الخطأ التاريخي لمجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي

02 مارس 2022
02 مارس 2022

وبدلا من أن يتمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من تحقيق انتقال سلس للاقتصاد الأمريكي، يتعين عليه الآن أن يحكم على ما يشكل البديل الأقل ضررا.

في وقت سابق، لاحظ صديق مقرب حقق نجاحا مذهلا في حياته المهنية في مجال التكنولوجيا أن اتخاذ قرار أولي دون المستوى الأمثل من شأنه أن يؤدي إلى سلسلة لاحقة من القرارات السيئة. ويطلق خبراء الاقتصاد على ذلك «توازنات متعددة». يجد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نفسه، وهو المؤسسة النقدية الأكثر نفوذا في العالم، في خضم مثل هذا الموقف فيما يتعلق بالتضخم - مع تداعيات تتجاوز إلى حد كبير الاقتصاد والشؤون المالية في الولايات المتحدة.

بدأت المرحلة الأولية من خطأ التضخم المُستمر الذي ارتكبه بنك الاحتياطي الفيدرالي- وهو خطأ من المرجح أن يتم تذكره باعتباره أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها البنك على الإطلاق- مع التصنيف الخاطئ الذي طال أمده في العام الماضي واستبعاد الزيادات في الأسعار باعتبارها «مؤقتة».

وعلى الرغم من الأدلة الواضحة بشكل متزايد على استمرار ديناميكيات التضخم المُرتفعة، فقد تجاهل بنك الاحتياطي الفيدرالي هذه الإشارات مرارا وتكرارا، وفشل بشكل خاص في الاستجابة للتحذيرات التي أعربت عنها الشركات بشأن مطالب الأرباح الواحدة تلو الأخرى.

وليس من الواضح تماما ما السبب وراء الخطأ الأولي الذي ارتكبه بنك الاحتياطي الفيدرالي في التعامل مع التضخم. والأمر الذي يظل مُحيرا أن صُناع السياسات كانوا حريصين في أغلب عام 2021 على تأكيد مطالبهم «المؤقتة»، بدلا من إظهار التواضع عندما تبث خطأ توقعاتهم بشأن التضخم بشكل متكرر وعلى نحو صارخ.

حتى اليوم، يعمل المسؤولون على منع إعادة بناء مصداقية بنك الاحتياطي الفيدرالي التي تراجعت بشدة من خلال عدم توضيح سبب ارتكابهم لهذا الخطأ الذي طال أمده. أعتقد أن السبب ينطوي على مزيج من التكتم المعرفي، وفقدان التركيز، وعدم الرغبة في الاعتراف بالخطأ، والإحجام عن التخلي عن «إطار نقدي جديد» سرعان ما أصبح قديما وغير مُجدٍ. وفي نهاية شهر نوفمبر عام 2021، أعلن رئيس مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول- أخيرا وفي وقت متأخر- أن الوقت قد حان «للتخلي» عن استخدام مصطلح «مؤقت».

ولكن بعد ذلك جاءت المرحلة الثانية من أخطاء بنك الاحتياطي الفيدرالي المتعددة الجوانب. وكانت التعديلات السياسية التي أعقبت تصريح باول متواضعة للغاية، حيث أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن برنامجه الواسع النطاق لشراء الأصول، والمعروف باسم التيسير الكمي (QE)، سينتهي بالكامل بحلول هذا الشهر (مارس 2022).

في هذه المرحلة، كان يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي القيام بأمرين لاستعادة مصداقيته المتعلقة بالتضخم والاحتفاظ بالسيطرة الكافية على خطاب سياسته. أولا، كان ينبغي أن يشرح سبب فشل توقعات التضخم على هذا النحو السيئ وكيف يمكن تعديل نماذج التنبؤ الخاصة به لتقليل الأخطاء المستقبلية. ثانيا، كان يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ خطوات سياسية أولية مهمة وتقديم إرشادات حول الإجراءات التالية.

وبعد فشله في القيام بالأمرين، دخل بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد ذلك في المرحلة الثالثة من الخطأ التاريخي الذي ارتكبه بفقدان السيطرة على خطابه السياسي في الوقت الذي كانت فيه قراءات التضخم تزداد سوءا.

إن الحقيقة التي مفادها أنه في أواخر فبراير 2022، كان يواصل ضخ مقدار كبير من السيولة من خلال برنامج التيسير الكمي، على الرغم من أن التضخم كان يبلغ 7.5 ٪، وهو أعلى مستوى منذ 40 عاما، تُعد مثالا جيدا على الفجوة الكبيرة التي أحدثها بنك الاحتياطي الفيدرالي بنفسه. ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من الدعوات إلى التصرف، رفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الوقف الفوري لبرنامج التيسير الكمي في اجتماعيه اللذين عقدهما في شهري ديسمبر ويناير بشأن السياسة العامة.

كل هذا يقودنا إلى الوضع الحالي. تستمر قراءات التضخم المفاجئة في الاتجاه الصعودي، وسيزيد غزو روسيا لأوكرانيا من خطر حدوث صدمة تضخمية مصحوبة بركود. ومن ناحية أخرى، عرض المسؤولون في بنك الاحتياطي الفيدرالي وجهات نظر مختلفة علنا فيما يتعلق بكيفية تعامل البنك المركزي مع كل من رفع أسعار الفائدة وخفض ميزانيته العمومية المتضخمة التي بلغت 9 تريليونات دولار.

وفي ظل غياب التوجيه المناسب من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، سارعت السوق إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 7 إلى 8 مرات في عام 2022 وحده. ويرى بعض محللي وول ستريت أنها قد تصل إلى عشرة ارتفاعات، بما في ذلك ارتفاع بمقدار 50 نقطة أساسا في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي سينعقد في منتصف مارس الجاري. وحث آخرون بنك الاحتياطي الفيدرالي على تنفيذ زيادة طارئة في معدل الاجتماعات المُشتركة.

إن سلسلة القرارات التي اتخذها مجلس الاحتياطي الفيدرالي دون المستوى الأمثل على مدى الإثني عشر شهرا الماضية تعني أن قراره السياسي التالي من المحتمل أيضا أن يكون دون المستوى المطلوب.

حتى لو كان لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي شعور جيد إزاء أفضل استجابة سياسية في الوقت الراهن، فمن غير المرجح أن يتمكن من تنفيذها، نظرا لمدى تخلف صُناع السياسة عن الواقع الاقتصادي.

لإعادة صياغة النكتة الأيرلندية القديمة، لا يمكنك الحصول على أفضل سياسة بدءا من هذه المرحلة. وبدلا من أن يتمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من تحقيق انتقال سلس للاقتصاد الأمريكي، يتعين عليه الآن أن يحكم على ما يشكل البديل الأقل ضررا. مثل هذا الاختيار يشبه الاضطرار إلى اختيار قميص متسخ بالفعل لأنه لم يعد هناك المزيد من القمصان النظيفة. وهذه ليست نظرة مُبشّرة.

محمد العريان رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، وأستاذ بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا

خدمة بروجيكت سنديكيت