الانهيار الاقتصادي الذي لم يحدث
23 ديسمبر 2025
23 ديسمبر 2025
في 2 أبريل، أعلن الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم جمركية عالمية واسعة النطاق، واصفا ذلك بأنه «يوم التحرير». هوت الأسواق ردا على القرار. وتوقع معظم المراقبين ارتفاعا حادا في التضخم، وانكماشا اقتصاديا محليا وعالميا، وقفزات واسعة في معدلات البطالة.
ومع اقتراب نهاية العام، لم يحدث الكثير من ذلك. لماذا؟ وماذا يعني ذلك للعام المقبل؟
ينهي عام 2025 مساره على نغمة إيجابية للاقتصاد، وفقا للأرقام وبالمقارنة مع التوقعات السائدة في أبريل. هذا أمر يستحق الاحتفاء. صحيح أن عبارة «الأمور ليست بالسوء الذي كنا نخشى» لا تعد شهادة ثقة مدوية، لكنها تظل أفضل من البدائل.
مع أن المؤشرات المتفائلة قد تكون صحيحة، فإن جزءا صغيرا فقط من الجمهور الأمريكي يشعر بأنها كذلك. وهذا يمثل تحديا سياسيا للجمهوريين، كما كان تحديا للديمقراطيين في عام 2024.
أما الأسباب التي جعلت الرسوم الجمركية لا تغرق الاقتصاد فبسيطة إلى حد كبير: ثمة فجوة واسعة بين الرسوم التي أعلن عنها في أبريل والأشهر التالية، وبين الرسوم التي طبقت فعليا وجرت جبايتها. فالرسوم المعلنة كانت ستبلغ نحو 25% على نطاق شامل، وهو أعلى مستوى منذ قرابة قرن. لكن ما معدل الرسوم الفعلي؟ وفقا لـ«مختبر الميزانية» في جامعة ييل، كان قرابة 17% حتى نوفمبر. وحتى هذا التقدير مرجح أن يكون أعلى من المعدل الحقيقي. وبالقياس إلى حجم الإيرادات التي جرى تحصيلها، يبدو أن المعدل المحقق فعليا يدور حول 9% إجمالا. فعلى سبيل المثال، ظل أكثر من 85% من مجمل التجارة بين الولايات المتحدة وكندا معفيا من الرسوم بسبب اتفاقات سابقة؛ لذلك، رغم أن الولايات المتحدة أعلنت معدلا قدره 35%، فإن النسبة الفعلية تبلغ نحو 8%.
وقد جمعت الحكومة الأمريكية قرابة 200 مليار دولار من إيرادات الرسوم الجمركية للسنة المالية التي انتهت في سبتمبر؛ ومنذ أبريل حققت الرسوم نحو 25 مليار دولار شهريا. الأرقام الكبيرة هي أرقام كبيرة فحسب، لكن حين توضع في سياقها، تبدو هذه الأرقام أقرب إلى فروق التقريب منها إلى عوامل تبدل قواعد اللعبة. فالناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في 2025 سيكون في حدود 31 تريليون دولار. ومن المرجح أن يبلغ إجمالي الواردات الأمريكية أقل بقليل من 4 تريليونات دولار بحلول نهاية العام.
أدت الرسوم الجمركية المتواضعة إلى ارتفاع أسعار بعض السلع الاستهلاكية. لذلك ارتفع معدل التضخم قليلا. وفي المقابل، استفاد الاقتصاد الأمريكي في عام 2025 من اتجاه كان من الصعب التنبؤ به قبل عام: الإنفاق على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. فالعشرات من مليارات الدولارات التي أنفقت، ومئات المليارات المخطط لها، تمثل ـ وفق بعض التقديرات ـ ما يقارب نصف نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في 2025، ما يجعل الصورة الاقتصادية العامة إيجابية على نحو مفاجئ.
وعليه، وعلى معظم المقاييس ـ نمو الناتج المحلي الإجمالي، والتضخم، والتوظيف ـ كان العام الاقتصادي في أمريكا مقبولا، إلى جانب مكاسب في سوق الأسهم تجاوزت 15%، وهو ما يفيد أكثر من نصف سكان أمريكا ممن يملكون أسهما. غير أن المشكلة أن معظم الناس لا يشعرون بذلك.
وقد ألقى الرئيس خطابا استغرق 18 دقيقة الأسبوع الماضي، مشيدا بما قال إنه اقتصاد أمريكي «لافت» في 2025، يعج بالاستثمارات الأجنبية، وتضخم أقل، وصفقات تبرم، وأسعار أدوية خفِضت، ورسوم جمركية تدر إيرادات. وقال متفاخرا: «بعد عام واحد فقط، حققنا أكثر مما كان يمكن لأي شخص أن يتخيله».
لا يوافق معظم الأمريكيين على ذلك. فالمشكلة أن الإحصاءات الاقتصادية غالبا ما تصف النظام ككل، لا التجربة المعاشة لكثيرين من بين 340 مليون شخص يعيشون في أمريكا. ويعتقد نحو 74% أن الاقتصاد، في أفضل الأحوال، «متوسط»، وفي الغالب «سيئ».
ولم تتغير هذه المشاعر خلال السنوات القليلة الماضية. الشيء الوحيد الذي تغير هو أن الجمهوريين باتوا اليوم أكثر ميلا للاعتقاد بأن الأمور جيدة، بينما كانوا قبل عام ـ في عهد الرئيس جو بايدن ـ يرون أنها سيئة. وفي المقابل، يرى الديمقراطيون اليوم الاقتصاد بصورة سلبية على نحو كاسح؛ قبل عام كانوا أكثر إيجابية.
يواجه ترامب والجمهوريون التحدي نفسه الذي واجهه بايدن: ماذا تفعل حين تكون الأرقام جيدة لكن المزاج العام غير موات؟ من الواضح أن البيانات «الصحية» لا تعني الكثير ما لم تنعكس تلك الأرقام على مصروفات الحياة اليومية لمعظم الناس. قد يرفع الإنفاق على مراكز البيانات الناتج المحلي الإجمالي، لكنك لا تختبر ذلك إطلاقا إلا إذا كنت مقاولا يعمل في هذا القطاع، أو كانت لديك ـ على نحو ينطوي على مخاطرة ـ نسبة مرتفعة من أسهم شركات مراكز البيانات في محفظتك الاستثمارية.
ما يختبره الناس فعليا هو أسعار البقالة، وتكاليف السكن، والرعاية الصحية ـ وكلها ترتفع بوتيرة أشد بكثير من أرقام التضخم العامة.
ومع اقتراب نهاية 2025، ينبغي أن نتعامل مع الإحصاءات على حقيقتها: إنها حقائق، لا مشاعر. يمكننا أن ننحني تقديرا لصلابة الاقتصاد الأمريكي وقدرته المستمرة على الصمود، لكن علينا أيضا أن نعترف بأن هذه الأرقام المجردة لا تصف حياة كثيرين وصفا صادقا.
زاكاري كارابيل كاتب ومستثمر، ويكتب نشرة «المتفائل الحاد» على منصة «سابستاك».
عن واشنطن بوست
تمت الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي
