نوافذ : حق امتلاك حكايتنا الخاصة

19 يناير 2022
19 يناير 2022

سئلت في لقاء تلفزيوني عن وصفي لتجربة مرضي، فقلت ممتعة. قلتها بعفوية كحالي دائما، ثم بعد اللقاء بدأت في مسألة نفسي، لماذا قلت ممتعة؟ أكرر السؤال على نفسي متأرجحة بين صيغة السؤال وجلد الذات. هل كانت تجربة ممتعة فعلا؟ هل كنت صادقة؟ وكيف لي أن أقول عن تجربة علاج مرض مثل السرطان بأنها تجربة ممتعة؟ وهل في هذا الوصف لتجربتي الشخصية شيء من الإنكار أو انعدام الاحساس تجاه المرضى الآخرين، تجاه رفيقات التجربة اللاتي لم ينجين؟

قبل أيام كنت أقرأ رواية "اسمي لوسي بارتون" للكاتبة الأمريكية إليزبيث ستراوت، التي تدور حول تجربة امرأة شابة أصيبت بالتهاب في الدودة الزائدة، مما استدعى إجراء جراحة نتج عنها الكثير من التعقيدات أدت إلى مكوثها في المستشفى مدة تسعة أسابيع، وفي تلك الأثناء كانت وحيدة، حتى جاءت أمها لزيارتها، أمها التي لم ترها لسنين طويلة، بعد أن اختارت لوسي أن تترك بلدتها البعيدة وتبحث لها عن حياة في المدينة الكبيرة.

جاءت أمها وجلبت معها ذكريات حياة سابقة، أسماء الجيران وحكاياتهم ومآلاتهم، وصولا إلى أحوال أفراد الأسرة، الأسرة التي نشأت في فقر مدقع وظروف بائسة.

كانت لوسي تسترجع أثناء حديث أمها كل المواقف الصغيرة التي علمت روحها بعلامات لا تزول، البرد، الجوع، قسوة والديها، نظرات الناس المنكرة، رفض الزملاء الجلوس إليها في الفصل، وحتى الأشخاص الذين التقت بهم في المدينة الكبيرة، وما إن عرفوا أنها تأتي من خلفية فقيرة أو من بلدة صغيرة تبدر عنهم إشارة احتقار ولو طفيفة، وتذكرت أيضا أولئك الأشخاص النادرين الذين كانوا لطفاء معها.

طال مرض لوسي، لكنها استطاعت بكل تلك الاستعادات أن تطل على الماضي، على العلاقات الأسرية التي فككها الفقر والقسوة، وربما بهذا استطاعت أن تتصالح معها، صلحا جعلها تختار نفسها، تختار موهبتها، تختار كتابتها، وأن تعيش تجربة حياتها كاملة متحررة إلى حد كبير من ظلال الماضي.

هذا النوع من التجارب يكشف لك معدنك الخاص، هي رحلة اكتشاف لماهيتك، ونوع العلاقات التي تربطك بالآخرين وبالعالم، هي رحلة نفسية وروحية وتثقيفية بمعنى من المعاني.

لكن هل كانت تجربة لوسي بارتون الراقدة على سرير المشفى بين فحص وآخر والأنابيب الممتدة من رسغها حتى القرب المحمولة تجربة ممتعة؟ هل كانت رحلة استعادة الآلام ممتعة حقا؟ لا أعرف.

ما أعرفه هو أننا أثناء مرورنا بتجارب من هذا النوع، ندرك الحياة، أهمية كل لحظة منها، وهذا يساعدنا على التجاوز، على التصالح، وعلى أن نعيد لأنفسنا حق امتلاك حكاياتنا بكل ما فيها من آلام وأخطاء.