الضرورة المرة للتعامل مع طالبان!

24 يوليو 2023
ترجمة ـ أحمد بن عبدالله الكلباني
24 يوليو 2023

إنه من الصعب في أفغانستان الحصول على صوت معارض بشكل تام لإيديولوجيا طالبان مثل صوت «محبوبة سراج» -75 عاما- والتي تعرف أنها من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان، كما أنها مرشحة للحصول على جائزة نوبل للسلام.

تقيم «محبوبة سراج» في أفغانستان، وهي المدير التنفيذي لمركز تنمية مهارات المرأة الأفغانية، ومدير لعدد من ملاجئ ضحايا العنف المنزلي التي تحتضن النساء والأطفال، ورغم صوتها المعارض إلا أنها قد دعت للحوار مع حكومة طالبان للوصول إلى حلول في البلد الغارق في أزمات إنسانية.

وفي تصريح لمحبوبة سراج تناقلته العديد من الوسائل قالت: «بعد 18 شهرا من القسوة، حان الوقت للاستماع إلى جانبهم من الحكاية، من الضروري جدا التوصل إلى اتفاق، يجب أن تبدأ المحادثات مع طالبان».

إن حرص محبوبة سراج على فتح محادثات مع طالبان ليس فقط لأنه نظام يتعامل مع النساء بقسوة، ولكن أيضا لأن عدم التعامل مع طالبان سيجعل الحياة في أفغانستان أسوأ بكثير، فالشعب الأفغاني يعاني الكثير من المشكلات، وهذه وجهة نظر أصبحت متزايدة، ومحبوبة سراج واحدة من الذين يتبنون وجهة النظر تلك.

وفي العام الماضي دعت «ديبورا ليونز» رئيسة بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان -في تلك الفترة- المجتمع الدولي كافة إلى ضرورة التعامل مع طالبان بشكل مباشر وسريع، مشيرة بذلك إلى أثر العقوبات الأمريكية على طالبان -أو أفغانستان بشكل أعم- حيث صدتها عن التعامل مع النظام العالمي المالي، وأوضحت «ليونز» أن ذلك أدى إلى إغلاق الشركات الأفغانية وتزايد البطالة وارتفاع مستوى الفقر.

وإضافة إلى الوضع المالي الصعب في أفغانستان، هناك تحديات إنسانية أخرى تواجه الأفغان، وتحديات مناخية غير مسبوقة، وأفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (UNOCHA) بأن 28.8 مليون شخص، من إجمالي سكان أفغانستان البالغ عددهم 38 مليون نسمة، بحاجة ملحة للمساعدة الإنسانية، ويواجه 17 مليون شخص مأساة المجاعة الحادة، و60% من السكان يواجهون صعوبة في الحصول على المياه.

ورغم حصر المبالغ التي تساعد أفغانستان على تخطي هذا الوضع المأسوي، والمقدر بـ 3.2 مليار دولار أمريكي لتمويل المساعدات الإنسانية فيها، إلا أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة تلقى فقط 742.3 مليون دولار، وهذا لا يفي بتمويل المساعدات.

ومع كل ذلك، لا يزال الطريق نحو تخفيف معاناة الشعب الأفغاني يتطلب المرور عبر واشنطن، واقترح مسؤول متقاعد عن الخدمة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية -مؤخرا- أن يظل الوجود الأمريكي في أفغانستان بهدف مكافحة الإرهاب الذي يشكله تنظيم «داعش» فيها، وهذا ما قد يلقى ترحيبا من طالبان لمساعدتها في سيطرة «داعش» على ولاية خراسان الأفغانية.

وقد يكون هذا مدخلا حقيقيا وفرصة ثمينة للمجتمع الدولي للدخول في مفاوضات مع طالبان والتأثير على سياساتها، وفق ما أشارت بعض التقارير التي تعتقد أن تعامل طالبان مع المرأة هو خيار سياسي لها وليس له علاقة بأيدولوجيتها، ورشَّح البعض أن هذا التعامل مع النساء يرجع إلى صراعات داخلية على السلطة!

وهنا تأتي فرصة المجتمع الدولي في الدخول مع شراكة استراتيجية وتقديم حوافز لنظام طالبان، وهذا ما يشكل فرصة للوصول إلى تسويات وتقديم ضمانات تهدئ من قلق الانقسام على السلطة وبالتالي استفادة الجميع حتى المواطنين الأفغانيين العاديين.

