نوافذ :لتكون لك

24 مايو 2023
24 مايو 2023

العام الماضي حضر زهران القاسمي ضيفا في حفل الجائزة العالمية للرواية العربية، وليكون الأخ والصديق والزميل الذي ينتصر فيه النبل على كل شيء آخر، إذ إن فوز دلشاد ذلك العام يعني بالضرورة تراجع حظوظ القافر في الجائزة بشكل كبير، إلا أن إيمانه باستحقاق دلشاد يماثل إيماني بتغريبة القافر واستحقاقها الفوز، وأتذكر أني حينها قلت له وبيقين تام «والله يا أخي ما فاتتني إلا لتكون لك.. وعندها سأرضى».

نسمع كثيرا عن التنافس والغيرة بين أصحاب «الكار» الواحد، ولا نستطيع إنكار التنافس، فهو تدافع حميد يوقظ فينا الحماسة للعمل على تجويد منتجنا والارتقاء به إلى مستوى أعلى، التنافس إن كان صحيا يعني أيضا إبقاء جذوة الشغف مشتعلة.

ولا أستطيع أيضا أن أنكر الغيرة، فهي شعور طبيعي، ويحدث حتى بين أقرب الناس فما بالك بأبناء الكار الواحد. هو شعور طبيعي، أكرر، لكنه غادر، فاشل وغبي، ومن الممكن أن تصبح أسيرا له، يتغذى عليك، ويفرغك من كل الشغف الذي كان جذوة روحك، لتحل في داخلك حالة من العتمة، عتمة تحجب عنك رؤية وفرة الإمكانيات فيك ومن حولك.

في عام ٢٠١٩ اتفقت وزهران على ضرورة البدء بكتابة رواية جديدة، فكان هو يقلب فكرة القافر وأنا مفتونة بفكرة دلشاد، وفعلا أقمنا ما يشبه ورشة عمل عن بعد، هو في بلاده مس وأنا في مسقط، نثور عبر الهاتف الأفكار ونتبادل الدعم الثقافي والمعرفي، ونقترح الكتب والقراءات.

كنا نكتب، نعدل ونشطب، ثم نعيد الكتابة، نتبادل الفصول، أرسل له فصلا من دلشاد فيرسل لي فصلا من القافر أو العكس. نقرأ، نقسو، نصفق، نكتئب، نيأس، نحزن، ثم نعيد الكتابة حتى نرضى.

آتت تلك الورشة ثمارها، وخرجنا بروايتين استقبلهما القراء والنقاد بحفاوة بالغة.. روايتان تضيفان إلى المكتبة العالمية لا العربية وحدها، فكلا الروايتين في طريقهما للترجمة.

قبل أيام فازت «تغريبة القافر» البديعة بجائزة «البوكر» العربية، وفاز زهران القاسمي كأول عماني بها، وهكذا تحققت النبوءة، لكن الجوائز لم تكن يوما محركنا، بل هي جمرة السرد التي تحرقنا، رغبتنا في رواية حكاياتنا، أو ربما في محاولة لتقديم مقترح بديل لهذا العالم، عالم نطمئن فيه إلى طمأنينتنا موقنين في الوقت ذاته بأننا لا نستطيع أن نمضي في العيش دون أن نكتب.