إبطال أكاذيب ترامب الكبرى

02 يوليو 2023
02 يوليو 2023

مع صدور قرار الاتهام الفيدرالي بشأن دونالد ترامب، يُـضاعِـف رئيس الولايات المتحدة السابق من حِـدّة الخطاب المحرض على الخلاف والشقاق. وبهذا تكون أمريكا على أعتاب فصل آخر مُـحـبِـط من حرب الروايات التي تبدو بلا نهاية. وجد استطلاع الآراء CBS/YouGov الذي أُجري خلال الفترة من السابع إلى العاشر من يونيو أن 38% فقط من الناخبين الجمهوريين المحتملين يرون أن إساءة تعامل ترامب مع وثائق سرية تشكل خطرا يهدد الأمن القومي، مقارنة بنحو 80% عبر الكتل الانتخابية الأخرى.

الواقع أن أكاذيب ترامب حول القضية تهدد بتقويض ثقة عامة الناس في إنفاذ القانون الفيدرالي، تماما كما تسبب إصراره على أن انتخابات 2020 الرئاسية «سُـرِقَـت» في تقويض الثقة في نزاهة العملية الديمقراطية في أمريكا. ما يدعو إلى التفاؤل أن التحولات التي طرأت على الرأي العام حول انتخابات 2020 تشير إلى استراتيجيات فَـعّـالة في مقاومة الهجمات على المؤسسات الديمقراطية الأساسية. من المؤكد أن استطلاعات الرأي أظهرت أن ما يقرب من ثلثي الناخبين الجمهوريين يعتقدون أن جو بايدن خسر الانتخابات ولم يفز إلا بالاحتيال والتزوير. وقد دفعت هذه الكذبة أنصار ترامب إلى اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي في السادس من يناير 2021، كما دفعت الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون إلى استنان قوانين تقيد القدرة على الوصول إلى صناديق الاقتراع باسم مكافحة تزوير الناخبين (وهي المشكلة التي تبين أنها نادرة للغاية). لكن بيانات استطلاعات الرأي تنطوي على حقيقة لا يُـنتَـبـَـه إليها إلا قليلا: بمرور الوقت، أصبح مزيد من الناخبين الجمهوريين يشككون في كذبة ترامب بشأن الانتخابات، وتقبلوا بايدن بصفته الرئيس الشرعي. ينعكس هذا الاتجاه في استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة Bright Line Watch، وهي نتاج للتعاون بين علماء السياسة من عِـدة جامعات (وأنا شخصيا أحد أعضائها الـمؤسِّـسين). في استطلاع للرأي أجري في نوفمبر 2020، وجدنا أن كل الديمقراطيين وثلثي المستقلين آنذاك كانوا يعتقدون بشكل أساسي أن بايدن هو بكل تأكيد، أو في الأرجح، الفائز الشرعي، مقارنة بربع الجمهوريين فقط. هذا يعني ضمنا أن ثلاثة أرباع الناخبين الجمهوريين كانوا يظنون أن غاصبا احتل البيت الأبيض. لكننا كررنا هذا الاستطلاع خمس مرات منذ ذلك الحين، وقد أظهر آخرها في نوفمبر 2022 أن 35% من الجمهوريين يقبلون الآن بايدن بصفته رئيسا شرعيا. ورغم أن هذا يظل يعبر عن أقلية، فإنه يمثل زيادة بنسبة 40% فوق الربع الأصلي من ناخبي الحزب الجمهوري. علاوة على ذلك، تكشف استطلاعات رأي أجرتها منظمات أخرى عن ذات الاتجاه. خلال الفترة من نوفمبر 2020 إلى ديسمبر 2022، سأل منظمو استطلاعات الرأي في جامعة مونماوث عينة من الناخبين الجمهوريين على نحو متكرر ما إذا كانوا يعتقدون أن بايدن فاز «بنزاهة وإنصاف» أو فقط «بسبب تزوير انتخابي». وقد وجدوا أن نسبة أولئك الذين يعزون فوزه إلى التزوير والاحتيال تقلصت من 69% إلى 55%. تُـرى أي فئة من الناخبين الجمهوريين كانت الأكثر ميلا إلى التوقف عن تصديق كذبة ترامب؟ بالتنقيب في بيانات Bright Line Watch، وجدنا أنهم إلى حد كبير من الأشخاص الحاصلين على قدر أكبر من التعليم الرسمي، ولا سيما شهادة جامعية (نحو 17% من الجمهوريين و21% من الديمقراطيين في عيناتنا). وفي حين أن 30% من الناخبين الجمهوريين الحاصلين على شهادة جامعية كانوا يعتقدون في عام 2020 أن بايدن فاز بالانتخابات بنزاهة وعدل، فقد ارتفع هذا الرقم إلى نحو 50% بحلول أواخر عام 2022. كما أصبح الناخبون الجمهوريون الذين انتهى تعليمهم الرسمي عند المرحلة الثانوية أقل اقتناعا بكذبة ترامب بشأن الانتخابات بعد مرور عامين. ولكن مقارنة بخريجي الجامعات بين الناخبين الجمهوريين، كانت سرعة التصديق الأولية بين خريجي المدارس الثانوية أكبر، وكان تراجعها أكثر تدرجا.

