«لجان التحكيم» إشكالية المهرجانات المزمنة

15 ديسمبر 2025
15 ديسمبر 2025

دائما ما تكون لجان التحكيم هي ضحية كل مسابقة، الجميع يلومها وينتقدها، ويحمّلها تبعات ما يحصل من لغط في المسابقات، ومهرجان الشعر العماني لم يكن يوما استثناء من هذا الانتقاد، فمنذ المهرجان الأول حتى المهرجان الحالي (الثالث عشر)، ما تزال لجان التحكيم أمام مرمى السهام والانتقادات، وهذا بالتأكيد يضع حِملا ثقيلا على كاهل كل لجنة وكل عضو فيها، فبداية من التأهل للمهرجان حتى لحظة إعلان النتائج، وما بعدها، تنصبّ اللعنات على لجان التحكيم.

وفي بعض الأحيان يكون الانتقاد في محله؛ لأن بعض الأعضاء الذين يتم اختيارهم غير أكفاء في عملية النقد، وهذه آفة لجان تحكيم الشعر الشعبي على وجه التحديد، فمعظم اللجان قد يكون أعضاؤها شعراء جيدين، ولكنهم نقاد سيئون، فليس كل من كتب قصيدة جيدة هو ناقد يستحق أن يكون ناقدا لشعر الآخرين، فالذائقة العامة أحيانا تعتمد على الشعور الشخصي، والانطباع الوجداني، ولكنها لا تعتمد على معايير فنية، ونقدية واضحة، وهنا يقع المحذور، حيث يخلط الشاعر بين ذائقته الخاصة، وبين المعيار الفني للنص، فينتقي ما يوافق هواه، ويستبعد ما لا يوافق ذائقته، وهنا قد تُظلم نصوص تستحق التأهل، وتتأهل نصوص ضعيفة، نظرا لغياب المعيار الفني والنقدي الذي تستند إليه.

وهنا أذكر مهرجان الشعر العماني الثالث الذي أقيم في صلالة، حيث تم اختيار لجنة تحكيم مكونة من شعراء لهم تجربتهم الشخصية على الساحة الشعرية الشعبية، ولكن لم يكن لدى كامل أعضائها القدرة النقدية لتحكيم مهرجان بهذا الضخامة، فكثرت الانتقادات عليها، وعلى آلية اختيار شعبيين ليس لهم أي تاريخ على مستوى النقد أو التحكيم الشعري، فكانت تلك اللجنة أكثر لجان التحكيم إثارة للجدل في تاريخ المهرجان.

ولكن القائمين على المهرجان استفادوا من تلك التجربة، وبدأوا في انتقاء شعراء لديهم الحس النقدي الجيد، لعضوية المهرجانات التالية، رغم أنها لم تخلُ من انتقادات على مر دورات مهرجان الشعر العماني، ولذلك ستظل إشكالية لجان التحكيم قائمة، وستبقى اللجان ـ بكامل وحدتها ـ عرضة للانتقاد، وستبقى النصوص المتأهلة عرضة للأخذ والرد، لأن كل شاعر متقدم للمسابقة يحكم على نصه، بمعزل عن النصوص الأخرى، ولذلك ستظل كما يقال «كل فتاة بأبيها معجبة»، غير أن لجان التحكيم ـ وحدها ـ من تستعرض كل الأعمال، وتفاضل بينها، وتضع معاييرها للاختيار، وهي وحدها تعرف سر استبعاد نص، واختيار نص، فعملية النقد ـ مهما بدت أكاديمية ـ تخضع في النهاية للذائقة الشخصية، وهي ذائقة نسبية وجدانية، ولذلك على الجميع تقبّل النتائج، لأنه رضي ـ قبل كل شيء ـ بأن يكون ضمن مسابقة عامة، وعملية تفاضل بين مجموعة أشخاص، وبيد مجموعة تسمى (لجنة التحكيم)، ولذلك عليه أن يتحلى بروح الشاعر الواعي، الذي يتقبل كافة الحالات، ويضع نصب عينيه أسوأ الاحتمالات.