الصين بعد مؤتمر الحزب الشيوعي العشرين حول التحديات والآفاق العالمية
ترجمة عن الروسية: يوسف نبيل -
تمثلت نتائج مؤتمر الحزب الشيوعي العشرين في أفضل صورة ممكنة في سوق الأسهم في اليوم التالي لانتهائه. انخفضت أسهم الشركات الصينية في بورصة هونج كونج إلى أدنى مستوى لها منذ 13 عامًا. خسر مالكو عملاقي التكنولوجيا علي بابا وتينسنت حوالي ملياري دولار في يوم واحد، وصار أغنى عشرة مواطنين في البلاد أفقر بمقدار 9 مليار دولار بعد المؤتمر. في الوقت نفسه، انخفض مؤشر "هانج سنج" الذي يعكس أسعار الأسهم الصينية في هونج كونج، بأكثر من 7٪. باع الأجانب عددًا قياسيًا من الأسهم، وتراجعت العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها في آخر 15 عامًا، وفقًا لتقارير رويترز.
يحدث كل ذلك على خلفية بيانات الاقتصاد الكلي الجيدة بشكل عام: نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9٪ في الربع الثالث مقارنة بالعام السابق، بينما كان النمو في الربع الثاني رمزيًا 0.4٪. ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 6.3٪ في سبتمبر على أساس سنوي، متجاوزًا التوقعات عند 4.8٪. كما أظهرت الاستثمارات في الأصول الثابتة زيادة بنسبة 5.9٪ في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام. مع ذلك، ارتفعت البطالة إلى 5.5٪ في سبتمبر من 5.3٪ في أغسطس، كما تباطأ نمو الصادرات إلى 5.7٪ في سبتمبر مقارنة بـ 7.1٪ في أغسطس. علاوة على ذلك، صدرت بيانات مثيرة للقلق بشأن مبيعات التجزئة التي تباطأت إلى 2.5٪ مقارنة بالنمو بنسبة 5.4٪ في أغسطس.
إذا حلّلنا هذه الأرقام بعناية، فسيتضح لنا أن الطلب المحلي في الصين قد ضعف في سبتمبر، كما ضعف الطلب الخارجي، بحسب مؤشرات ديناميكيات الصادرات. يعود هذا إلى حد كبير إلى سياسة التشدد في التعامل مع COVID-19، والتي تحد من انتقال القوى العاملة، مما يؤدي إلى انخفاض في الاستهلاك.
وفقًا لـ Bloomberg Economics: "ما يحدث هو أكبر من مجرد انتعاش للاقتصاد الصيني يصفه نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث".
ما هو سبب رد فعل الأسواق المالية السالف هذا؟ كما نعلم، يُصوِّت المستثمرون بالدولار أو اليوان بعد الأحداث السياسية الكبرى. أظهر المؤتمر الأخير أن "الرفيق شي" جمع قوة كبيرة بين يديه. لم يُعاد انتخابه لولاية ثالثة فحسب، بل شغل أيضًا اللجنة الدائمة للمكتب السياسي بستة من أنصاره. قضى على جميع المنافسين المرئيين. ثمة أهمية رمزية لحقيقة أن ماو تسي تونغ وحده هو من ترشح سابقًا للولاية الثالثة لمنصب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني. الآن ليس لدى شي جين بينج منافسين سياسيين. وتجدر الإشارة إلى أن الزعيم السابق للحزب الشيوعي الصيني هو جينتاو، والزعيم المعروف للمعارضة غير الرسمية "الرفيق شي"، ومؤيد إقامة علاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك معارض استخدام القوة في "مسألة تايوان" أُخرِج ببساطة من القاعة بإمساكه من تحت الذراعين بدعوى اعتلال صحته. لم يحضر الاجتماع الأخير إذن.
يخشى المستثمرون أن يواصل شي سياسة الإغلاق و"التشدد" مع COVID. علاوة على ذلك راكم الاقتصاد الصيني مشاكل هيكلية تحتاج إلى معالجة، بدأت بمشاكل ديون شركة Evergande أكبر شركة تطوير في الصين، وضربت، مثل تأثير الدومينو، مطورين عقاريين كثيرين. نزل الصينيون المثقلون بأعباء الرهن العقاري الذين فقدوا وظائفهم إلى الشوارع مطالبين بدعم الحكومة. أدت عمليات الإغلاق إلى زيادة كبيرة في بطالة الشباب وانخفاض في الأعمال التجارية وثقة المستهلك. انخفضت مبيعات المباني الجديدة بشكل حاد بسبب خشية المشترين في مثل هذه الظروف الحصول على قروض عقارية. في الوقت نفسه، لا يمكن للمطورين بيع المرافق المشيدة، وهم يحاولون الحصول على قروض من البنوك. التخلف عن التسديد يهدد قطاع التنمية بأكمله.
لكن المشكلة لا تقتصر على ذلك. بلغ إجمالي الديون الناتجة عن تمويل الحكومات المحلية أثناء بناء مشاريع البنية التحتية من أجل استعادة الاقتصاد الصيني بعد أزمة 2008-2009. 8 تريليون دولار. مع ارتفاع الدولار نتيجة تشديد السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والذي عبَّرت عنه عدة جولات من الزيادات الكبيرة في أسعار العملة، فضلاً عن انخفاض قيمة اليوان، صار من الصعب بشكل متزايد سداد الديون الدولارية. يهدد التقصير المطورين والبنوك والحكومات المحلية التي اقترضت بالدولار.