قد يستسلم بعض المراقبين لإغراء استبعاد الغالبية الضخمة من الناخبين الجمهوريين الذي يزعمون أنهم لا يبالون ما إذا كان ترامب أفشى وثائق ومعلومات سرية للغاية لزوار نواديه في فلوريدا ونيوجيرسي. لكن من الخطأ أن نفترض ببساطة أن هذه الطائفة بعيدة عن المتناول. عندما كذب ترامب على أنصاره بشأن انتخابات 2020، لم يكن أولئك الذين صدقوه مجرد سذج بُـلـهاء، بل إنهم مثل أغلبنا، كانوا يفتقرون إلى المعرفة المباشرة التي يمكنهم من خلالها التحقق من معتقداتهم. وبسبب جهلهم بأعمال إدارة الانتخابات، فقد نزلوا على حكم القادة الذين يثقون بهم أكثر من غيرهم.

ثم مع تراكم الأدلة المعاكسة، انتقلت آلة المعلومات المضللة البارعة إلى مستوى أعلى من الكفاءة، فقدمت إلى هؤلاء الناخبين نقاطا حوارية تمكنهم من دعم موقفهم وتحييد الحجج التي يسوقها الجانب الآخر. على سبيل المثال، أصبح كثيرون من أنصار ترامب مقتنعين بأن القضاة المعينين من قِـبَـل ترامب والذين رفضوا دعاوى حملته القضائية اتخذوا قرارات فنية فحسب، ولم يفصلوا في دعاوى الاحتيال والتزوير. ما هي الدروس التي يمكننا استخلاصها إذن من خسارة الكذبة بشأن الانتخابات بعض جاذبيتها؟ بادئ ذي بدء، من المفيد أن نستمر في نشر الحقائق، ومناشدة قدرة الناخبين على التفكير الانتقادي. الواقع أن ترامب نفسه يعتمد بشكل كبير على التكرار، وينبغي للديمقراطيين أن يفعلوا الشيء ذاته، وأن يوضحوا مرارا وتكرارا أن تهور ترامب وهوسه بذاته عرضا الأمن القومي للخطر وربما عرضا الشعب الأمريكي لأضرار جسيمة. تغذت كذبة الانتخابات على حقيقة مفادها أن قِـلة منا لديهم معرفة مباشرة بكيفية إدارة الانتخابات. على نحو مماثل، قِـلة منا لديهم خبرة مباشرة في جمع المعلومات الاستخبارية، وحماية المعلومات حول ترسانة البلاد النووية، والتخطيط الافتراضي للغزو، وما إلى ذلك. لم يدخل أغلبنا إلى مرفق معالجة المعلومات السرية الحساسة (SCIF)، وهو الإجراء القياسي لمراجعة الوثائق والمستندات العالية السرية. وعلى هذا فإن أولئك الذين يتسنى لهم أن يفعلوا ذلك يجب أن يشرحوا لبقيتنا، مرارا وتكرارا إذا لزم الأمر، لماذا لم يكن تعامل الرئيس السابق مع هذه الوثائق عشوائيا فحسب، بل كان في حقيقة الأمر إجراميا.

سوزان ستوكس أستاذة العلوم السياسية بجامعة شيكاغو ومديرة كلية مركز شيكاغو للديمقراطية.