الاتحاد الأوروبي وضرورة التصدي لترامب

11 أكتوبر 2025
11 أكتوبر 2025

في السابع والعشرين من يوليو 2025، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تيرنبيري باسكتلندا عن اتفاق مبدئي للتجارة والاستثمار. ولكن في حقيقة الأمر، لم يُـوَقَّـع على أي شيء، ولكن حتى في حال التوقيع على ذلك الاتفاق، فما كان ليساوي الورق الذي كُتب عليه. ذلك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقَّع بالفعل على اتفاقية تجارية رسمية مع كندا والمكسيك أثناء فترة ولايته الأولى، لكنه مزقها بمجرد عودته إلى منصبه.

لذا، يجب اعتبار أي اتفاق مع ترامب في أفضل الأحوال هدنة مؤقتة، والتي ستصمد فقط إلى أن يرى أو يسمع الرئيس الأمريكي المتقلب شخصا أو شيئا يجعل من نزوة جديدة سياسة رسمية.

مع ذلك، يجدر بنا أن نتذكر تفاصيل صفقة تيرنبيري، لأن بعضها كان غريبا حقا. لأن عدد سكان أوروبا يزيد بنحو 30% عن عدد سكان الولايات المتحدة، واقتصادها أصغر قليلا (من حيث القوة الشرائية) مقارنة باقتصاد الولايات المتحدة، فإن نظرية المساومة القياسية تعني أن أي صفقة ستكون متماثلة تقريبا. لكنها بدلا من ذلك، كانت أحادية الجانب تماما. فبالإضافة إلى فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية غير عادلة على الواردات الأوروبية، ألزمت أوروبا نفسها بالاستثمار في الولايات المتحدة وشراء الطاقة الأمريكية.

ولكن، بالطبع، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يعد بشيء من هذا القبيل. وكما أشرت مازحا إلى المفاوضين التجاريين من الاتحاد الأوروبي، فإن أوروبا ليست (حتى الآن) اقتصادا مخططا مركزيا. ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يجبر الأوروبيين على تنفيذ استثمارات أو مشتريات بعينها؛ فلم تُعرَض أرقام تيرنبيري إلا لاسترضاء ترامب، بما يسمح له بالتفاخر بأنه استخدم قوة أمريكا للحصول على فروة رأس أخرى واستخراج مزيد من القيمة من سلاسل التوريد العالمية. من يبالي إذا ما سُـحِـق القانون الدولي تحت الأقدام؟ هذا ببساطة ما تفعله القوى العظمى. ما علينا إلا أن ننظر إلى روسيا، وحرب الغزو التي تشنها ضد جارتها المسالمة.

كما توقعت، لم يستمر وقف إطلاق النار. فبعد أقل من شهر، عاد ترامب إلى تهديد أوروبا، وهذه المرة بسبب قانون الأسواق الرقمية، الذي يسعى إلى ضمان المنافسة في السوق، وقانون الخدمات الرقمية، الذي يهدف إلى تخفيف الأضرار التي تفرضها المنصات الرقمية على أوروبا. بين أمور أخرى، يطلب الاتحاد الأوروبي بعض «الاعتدال في المحتوى» لمنع هذا النوع من التضخيم الخوارزمي للتحريض على العنف والمعلومات المضللة التي كان لها عواقب وخيمة في ميانمار، كما يصر على فرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الكبرى (التي وظفت عقولها الذكية ليس فقط لاجتذاب المستخدمين بل أيضا لتجنب الضرائب).

على عكس ما يعتقد ترامب فيما يبدو، فإن هذه الضوابط التنظيمية ليست تمييزية ضد الولايات المتحدة وعمالقة التكنولوجيا فيها. فهي تُـطَـبَّـق بشكل موحد ضد جميع الشركات العاملة في الاتحاد الأوروبي. وهي تمثل نتيجة عملية مداولة طويلة حيث حرص المنظمون والمشرعون في الاتحاد الأوروبي على الموازنة بين الفوائد والتكاليف المرتبطة بالتدابير البديلة في سياق عالم سريع التغير وتكنولوجيا تتغير دون هوادة. وكما هي الحال في كل العمليات المماثلة، اختلفت وجهات النظر، حيث أعرب بعض أصحاب المصلحة عن قلقهم من أن القواعد كانت شديدة التقييد.