وأشارت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، إلى أن استحواذ طالبان على السلطة في عام 2021 أدى إلى مزيد من الخسائر في صفوف المدنيين بسبب أعمال العنف التي تمارسها جهات متطرفة غير حكومية، وترتب على ذلك قتل 1095 شخصا وإصابة 2679 بجروح، صحيح أنه بالمقارنة بعام 2020 كانت الخسائر أكبر، فقط سجلت أفغانستان 8820 ضحية مدنية بين إصابات ووفيات، وبلغت الوفيات 3035 وفاة، وذلك ينسب إلى تنظيم «داعش» كوسوفو الذي قاد عددا من الهجمات وفقا لأحد تقارير الأمم المتحدة، وهذا التنظيم هو ذاته الذي أعلن عن تبني هجوم على فندق مملوك للصين في كابول في ديسمبر الماضي، وعليه دعت الصين مواطنيها إلى الخروج من أفغانستان، وهدد داعش في تلك الفترة باغتيال زعماء أوزبكستان وطاجيكستان وزادت بشكل ملحوظ من عمليات التجنيد، وهذا ما يفسر باعتقادي سبب توطيد علاقة جيران أفغانستان مع طالبان.

ولكن، لماذا تتردد الولايات المتحدة في هذه الخطوة؟ قد يكون الأمر متعلقًا بغرور الإمبراطورية، من الناحية التاريخية لم تتفاعل الولايات المتحدة بشكل جيد مع الهزائم الاستراتيجية التي تعيق نفوذها العالمي.

وهناك ثلاث هزائم استراتيجية في القرن العشرين تتبادر إلى ذهني، أولها «فيتنام» حيث هزمت قوة متمردة جيشًا فائق القوة، وثانيا «كوبا» حيث هزم نظام شيوعي في الفناء الخلفي لأمريكا عملية «تغيير النظام» التي كانت مؤيدة من قبل وكالة المخابرات المركزية؛ أخيرا «إيران» حيث أطاحت انتفاضة شعبية بنظام موالٍ للولايات المتحدة كان يعتبر إيران أحد أعمدة سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

في المقابل، عُرضت سيطرة حركة طالبان على الحكم من جانب الولايات المتحدة على أنها هزيمة تكتيكية - بسبب استراتيجيات إعادة الإعمار المصممة بشكل سيئ، وكما قال الرئيس الأمريكي «جو بايدن» يجب أن يُحمل القادة الأفغان المسؤولية عن ذلك وكذلك الحكومات السابقة قبل طالبان!

يجب أن يكون ما سبق ذكره درسا للولايات المتحدة وإدارة «بايدن» يحميها من رد الفعل السياسي إذا قررت فعلا التعامل مع طالبان، حتى روسيا يبدو أنها تدريجيا تحاول التعامل طالبان، على الرغم من أن العديد من قادة طالبان قد لقوا حتفهم في الثمانينيات في مواجهة احتلال الاتحاد السوفييتي.

ورغم الانسحاب الأمريكي من طالبان، لا يزال مصير أفغانستان مرتبطا بقرار واشنطن، ولا تزال سياسة إدارة بايدن غير واضحة ولا مقررة بشأنها، مع ذكر أنه يجب أن تستمر المساعدات الإنسانية ولو بشكل جزئي.

وقد دعا بعض الخبراء إلى التفريق بين نظام طالبان وبين الدولة الأفغانية، بمعنى مواصلة العقوبات على قادة طالبان دون المساس بالتمويل الخاص بالوظائف المحددة للدولة الأفغانية، ولكني أشير هنا إلى أن أفغانستان التي تحكمها طالبان لن تحقق مراحل متقدمة في الأنظمة الديمقراطية أو حتى حقوق المرأة في الوقت القريب.

مع تركيز الولايات المتحدة حاليا على أوكرانيا والصين، نأمل أن يتم النظر إلى أفغانستان، إن لم يكن لأسباب إنسانية، ربما لتلال الموارد المعدنية التي تحتضنها أفغانستان على الأقل، والتي قد تجعل صانعي السياسة في أمريكا يفكرون بالتعامل مع طالبان، وبعيدا عن النوايا، سيؤدي ذلك إلى تحسين حياة الشعب الأفغاني، وخاصة النساء والأقليات، وسيكون ذلك نتيجة إيجابية -ثانوية- وهدفا صحيحا من ناحية الشكل، والهدف الأبرز هو سياسي، ولكن إن نجحت واشنطن في ذلك فستقول في المستقبل أنها فعلت كل ذلك من أجل النساء والأطفال.