هذه الأحاديث مرعبة وهذه الرَّصاصة ليست غادرة

11 فبراير 2024
11 فبراير 2024

(1)

أظلافهم، وحوافرهم، وحناجرهم، وخناجرهم تعمل بهدوءٍ مُحَنَّك (والجزَّار هادئ أيضًا).

(2)

أغورُ في الميلاد. أما الباقي فقد حدث من دون أن أقصد.

(3)

يتسابقون في نمائم الخزينة.

(4)

صار العَتَهُ سلاحًا (تمامًا كما الكلمة).

(5)

كَبِدي على بنات البحر. البنايات في البحر.

(6)

تعلَّق طحلبٌ بالسَّيف.

(7)

وصل رجال الطَّوارئ. نقلوا الجثمان. رنَّ جرس السَّاعة المنبِّهة.

(8)

ذهبوا إلى الصلاة في اليوم الذي تقفل فيه البنوك.

(9)

لم يرجع القَتَلَة إلى هنا (ولم ترحل مدافعهم أيضًا).

(10)

ينكِّل بك الخَفَر في الابتسامة الخجول العجلى، وفي الطريقة التي يصوِّر بها أندريه تاركوفسكي الوجوه وهي تستدير ببطء، من دون أن يلتفت بقيَّة الجسد.

لقد جاء تاركوفسكي كي يُحدِث ضوضاء في الرُّوح، وفي العين، تمامًا كما جاء تشي جيفارا، كما يقول بنفسه، كي يُحْدِثَ «إزعاجًا في العالَم»، وبالضبط كما قال جان- لوك غودار على لسان إحدى شخصيَّاته في تحفته السِّينمائية «لاهث»: «أَنْ أصبح خالدا، وأموت بعد ذلك».

منذ مفهوم «الغرفة المعتمة» (camera abscura)، ومرورًا بـ«الغرفة المضيئة» (camera lucida)، وكل ما حدث بعد ذلك من شِعر ومن نثر في كل الكاميرات، هناك مفهوم واحد فقط، لا يوجد بعد، ويمكن أن يصف بدقَّة الأداة التي تنتقل عبرها أفلام تاركوفسكي لنا: الكاميرا المائيَّة.

(11)

في الحب عليك أن تكون خاشعًا، وشاعرًا، وذليلًا (لا تقترب من الحب أبدًا إذا كنت لا تستطيع ما لم أقل. ومن الأفضل الاعتراف بأن الأمر خارج مقدورك منذ البداية).

(12)

حين كنت أسبح في البحر في ظهيرة هذا اليوم تحلَّقت حولي مجموعة من الأسماك صغيرة متوسطة الحجم لدرجة أني مددت يدي، بثقة زائدة عن مائها، لاصطياد إحداها.

اختفى البحر بعد ذلك، ووجدت نفسي في يقين الأسماك.

(13)

المرأة السِّتينيَّة التي تحتسي لوحدها كأسًا من النَّبيذ الأحمر

مسحت جبهتي الرَّمادية

أعادت لي بعض الطَّباشير

تأبطت ذراعي

أخذتني إلى البحر

وقالت: انظر!

(14)

يحاكمونك في التَّثاؤب، وينصبون المقصلة عند الضُّحى، وستكون شهيدًا في الليل (وكل هذا من دون أن يعلم أحد).

(15)

انتبهوا: الضَّابط الذي أدَّى التحيَّة العسكريَّة للمَلِك بصورة مبالَغ فيها بعض الشيء هو من سيقود الانقلاب بعد قليل (ترى، هل أفسدتُ عناوين صحف الغد)؟

(16)

صار على المرء أن يعتذر هكذا: أرجوكم سامحوني، فأنا لا أسرِق، ولا أُزَوِّر، ولا أخون.

(17)

لفرط طول هذا الطَّريق لم أتزوَّد بالماء ولا بالدَّفاتر.

(18)

لا يزالون يلتقطون الأنفاس بعد حوالي نصف قرن على الجثث.

(19)

يموت في المناورة (ثم لا يخوضون أي حرب).

(20)

لم يمضِ وقت طويل قبل إدراك الفرق بين الحليب والمقصلة.

