عندما يقوى عُودهُ ويشتدّ
20 ديسمبر 2025
20 ديسمبر 2025
- يأكل من خير الوطن ، يشرب من مائه، يستظلُ بظله، يعيش في كنف أمنه وأمانه، ينمو ويزدهر حتى يقوى عوده ويشتدّ، وعند الفرصة الأولى، لا يتردد في التنكر لفضله، تقزيم عظيم منجَزه، تعظيم ضئيل منجز غيره، مُشوشُ الانتماء، تائه في الأرض.
ـ يحلم الطائر بسُكنى تلك الأرض، تُشّرع له أبواب السماء، يحلق ، يعبر الأجواء، يحط رِحاله فوق أجَمة كثيفة الخضرة، يشعر أن حلمه تحول إلى حقيقة، يبدأ رحلة إثبات الانتماء للوطن الجديد، يُلون ريشه، يغير لحن شقشقته، لكن الحقل يرفضه، والبحر والصحراء، يعيش غريبًا ويموت غريبًا.
- كل عام تهفو نفوسنا للتحليق بعيدًا، اكتشاف بلدان جديدة، التعرف على حيوات شعوبها، نبتهج أيما ابتهاج لتبديد كآبات العام، وكسر روتين الأعمال، نسيان الخيبات، نسافر إلى وجهات شرق العالم وغربه، شماله وجنوبه، وبعد أيام معدودات، يحاصرنا الملل من كل ما أدهشنا.
نشعر بالغربة، نشتاق لرائحة تراب الوطن، يعاودنا الحنين للهيب أجوائه المُشبعة بالرطوبة، شوارعه المكتظة في الصباح والمساء، سِككه القديمة، تفاصيل حيوات أهله الصغيرة، ملامح وجوه ساكنيه، أفراحهم، همومهم.
- نتأفف من وطأة صيف الوطن، لهيبه، رطوبته التي لا تُحتمل، نطري على أجواء أوروبا، جمال أريافها الذي يخلب الألباب، أنهارها، حدائقها الغنّاء، أنظمة حُكمها وقوانينها، لا نتذكر وجهها القبيح، أنها بلاد تعجُ بالمشردين «homeless»، لا محل فيها لرحمة حاكم أو شفقة بإنسان، بين سكانها من يحلم بامتلاك قوت يومه، منزله الآمن، سيارته الخاصة، هاتف متطور، قدرة على امتلاك ما يريد.
- نحلم أن يتحول الوطن إلى قطعة من بلاد الشام، بلاد الشام بتفاحها وزيتونها وعنبها وبرتقالها «وبقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها» لكن يغيب عنا حال الإنسان العربي، فاقته التي لا سبيل لدحرها، فوضى بلاده السياسية وعدم الاستقرار الذي أحاله إلى مُشتت، يبحث في أرض الله عن أمنه ولقمة عيشه، لا نبذل جهدًا ولو ضئيلًا، لتذكر كثير النِعم، لا نسأل أنفسنا، لماذا لا يعمل مواطن شبه الجزيرة العربية خارج منطقته؟؟
النقطة الأخيرة..
سألوا غاندي: متى يفقد الإنسان شرفه؟ فأجاب: «عندما يأكل من خيرات بلده وينتمي إلى بلد آخر».
عُمر العبري كاتب عُماني
