نوافذ.. موقف حرج

17 أغسطس 2022
17 أغسطس 2022

تعرّفت على سلمان رشدي من خلال روايته “أطفال منتصف الليل” التي فاز عنها بالبوكر عام ١٩٨١، والتي برأيي أنها واحدة من أجمل الروايات التي قرأت.

لكن بعد حادثة الطعن المستهجنة التي تعرّض لها سلمان رشدي آخر الأسبوع الماضي، خطر في بالي أني لم أقرأ بل ولا أملك نسخة من “آيات شيطانية”، وبدا لي أن أي حديث عن رشدي سيكون ناقصا دون الاطلاع عليها، وللغرابة وصلتني في الصباح التالي نسخة رقمية من الرواية دون حتى أن أطلب ذلك.

واجهت بعض الصعوبة في قراءتها بادئ الأمر، وخُيّل إليّ أنها ربما كانت مشكلة في الترجمة، مع ذلك حاولت إكمال الرواية، فمن غير المعقول أن يحكم المرء على عمل لم يقرأه، والحقيقة أن الرواية لم تعجبني، ذاك أني لم أجد فيها الكوميديا التي أرادها رشدي، وقد يكون مرد ذلك لاختلاف الأذواق، ولم أجد شيئا من الواقعية السحرية، على الأقل ليس بحسب فهمي لها، بل ذكرتني بالأفلام الهندية القديمة التي تتخذ من قصص الآلهة الهندوسية موضوعا، ولم تعجبني ثالثا لأني أجدها عديمة الحس وعديمة المسؤولية تجاه ثقافة أكثر من مليار إنسان.

لم تعجبني الرواية، وأظنها لو تركت للزمن فلن يعتد بها، بل ولنُسيت ولن يعاد نبشها كما يحدث الآن بسبب تعرّض كاتبها للهجوم، ولا أستطيع إخفاء امتعاضي من هذه الرواية، فعلى قدر قناعتي بحق الكاتب في التعبير عن نفسه وآرائه، بقدر ما أؤمن أنه لا يجب استخدام الكلمة كسلاح للإهانة والشتم والتشهير والتقليل من أي شخص أو ثقافة أو دين أو معتقد أو كسلاح لإلغاء الآخر أيا كان، فذلك لا يدخل فقط في باب الذوق السقيم، بل أنه يناقض جوهر الأدب وما يعنيه من محاولة إيجاد المشترك الإنساني والتأكيد عليه وخلق الصلات والارتقاء بالإنسان ومحاولة خلق عالم أفضل بالتوازي مع طرح الأسئلة الخلاقة، وأن أي إصلاح منشود لا يمكن أن يحدث عبر الإهانة أو كما يقول علي الأمين المزروعي في مقالته المنشورة في كتاب القوى الثقافية في السياسة العالمية “كان على سلمان رشدي أن يعرف أنه لا توجد ثقافة عظيمة يمكن إصلاحها عبر إهانتها”.

في الوقت نفسه لا أقبل ولا أجد مسوغا لإباحة القتل أو التحريض عليه، ولا أجد سببا لفرض الرقابة على فكر الإنسان وإن كان ذلك يحدث في كل مكان وفي أعتى الديمقراطيات، ويجيش ضد الكتاب ولتهم مختلفة أهمها ”تهمة معاداة السامية”، حيث يتم الاغتيال المعنوي للكاتب، كما حدث في قضية الفيلسوفة الأمريكية اليهودية حنا أرندت عندما كتبت مقالة لصالح مجلة النيويوركر حول تغطيتها لمحاكمة إيخمن في القدس، والذي وصفت فيه إيخمن بأنه موظف برجوازي تافه في النظام النازي ولم تصوّره كشيطان سادي شرير كما يريده اليهود، في ذلك الوقت اتهمتها الصحافة والمجتمع اليهودي في أمريكا بأنها معادية للسامية وبدأت بمحاربتها والتشهير بها ومقاطعتها ومهاجمتها لفظيا مما أدى بها للاعتزال بعيدا عن الناس لفترة من الزمن.

هو موقف حرج، ذلك الذي يوقعك ما بين ما تعتقد كدين أو ثقافة وما تؤمن به كمثقف، ونعم هناك ألف طريقة وطريقة للتعامل مع الأفكار لكن لا أظن أن تغليظ الرقابة أو القتل طريقة يفترض بنا أن نهتف لها، وهناك ألف وسيلة ووسيلة لمناقشة الأفكار وتجريدها لكن ليست الإهانة الطريقة الأدبية أو الفكرية لبلوغها.