بيد أني وكثيرين آخرين يساورنا القلق لأن القواعد ليست مقيدة بالقدر الكافي. فلا يزال عمالقة التكنولوجيا يمارسون قدرا أكبر مما ينبغي من القوة السوقية، في حين يمارسون أقل القليل من الإشراف على المحتوى، ويواصلون إساءة استخدام حقوق الخصوصية. وهذا الوضع يخلف تأثيرات سلبية خطيرة على المجتمع الأوروبي، وخاصة شبابه وسياساته الديمقراطية.

إلا أن المسألة التي تواجه الاتحاد الأوروبي الآن مختلفة. فبصرف النظر عن آرائهم بشأن الضوابط التنظيمية القائمة، يتعين على الأوروبيين أن يقرروا ما إذا كانوا ليتنازلوا عن سيادتهم وعملياتهم الديمقراطية لصالح شعبوي استبدادي متنمر مدعوم (وموجه في كثير من الأحيان) من قِـبَـل القلة التكنولوجية في أمريكا. لقد أظهر ترامب على نحو متواصل أنه يتصرف بما يخدم مصالح أقرب داعميه وأفراد عائلته، وليس مصالح الشعب الأمريكي، وبكل تأكيد ليس مصالح أوروبا.

الآن، يجب أن نكون أدركنا جميعا أن الاستسلام لن يؤدي إلا إلى مزيد من المطالب في المستقبل. ليس من المعقول ولا المنطقي الرضوخ لبلد يحكمه رئيس-ملك خارج عن القانون، رجل مدفوع بالكامل بهواجس شخصية، ومفاهيم خاطئة حول الاقتصاد، ومظالم غير مبررة ــ وبالتالي غير قابلة للحل. القيم الأوروبية أكثر أهمية من أن تُـقايَـض.

أجل، ربما ينطوي الوقوف في وجه ترامب على تكاليف في الأمد القريب، خاصة بالنسبة للشركات التي تعتمد على السوق الأمريكية. ولكن في حين يدرك أهل الاقتصاد منذ زمن بعيد أن التجارة تدر مكاسب عندما تُـدار بشروط عادلة، يحاول ترامب انتزاع أكبر قدر ممكن من القيمة المضافة من سلاسل التوريد العالمية، وهذا يعني أن المكاسب التي ستعود على أوروبا تتضاءل إلى حد كبير ــ بل وقد تصبح سلبية.

الواقع أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بالقوة الاقتصادية اللازمة لتمكينه من الصمود في وجه تعريفات ترامب، خاصة الآن وهو يستثمر في إعادة التسلح لكسب الحرب في أوكرانيا. علاوة على ذلك، ستكون الخسائر الناجمة عن الاستسلام أكبر كثيرا. إن المبادئ التي حكمت التجارة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية ضرورية لكي تكون التجارة مفيدة على نطاق واسع. في غياب سيادة القانون، لا تحقق الأسواق نتائج فعّالة أو عادلة. فسوف يثبط الاستثمار، ويعاني النمو، وتتعرض الديمقراطية لمزيد من التقويض.

عندما وقف الرئيس الصيني شي جين بينج في وجه ترامب، تراجع ترامب. وفي الآونة الأخيرة، أوضح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أن بعض الأشياء لا يمكن المساس بها: سيادة بلاده، وكرامتها، وسيادة القانون، والديمقراطية. ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يفعل الشيء ذاته.

جوزيف إي. ستيغليتز حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وأستاذ جامعي بجامعة كولومبيا.

خدمة بروجيكت سنديكيت