إسرائيل تَرُدُّ على وابلِ القذائف الإيرانية بضربة رمزية

21 أبريل 2024
21 أبريل 2024

الإيكونومست -

ترجمة ـ قاسم مكي -

كلا الهجومين الجويين (الإيراني والإسرائيلي) استهدفا قواعد عسكرية. لكن التشابه بينهما ينتهي عند هذا الحد. فقصف إيران الذي اشتمل على إطلاق أكثر من 300 صاروخ وطائرة مُسيَّرة كان ردا معلنا على الهجوم الإسرائيلي المميت على المجمع الدبلوماسي الإيراني يوم 13 ابريل في دمشق. فقد أعلن عنه المسؤولون عندما كانت القذائف لا تزال في الجو. وأظهرتها فيديوهات وسائل التواصل الاجتماعي التي تعقبت مساراتها وهي تنطلق في ظلمة الليل عبر أجواء الشرق الأوسط.

من جهة أخرى كان رد إسرائيل الواضح بعد خمس ليال لاحقا يشوبه الغموض. فبعد ساعات من بدايته لم يكن هنالك تأكيد رسمي من إسرائيل بشأنه. وصدرت حوله معلومات شحيحة جدا من جانب إيران.

كانت الضربة محدودة كي لا تشعر إيران بأنها مضطرة للرد مرة أخرى. مع ذلك وبعد عقود من الحرب السرية تبادلت الآن أكبر قوتين في الشرق الأوسط الضرباتِ بقصفِ كلٍّ منهما أراضي الأخرى. وهذه سابقة تنذر بشر مستطير.

ما هو واضح أن إيران في الساعات الأولى من يوم 19 ابريل فعَّلت دفاعاتها الجوية في قاعدة جوية بالقرب من أصفهان. كما أوقفت مؤقتا الرحلات الجوية إلى المدينة ومواقع أخرى عديدة بما في ذلك العاصمة طهران. وسرَّب مسؤولون أمريكيون لم تُحدد أسماؤهم معلومات مفادها أن إسرائيل أطلقت صواريخ ضد عدوتها القديمة رغم أن أخبارا أخرى تشير إلى استخدامها عددا محدودا من الطائرات المُسيَّرة.

سعت إيران إلى التقليل من أهمية الحادثة. فقد نقل مراسل للتلفزيون الحكومي إلى المشاهدين أن كل شيء هادئ في أصفهان والانفجارات التي سمعها السكان كان مصدرها الدفاعات الجوية الإيرانية وليس القذائف القادمة.

وقال ناطق عن وكالة الفضاء الإيرانية أن ثلاث مسيرات صغيرة أسقطت وتم إحباط الهجوم. ووزعت وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بقوات الحرس الثوري الإسلامي صورا لمسيرات رباعية ضئيلة بهدف السخرية من حجم الهجوم.

كما لم تأبه به أسواق النفط أيضا. قفز سعر خام برنت بأكثر من 3 دولارات متجاوزا 90 دولارا للبرميل عند بداية صدور الأخبار عن الانفجارات في إيران. لكن مع ظهور المزيد من التفاصيل تقلصت هذه المكاسب وبعد انتصاف النهار في الشرق الأوسط كان يتم تداول النفط بسعر أقل بقدر طفيف من سعره في اليوم السابق.

أصفهان مقر لمجمع إنتاج صواريخ ينجز أبحاثا ويصنع العديد من الأسلحة الباليستية الإيرانية. كما تأوي المدينة أيضا بعض طائرات أف 14 التي يبلغ عمرها نصف قرن لكنها لا تزال من بين المقاتلات النفاثة الأكثر تقدما ضمن ترسانة إيران.

وهكذا كان هنالك تماثل معيّن في الضربات والضربات المضادة بالنظر إلى أن القصف الإيراني استهدف توجيه صواريخ باليستية ضد قاعدة جوية إسرائيلية تأوي مقاتلات أف 35 الإسرائيلية المتقدمة.

توجد في أصفهان أيضا أجزاء من البرنامج النووي السري لإيران (على الرغم من أن معظم أجزائه الأكثر أهمية تنتشر في أماكن أخرى.) وفي السنوات الأخيرة انتجت إيران كميات تتزايد باطراد من اليورانيوم المخصب يقترب بعضها من درجة السلاح النووي. لكن يبدو أن الإشاعات المبكرة عن استهداف إسرائيل للمنشآت النووية يوم 19 أبريل غير دقيقة على أية حال. وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن المواقع النووية في إيران لم تصب بأضرار.