أظهر خطاب شي جين بينج في المؤتمر أنه مصمم على استعادة تايوان. كشف أيضًا رد فعله الأخير على زيارة نائبة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي للجزيرة إصرار الصين على هذا الأمر. قال شي جين بينج إن "عجلات التاريخ تتجه نحو إعادة توحيد الصين" ، مشيرا إلى أن الصين "ستسعى جاهدة من أجل إعادة التوحيد السلمي. لكننا لا نعد أبدًا بالتخلي عن استخدام القوة. ونحتفظ بفرصة اتخاذ جميع التدابير اللازمة". شدّد شي جين بينج على أن التنمية الاقتصادية هي الأولوية القصوى. قصد شي بهذا السعي للحاق بالاقتصاد الأمريكي خلال فترة ولايته الجديدة التي تبلغ خمس سنوات. كما حدّد لنفسه هدفًا: "التحديث على الطريقة الصينية" والمتمثل في تحقيق مكانة الدولة ذات الدخل المرتفع. يتطلب تحقيق ذلك إجراء إصلاح للمعاشات التقاعدية - لرفع سن التقاعد من 60 إلى 65 وإجراء إصلاح ضريبي - لرفع مستوى الضرائب للأثرياء من أجل تحسين تمويل التعليم والرعاية الصحية. ينطوي تحديث الاقتصاد على خفض نسبة الأشخاص العاملين في الزراعة من 25٪ حاليًا إلى 3٪، وهو الأمر المعتاد في البلدان المتقدمة. في الوقت نفسه، حصل الصينيون منذ عام 2020 على حق شراء المساكن والحصول على الإعانات الحكومية في أي مدينة يقل عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة. ارتفع العدد الإجمالي للشركات الخاصة التي تجمع رأس المال في الأسواق المالية للبلاد بشكل حاد.
مع ذلك يظهر الكبح المنظم الذي يُجرى ضد الشركات الصينية الكبيرة مثل Alibaba و Tencent أن بكين حذرة من مثل هذه الشركات الكبيرة، بحسب ما أظهرت عمليات البيع في هذه الشركات يوم الاثنين بعد الاتفاقية. بشكل عام، يخشى المستثمرون الأجانب الضغط على القطاع الخاص، وعلى وجه الخصوص زيادة الضرائب وانخفاض الأرباح في الخطة الخمسية القادمة للرفيق شي.
في حديثه في المؤتمر أضاف شي جين بينج أيضًا أن التنمية يجب أن تتسم بالتوازن مع الأمن القومي. يفهم مراقبون كثيرون بهذه الكلمة تراكم القوة العسكرية للبلاد.
تجدر الإشارة إلى أن الإمكانات العسكرية للصين حتى الآن مثيرة للإعجاب. تمتلك القوات النووية الاستراتيجية قوة قتالية كبيرة، فضلاً عن عدد مثير للإعجاب. حاليًا، الصين مسلحة بحوالي 200 صاروخ باليستي عابر للقارات، وحوالي 300 صاروخ باليستي متوسط المدى، و 1150 صاروخ تكتيكي، وحوالي 3000 صاروخ كروز. يُضاعف شحن جميع الصواريخ العابرة للقارات (حتى 10 رؤوس حربية، وفقًا لبلومبرج). يُذكر أيضًا أن جمهورية الصين الشعبية لديها أكبر أسطول في العالم - أكثر من 350 سفينة وغواصة، في حين أن الأسطول الأمريكي يزيد قليلاً عن 290 سفينة.
مع ذلك، تنطلق العقيدة العسكرية الصينية من الاعتراف بأن الحرب لم تعد منافسة بين قوات مسلحة منفصلة لخصوم متنافسين، بل منافسة بين أنظمة المعلومات المتعارضة. أدركت بكين ذلك بعد نهاية الحرب الباردة والعقدين التاليين. تعتقد جمهورية الصين الشعبية أن المواجهة تجري ليس فقط في المناطق التقليدية - على الأرض والبحر والمجال الجوي-، ولكن أيضًا في الفضاء والفضاء السيبراني والكهرومغناطيسي وحتى في المجالات النفسية. تتطلب مثل هذه المواجهة المنهجية تحقيق "الهيمنة الشاملة". بناءً على هذه المبادئ ، تبني الصين نظامها التسليحي والإمكانات البشرية للقوات المسلحة.
يبقى أن أشير إلى أن الممول الأمريكي راي داليو كان محقًا عندما قال إن الصين ستصير قريبًا زعيمة العالم الجديدة التي ستؤسس نظامها العالمي الخاص بها. يريد "الرفيق شي" تحقيق ذلك في السنوات الخمس المقبلة. نحن فقط لا نعرف كيف سيكون هذا النظام العالمي الجديد.
• فلاديمير تريجوبوف اقتصادي روسي نشر كتبًا اقتصادية كثيرة ودرَّس في المدرسة العليا للاقتصاد وعدد من كليات إدارات الأعمال.
