لأسباب اقتصادية واجتماعية كما هو الحال الآن في السودان والصومال واليمن وليبيا، وهناك مشكلات اقتصادية كبيرة يعاني منها عدد من الدول العربية كلبنان والعراق واليمن ومصر والأردن.

أمام القمة العربية في السعودية ملفات صعبة ومعقدة ولا يُنتظر أن تنجح القمة في حل تلك الأزمات دفعة واحدة ولكن من المهم إيجاد اختراق في تلك الأزمات ومنها عودة العلاقات المغربية الجزائرية، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وإيجاد حلول توافقية للوضع في السودان بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي، علاوة على إيجاد منظومة تكاملية للاقتصاد العربي.

ومن هنا فإن المشهد السياسي العربي هو في وضع صعب ويحتاج إلى إرادة سياسية ومصارحة ومكاشفة بحيث تكون هناك مسؤولية جماعية وأن يكون الحوار والتعاون هما شعار المرحلة، علاوة على خطوة مهمة وهي تحييد الإعلام العربي لعدم تفاقم المشكلات وشن الحملات الإعلامية لأهداف سياسية، حيث إن هذا النهج لم يعد صالحا ويعبّر عن عجز مهني ويسبب المزيد من الكراهية بين الشعوب العربية؛ فالدول الغربية تحدث بينها خلافات عميقة على المصالح وهذا هو طابع العلاقات بين الدول ومع ذلك لا نشهد حملات إعلامية على الدول بل ترى الاجتماع تلو الآخر لحل تلك الخلافات من خلال الحوار كأداة صحيحة. ومن هنا فإن الإعلام العربي يؤدي في السنوات الأخيرة دورا سلبيا في تأجيج المشاعر عند حدوث أي خلاف عربي عربي. ومن هنا لا بد من آليات محددة تمنع التراشق الإعلامي والحفاظ على كينونة العلاقات العربية العربية، وأن الخلافات هي شيء وارد في العلاقات بين الدول، مع كل التمنيات للقمة العربية القادمة في السعودية بالنجاح واتخاذ القرارات الإيجابية التي تعزز من التضامن العربي وإنهاء تلك الأزمات والصراعات التي أنهكت كاهل الشعوب العربية.

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي.