فليَمْت وحيدًا.. ولا تقبل أي اعتذار

31 أغسطس 2025
أنساغ
31 أغسطس 2025

(1) 

يتلعثم الوطر، ولا يرتبك ما حدث بعد ذلك. 

(2) 

يشهدون على الذئب، ويشَهِّدون الحَمل، والسَّكاكين خرساء. 

(3) 

بعد تلك الحرب الفظيعة، ها هم الضَّحايا يعدُّون الشُّهداء. 

(4) 

أَشاءُ الموت الذي لا تدركون (ولا أعرف). 

(5) 

لقد قامت الحرب، وصار الأيتام والثَّكالى والأرامل، يا صفّارات الإنذار. 

(6) 

ليس للأحزان أمٌّ ولا أب، ليس للصَّريع أعداء ولا أصدقاء. ليس للرِّيح سوى العويل وهي تعبر على الابتسامات والقبور، وما لا يتذكره أحد. 

(7) 

بعد هذه التجربة أيضًا لا أريد أن أموت في الحب. أريد محاولة كتابته (مرة أخرى، كذلك). 

(8) 

لا تَتَخَفَّف العِظام إلا من السماوات. 

(9) 

في الغياب، يهمس اليأس أن للكأس صمتًا. 

(10) 

ألقيت البحر في الضَّنى. ولم أعُد، ولم يَعُد بي الأسى، ولا ظنِّي. 

(11) 

لا يحب الوطن (بهذا الشكل) إلا العاجز عن الذهاب إلى مكان آخر (بأي شكل). 

(12) 

الطَّزاجة ونسائم ليل الصيف في هذا المعشر اللطيف، والجُثَّة الخشنة التي لا ترون. 

(13) 

كلهم تهاووا قبل النَّصل (بهذا أتيقَّن من أنني على الطريق الذي يتحدث عنه الآخرون). 

(14) 

أحبها كثيرًا (تلك المرأة التي لم تحضر، وانصرفت). أحبها كثيرًا (تلك المرأة التي لم تحضر وتنصرف). 

(15) 

هوى العريش، ثم جاءت الريح، وصارَ الكِتاب والوَرَثَة. 

(16) 

أُتشرَّب كل نقيض للحبِّ حين أعرفه (حتى ولو أدركني، بعد ذلك). 

(17) 

لا يعرف سبب الموت شيئًا عن الموت. 

(18) 

كم يخذلني ألا يشبه الصوت صاحبه. 

(19) 

الميلاد حِصص، ومشاركات، ومناصفات، ومفاوضات، ومساومات، وإخوة، وأخوات، وأب، وأم، وأهل، وأرحام، وأقارب، وعقارب، إلخ. 

أما الموت فأنت وحدك، ولك وحدك. 

(20) 

لو كنتَ في الزمن الماضي لما كانت حياتك أكثر بكثير، ولما كان موتك أصغر بقليل. 

(21) 

الكتابة تقول عنك وعنهم، ولا أحد يقول لك. 

(22) 

الفتح، أو الإغلاق، أو التَّواري، أو الهتك، ليس من اهتمامات العصافير، والحشرات، والضَّفادع، والأقمار، والأمواج، والذِّكريات، وليس من واجباتها. 

هل هناك سبب وجيه واحد لأن يسرف أي أحد في ذلك؟ 

(23) 

ينسون القَتَلَة في الأصوات، كي يسهو الأموات عن الأموات. 

(24) 

في كل ليلة تأتي السَّلاحف، والأرانب، وبنات آوى، وبقايا الأقمار، وأول الولادات. 

(25) 

يا لأناقته، وسُخفِهِ، ورقاعة ذوقه: دشداشته خضراء، سيَّارته خضراء، «كمَّته» خضراء تحت عمامته الخضراء، فانلَّته الدَّاخلية خضراء، «وزاره» أخضر، نعاله خضراء، ساعة يده خضراء، عصاه خضراء، الخاتم في بنصره الأخضر أخضر، ابتسامته خضراء. كل شيء أخضر في أخضر لدرجة الإصابة بالغثيان الأخضر. 

ليست «كل الأبقار سوداء في الليل» (على عكس المأثور الشَّائع). 

(26) 

أيُّها المُطلَق: لا أحد هنا. 

أيُّها المُطلَق: ما من أحد هناك. 

أيُّها المُطلَق: من أين وإلى أين؟ 

(27) 

ليس الموت ميقاتًا، ولا ينبغي الاضطرار إليه في كل ليلة. 

(28) 

خاصَّة بعد الانقضاء النَّسبي لسنوات الرعب (لمن كانوا هنا عهدئذ، وليس لمن لم يكن في أي مكان، عهدذاك)، لم يعد الفعل الثقافي لدينا، في بعده الإبداعي والنقدي، ممارسة أخلاقيَّة، ووطنيَّة، ومعرفيَّة، وثقافيَّة، وجماليَّة، ومهنيَّة نزيهة. كلا. إنه فعلٌ خشبيٌّ محض، واستعراضيٌّ، «أكروباتي»، وإثارة تسعى من أجل إيجاد ديكور برَّاق في مكان بائس لا أثاث فيه أصلًا، خارجٍ من القشرة إلى القشرة فحسب؛ أي، بكلمات أخرى، تحويل وتشييء النص في المختبرات، والمعامل، والمساطر، والدَّوارق، وليس تثمينه واختباره في الحياة، والتجربة، والتاريخ، وعذابات البشر. 

وفي هذا الشأن كم كَثُرَ «المتخصُّصون» من «النُّقاد الأكاديميين» الذين يتزاحمون مدعوين إلى المناسبات الثقافيَّة وهم مدجَّجون بأفضل الهندام، وآخر أنواع أجهزة الحواسيب المحمولة، ومخفورون بمعرفة ميكانيكيَّة مضحكة بآخر منتجات السوبرماركت الفكريَّة الغربيَّة من بضائع وشعارات (ومناكفات وخصومات لا يعرفون خلفيَّاتها أصلًا)، كي يرونا على الشَّاشة مزيجًا غامضًا من الدوائر، والأسهم، والمربعات، والمثلثات، والجداول، وما شئتم ولم تشاؤون من الأشكال الهندسية العجيبة الغريبة، وذلك كي يفقِّهوننا في تاريخ الآداب، وفي تاريخ البشرية، وفي تاريخ الوجع، وكيمياء الحزن والإبداع (سماء عيسى هو أفضل من يسخر من ذلك لغاية الآن). 

وإزاء هذا الاستعراض الجليل الذي تعجز عنه حتى أفضل الأفلام الموسيقيَّة في تاريخ هوليوود، يُفتَرَض منّا، نحن القُرَّاء والحضور الفقراء المساكين الذين على مقاعد المحاضرة/ الدرس ألا تكون لدينا ردَّة فعل خارج الانشداه الجاهل، والذهول العاجز، والإعجاب الغبي. 

بهذا يصير «النَّص» لعبة أخرى من الألعاب التي يمكن الحديث عنها بلا تردد وخوف في المؤتمرات والمُنتديات. بهذا يُصادر من الجحيم الذي لا يعرفه (أو يتجاهله) النُّقَّاد لدينا. «والقادم أخطر». 

(29) 

-- أتعرف ما مشكلتك؟ 

-- لا. 

-- مشكلتك أنك اخترت عدوًّا. 

-- وماذا في الأمر؟ كل الناس لهم أعداء، سواء باختيارهم أم بغير ذلك. 

-- ليس هذا قصدي. 

-- ما قصدك إذًا؟ 

-- لقد أسأتَ اختيار عدوك. 

-- لا يهمني ذلك، فقد اخترت عدوًا أو اختارني عدوي. الأمر سيان. 

-- أنت لا تفهمني مرة أخرى. لقد اخترتَ عدوًا أكبر منك. 

-- هذا أيضًا لا يهمني، عدّو صغير أو كبير، سيقتلني أو أقتله، ثم ينتهي كل شيء. 

-- لكنك لا تزال لا تفهمني. 

-- كيف، إذًا، أستطيع أن أفهمك؟ 

-- عدوُّك أكثر نبلًا ورفعةً من أن يقتلك. 

-- ماذا سيفعل إذًا؟ 

-- سيتركك لتموت فحسب. 

(30) 

كارثة: يبدو أن الاعتذار صار متاحًا للجميع في كل الحالات. 

ينبغي ألا يكون الاعتذار متاحًا لأي أحد وتحت أي ظرف. وينبغي أن يرفض المعنيُّ الاعتذار، وأن يمضي في حال سبيله إما للنسيان، أو التَّناسي (أو التَّظاهر بأحدهما أو كليهما)، أو لرد الصَّاع صاعين، أو لأي شيء آخر يشاء، إلا قبول الاعتذار. 

Image

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عُماني