شركة فردية تشتري شركة مساهمة عامة

23 ديسمبر 2025
23 ديسمبر 2025

من المفارقات؛ أن شركة فردية هي شركة الزمرد الوطنية للاستثمار أبدت رغبتها في الاستحواذ بنسبة 100 بالمائة على شركة زجاج مجان وهي إحدى شركات المساهمة العامة المدرجة ببورصة مسقط. عندما ننظر إلى الأهداف الأساسية لتأسيس شركات المساهمة العامة وتحول الشركات الفردية والعائلية والمقفلة إلى شركات مساهمة عامة نجد أنها تركز في الأساس على تقوية الشركات وتمكينها من الحصول على السيولة اللازمة للنمو والتوسع وتعزيز قدراتها وتنويع المنتجات والخدمات ومصادر الإيرادات، بالإضافة إلى ضمان استقرار الشركة عبر مجالس إدارة منتخبة تتمتع بخبرات جيدة في العديد من القطاعات الاقتصادية سواء تلك المتعلقة بمجالات عمل الشركة أو بالقطاع الذي تعمل فيه.

وعلى هذا الأساس، فإن شركات المساهمة العامة تمتلك العديد من المقومات التي تؤهلها للاستمرار والنمو والتأقلم مع ظروف السوق والتغيرات التي تحدث في القطاعات التي تعمل فيها الشركة بما في ذلك المنافسة المحلية والخارجية والأوضاع السياسية والتقلبات الاقتصادية، ولعل أحد أبرز الأهداف الاقتصادية التي تدفع الحكومات في مختلف دول العالم لتشجيع الشركات الفردية والعائلية للتحول إلى شركات مساهمة عامة هو ضمان استدامة المؤسسات الكبرى واستمرارها في الدورة الاقتصادية لأطول فترة ممكنة على اعتبار أن نموذج شركات المساهمة العامة هو الأكثر قدرة على الاستمرار والبقاء لعدة عقود، وتشير التجارب العالمية إلى وجود عدد من الشركات خاصة في الولايات المتحدة واليابان لا تزال تمارس أعمالها منذ أكثر من 100 عام والسبب الرئيسي في ذلك هو أنها شركات مساهمة عامة استطاعت الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارة التي تعاقبت عليها قيادتها بحكمة ونجاح وسط العديد من الأزمات الاقتصادية والمالية والتجاذبات السياسية، في حين أن الشركات الفردية والشركات العائلية والشركات المقفلة التي يتم تأسيسها من عدد محدود من المساهمين لا تستمر طويلا خاصة بعد وفاة مؤسسيها ورغبة الجيل الثاني أو الثالث في التخارج من الاستثمار.

إذا عدنا إلى أداء شركة زجاج مجان نجد أن النتائج المالية تشير إلى تحقيق الشركة في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري خسائر بأكثر من مليون ريال عماني مقابل 884 ألف ريال عماني في الفترة المماثلة من العام الماضي، وأشارت الميزانية العمومية للشركة إلى ارتفاع خسائرها المتراكمة بنهاية سبتمبر الماضي إلى نحو 7.4 مليون ريال عماني مقابل 5.9 مليون ريال عماني في سبتمبر من العام الماضي، ويبلغ رأسمال الشركة 4.2 مليون ريال عماني والاحتياطيات 1.2 مليون ريال عماني، أما تفاصيل العرض المقدم للاستحواذ على الشركة من قبل الزمرد الوطنية للاستثمار فيتضمن شراء السهم بسعر 4 بيسات للسهم الواحد مع الإشارة إلى أن القيمة الاسمية للسهم هي: 100 بيسة، وعند العودة إلى تاريخ السهم خلال السنوات الأربع الماضية نجد أنه قد أغلق بنهاية عام 2021 على 179 بيسة وتراجع بنهاية عام 2022 إلى 162 بيسة ثم إلى 23 بيسة في 2023 وإلى 14 بيسة بنهاية عام 2024، ورغم الخسائر التي سجلتها الشركة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن تقرير رئيس مجلس الإدارة الصادر في سبتمبر الماضي أكد أن «سجل الطلبيات وتوقعات السوق الإقليمية للربع القادم يشير إلى وضع مستقر وإيجابي مع استعداد السوق لزيادة وتيرة الإنتاج تزامنًا مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك»، وأكد التقرير ارتفاع المبيعات في سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بنسبة 54% عن مستواها في الفترة المماثلة من العام الماضي.

هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تراجع أداء شركة زجاج مجان خلال السنوات الماضية لعل من أبرزها -بحسب تقرير مجلس الإدارة - «انخفاض كفاءة المصنع مع تقادم المعدات والذي أدى إلى تراجع نسبة استغلال الطاقة الإنتاجية بالإضافة إلى ارتفاع المصاريف»، وهو ما تؤكده البيانات المالية التي أشارت إلى تحقيق الشركة في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري إيرادات بـ 8.2 مليون ريال عماني، في حين بلغت تكاليف المبيعات 7.7 مليون ريال عماني والمصاريف الإدارية والعمومية 719 ألف ريال عماني ومصروفات المبيعات والتوزيع والتسويق 453 ألف ريال عماني وتكاليف التمويل 302 ألف ريال عماني، وفي اعتقادي أن هذه المصاريف تضغط كثيرا على الإيرادات، وبالنظر إلى السوق الواعد لمنتجات الشركة خاصة في الأسواق المحلية والإقليمية -بحسب تقرير مجلس الإدارة- مع حجم أصول عند 9.4 مليون ريال عماني، فإن هناك أملا كبيرا في إعادة الشركة إلى الربحية إن وجدت الاهتمام الكافي من قبل جميع الأطراف في قطاع سوق رأس المال بما في ذلك مجلس إدارة الشركة والإدارة التنفيذية.

إن حالة شركة زجاج مجان لا تختلف كثيرا عن حالات العديد من شركات المساهمة العامة المتعثرة نتيجة لتآكل رأسمالها واستمرار تحقيقها للخسائر، وقد أشرتُ في مقال الأسبوع الماضي إلى أهمية تعزيز الشفافية والإفصاح والمتابعة الدائمة للشركات من قبل هيئة الخدمات المالية باعتبارها الجهة المختصة بالرقابة على شركات المساهمة العامة والأكثر قدرة على ضبط إيقاعها وتفعيل مساهمتها في الاقتصاد الوطني وهو في اعتقادي أحدَ أكثر العوامل التي تُسهم في تقوية شركات المساهمة العامة وتمكينها من النمو وتنويع إيراداتها وتعزيز مكانتها التنافسية والاستحواذ على الشركات الأخرى؛ بدلا من أن تكون هي الشركة الأضعف في منظومة الشركات المدرجة ببورصة مسقط.