شكك بعض المحللين الإيرانيين في رواية المسيرات الرباعية. فمثل هذه المسيرات يبلغ مداها كيلومترات قليلة فقط في حين تبعد أصفهان بأكثر من 300 كيلومتر عن أية حدود برية أو بحرية (وحوالي 1500 كيلومتر عن إسرائيل). لكن سبق استخدامها كجزء من هجمات غامضة على مصانع أسلحة في إيران ربما شنها عملاء إسرائيليون داخل البلاد.

نظرا إلى حجم الهجوم الإيراني الكبير في 13 أبريل كان من المؤكد أن إسرائيل سترد. وكانت لديها سلسلة من الخيارات بدءا من توجيه ضربة كبرى تتناسب مع القصف الإيراني وإلى تنفيذ عمليات سرية أو هجمات إلكترونية. وباختيارها ضربة مباشرة ولكن رمزية تأمل إسرائيل في تحقيق توازن تشير فيه ضمنا إلى أنها قادرة على ضرب إيران ولا شيء يردعها عن ذلك لكن مع عدم دفع إيران إلى الاضطرار على الرد.

تخلت إسرائيل عن سياستها المعتادة وأخطرت أمريكا بخطتها مسبقا. وهي تأمل في المحافظة على الائتلاف الذي تقوده واشنطن والذي ساعدها على صد الصواريخ والمسيرات الإيرانية.

قبل ساعات من الضربة الإسرائيلية ذكر حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني لشبكة «سي ان ان» أن رد بلاده على أي هجوم إسرائيلي لاحق سيكون «فوريا وبأقصى درجة.» وتسعى إيران من خلال التظاهر بعدم حدوث هجوم إلى اكتساب مساحة للمناورة. مع ذلك وخلف الكواليس ربما يحث بعض المتشددين مثل قائد قوة الصواريخ بالحرس الثوري على الرد.

لكن حتى إذا انتهت هذه الجولة من المواجهات قد لا يكون بمستطاع البلدين العودة إلى القتال في الظل. إيران رفعت رهاناتها بشن هجوم مباشر من أراضيها وأرست بذلك سابقة جديدة إذا حاولت إسرائيل في المرة القادمة اغتيال أعضاء قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وهذا تعقيد آخر لوزارة الحرب الإسرائيلية التي شرعت سلفا في التخطيط لهجوم على آخر معقل لحماس في غزة وربما لحملة ضد حزب الله في لبنان.

اتخذ الإسرائيليون قرارهم بالرد على إيران بعد سلسلة من الاجتماعات الوزارية العاصفة بالإضافة إلى عمليتين مجهضتين على الأقل. المساحة التي يتحرك فيها بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي محدودة جدا. فقد ظل حلفاؤه الدوليون بقيادة الولايات المتحدة يحثونه على ضبط النفس.

في الأثناء بعض وزرائه دعوا إلى تحرك أشد تدميرا. لقد تم إبلاغهم بالتزام الصمت حول ضربة 19 أبريل. لكن ايتمار بن غفير دَوّن كلمة واحدة على وسائل التواصل الاجتماعي هي «دارديل» إنها مصطلح رياضي يُشار به في إسرائيل إلى الضربة المترددة وغير المؤثرة التي تُسدد تجاه مرمي الفريق الآخر.

مثل هذا الاستفزاز القصد منه الضغط على نتانياهو ليس فقط للقيام بإجراء أقوى ضد إيران ولكن أيضا تصعيد العمليات في غزة التي انحسر فيها الانتشار الإسرائيلي إلى أدنى مستوى له في الشهور الستة الماضية.

قد يكون نتانياهو حذِرا تجاه إيران حتى لا يزيد العبء على جيش إسرائيل ويُغضِب حلفاءه. أما التصعيد في غزة فأكثر احتمالا.

من المؤكد تقريبا أن يتسبب شنُّ هجوم على رفح التي يتكدس فيها حوالي 1.5 مليون نازح فلسطيني في عدد كبير من الإصابات. لقد تأجل حتى الآن بفضل الضغوط الدولية. لكن الجيش الإسرائيلي يتهيأ في الوقت الحاضر لإسقاط منشورات تدعو المدنيين إلى الخروج من رفح «لمناطق آمنة» لم يتم إعدادها بعد لاستقبال تدفق أناسٍ تقطعت بهم السبل. وهذه ليست المرة الأولى التي قد يتوجب فيها على سكان غزة دفع ثمن الصراع الإسرائيلي- الإيراني.