نوافذ: معرض مسقط للكتاب والأثر !
يكتسب معرض مسقط الدولي للكتاب بعدا حميميا وشيئا من الألفة بين الأصدقاء والقراء، حيث يمكنك أن تجد الذين يختفون معظم أشهر السنة -لا محالة- في الزحام المتناثر بين الأروقة، فهو يحرّض فينا أحاسيس قلّما يصنعها فعل ثقافي بهذا الامتداد الزمني وبهذا التنوع في البشر والوجوه والفعاليات النوعية لضيوف قدموا من بقاع شتى من العالم.
مكان المعرض بات آسرا والتجهيزات الخارجية جاذبة، وقد أكد لنا أكثر من شخص من أصحاب الدور أنهم يعتمدون بصورة كبيرة على شراء الأفراد أكثر من المؤسسات الكبيرة والمكتبات العامّة. وبقدر ما يقلل هذا من هامش ربحهم، بقدر ما يدلل على أنّ العمانيين من مستويات دخل متفاوتة يقبلون بصورة مؤثرة على الكتب، فرغم ما نردده عن انزياح العالم الورقي لصالح الأشكال الجديدة فإن المعرض يثبت العكس دوما.
صاحب إحدى دور النشر فاجأني بقوله: على كثرة البلدان التي زرتها لم أر بلدا يتقاطر أهله لشراء الكتاب المحلي مثل عمان.
وإن بدا في ظاهر الأمر دعما ومؤازرة فباطنه منطق الندرة، فعلى الرغم من وجود بعض المكتبات العمانية الشرائية فإنّ الندرة المتغلغلة في أوردتنا هي التي تحرض أغلبنا على شراء كتب تكفي لسنة كاملة!
كان يمكن للمعرض بكل توهجه أن يتحول إلى حراك مذهل عبر منصات التواصل الاجتماعي! لكن وبكثير من الصدق، ولأننا لا نريد أن نخفي الغابة ولكن نريد اقتلاع الأعشاب الضارة من جذورها، نقول: شاب التنظيم بعض من الارتباك، كان ينبغي تلافيه عبر فريق مصمم ومجهز لذلك. وسأذكر بعض الأمثلة: الإعلان عن الفعاليات كان متأخرا ومتواضعا رغم أهمية الأسماء، وقد خرجت أغلب الإعلانات باهتة دون صور الضيوف، كما أنّ الجلسات لم تكن مسجلة ليعود إليها من لم يتمكن من الحضور. في الأيام الأولى كان الذين يجلسون في أماكن الاستقبال لا يعرفون القاعات ولا أسماءها وكان على أحدنا أن يقطع المسافات الطويلة ليتأكد من اسم قاعة ما أو مكان فعالية! الأمر الذي فوّت على بعضنا الجلسات، وأظن أنّ حسم المسألة سيتم بوضع مسميات ثابتة للقاعات نتعود عليها سنويا.
الضيوف الذين كان لهم أصدقاء في عمان صنعوا حالة فارقة في المشهد على عكس من افتقدوا العلاقات والصداقات! ولعلي اقترح هاهنا: تفريغ الشباب من الكتاب -ولو بشكل تطوعي- لمرافقة الضيوف الذين يحلون علينا، للتحدث إليهم والاغتناء منهم.
وماذا عن التوأمة بين معرض الكتاب والسياحة؟ لا سيما لبلد كعمان يسعى الآن لتنويع اقتصاده؟ فأحد أوجه التنويع: هؤلاء القادمون من العالم، المسلحون بأقلامهم وبأعينٍ ليست كعين السائح العادي؟ لكنهم مكثوا في فنادقهم لعدة أيام ريثما تحين مواعيد أسفارهم. ألم يكن بالإمكان خلق برامج مكثفة لهم، لا سيما وأن مجيئهم يتصادف مع شتائنا القصير؟ كان يمكن أيضا أن يستثمر قدومهم بالشراكة مع الجامعات والكليات عبر إعداد جلسات وخلق احتكاك مثمر بينهم وبين الطلبة.
أيضا من المهم جدا الاعتناء بالأسماء العمانية التي تحوز على جوائز أو لديها مشاريع رصينة عبر تكريسها بطرق جاذبة في الوعي المحلي، ولا نغفل أهمية إعلان أسماء الشخصيات المكرمة -إن وجدت- في حفل تدشين المعرض لا في ختامه، وذلك لكي تعيش هذه الأسماء وهج التكريم بين قرائها لا بعد أن يغلق الستار!
قد تبدو هذه الأشياء صغيرة جدا وغير أساسية أمام الجهود المبذولة، ولكن هذه الأشياء الصغيرة ترى وتترك أثرا لا يمكن تجاهله أيضا.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