(21)

لا تصدِّق كل ما يقولونه لك (إن صدَّقت بعضه فأنت منهم).

(22)

لم يعودوا في المعاطف كي يبيعوك (باغتتهم المنعطفات).

(23)

من الغريب والمنذر بالشؤم فعلًا أن المرء صار يستمتع بتفاهة العالم (وإن كان لا يزال يعتقد أن هذا العالم تافه).

(24)

ليس هناك ما يمكن قوله في هذه الليلة (وليس هناك ما يمكن أن تسكت عنه الليالي الأخرى).

(25)

أيها العرش: صار النَّاس يستظلِّون بظلِّك في الهرب.

(26)

عندي القميص (وأنا لست من إخوة يوسف).

(27)

في يومٍ ما سنستحق هذا اليوم.

(28)

تعالي (أنا لا أزال في انتظار الحرائق القديمة والحروف الجديدة).

(29)

يا أيها النَّائم: جَرِّب أن تحلم (إلا قليلًا).

(30)

سوف يقتلني كل هؤلاء (أنا متأكد من ذلك من دون الاضطرار إلى أن أكون طبيبًا شرعيًّا، أو ذبابة تحطُّ على ثلاجات الاحتفاظ بأجساد الميِّتين أو في قاعات المحاكم أو مجالس العائلة المعروفة).

(31)

جميعهم يتدثَّر بالنُّكران (الأمُّ أنبوبٌ مفتوق).

(32)

اليأس واجبٌ جَشِع.

(33)

هذا الخنجر مُزَوَّق بالكثير من الدماء (لكنك لن تحتاجه).

(34)

سأموت لوحدي (في شيء من الأخبار السَّعيدة).

(35)

كيف أستطيع أن أعرف لون الشَّمس بعد سقوطها في البحر الذي وراءه بحر؟

(36)

النَّاس مذاهب (في غير ما تذهب إليه).

(37)

قلبي صغير أيتها السَّماء المليئة.

(38)

لا أحد يأخذك بإثمك (يُنجبون ويشيخون في اختراعك كل مرَّة بجريرة أخرى).

(39)

ذهبوا إلى الحرب بالأعلام والرَّايات الخفَّاقة. عادوا من الحرب بالأعلام والرَّايات الخفَّاقة (لم يذهبوا بالدُّموع، ولم يعودوا بالدُّموع).

(40)

الموت مسألةُ حيازة الأقدميَّة والنَّزاهة (تقريبًا كما يحدث في محاضر اجتماعات الأبالسة والشَّياطين).

(41)

على هذا السَّرير ثمَّة مكان لدمعةٍ ثانيةٍ في قبرٍ غير مُتاح.

(42)

لو غفرتَ سيزداد تنكيلهم بك (لا تتراجع عن خطِّ الغيلة، والغدر، والشَّماتة، وتقديم باقات الورود والزُّهور البنفسجيَّة إلى الأفاعي وحفَّاري القبور).

(43)

هؤلاء الناس اتفقوا وقرَّروا كل شيء عنك في لائحة اتِّهامك الطَّويلة (هؤلاء الناس وُلدوا وسيموتون في المزارع من دون أن تتمكن من مساعدتهم).

(44)

إيَّاك، ثم حذارِ، من هؤلاء: رهط لن يسافروا حتى بعد أن يموتوا.

(45)

سوف يمضي الآخرون (كما يفعل كل الآخرين).

(46)

قِشْطَةٌ في الهيولى، على كف السَّعادة.

(47)

ضحيَّة الأمثلة التي لم تعد مثاليَّة.

(48)

ليس على المرء أن يكون مؤرِّخًا؛ كي يفهم التاريخ (والأهم من ذلك: كي يصنعه أيضًا).

(49)

لا يحتاج الموت لمساعدة أي أحد (بعضهم يحتاج مساعدة الموت).

(50)

هذا الضِّلع ماء (لا تقتربوا من الحريق).

(51)

لم تعد تريده خُطَّتهم الاحتياطيَّة.

(52)

كُفَّ يا أنت: هذه الأحاديث مرعبة، وهذه الرَّصاصة ليست غادرة.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني