سياحة الشتاء
23 ديسمبر 2025
23 ديسمبر 2025
ما إن يحل الشتاء حتى تبدأ المواسم الشتوية في الظهور في مختلف دول الخليج، تلك الدول التي نتقاسم معها المناخ والتضاريس، وتتشابه في توقيت اعتدال الطقس، لكنها تختلف في كيفية توظيفه سياحيا. ومع انخفاض درجات الحرارة، تعلن كل دولة عن جداولها وبرامجها الشتوية، في سباق واضح لاستقطاب السياح والزوار والمقيمين، وفق رؤى واستراتيجيات رسمت بعناية للمواسم السياحية.
في المملكة العربية السعودية، بات موسم الرياض أحد أبرز العناوين الشتوية في المنطقة، يقدم مزيجا من الفعاليات الترفيهية والثقافية والفنية، مستهدفا شرائح مختلفة من الجمهور، ومكرسا مفهوم سياحة المدن بوصفها تجربة متكاملة. وفي قطر، يبرز التركيز على السياحة الرياضية، من خلال استضافة بطولات وفعاليات كبرى في كرة القدم وغيرها من الألعاب، لتتحول الرياضة إلى رافعة سياحية واقتصادية. أما في دبي، فتتصدر فعاليات مهرجان دبي للتسوق المشهد، حيث تتقاطع التجارة مع الترفيه، وتتحول المدينة إلى وجهة عالمية للتسوق والفعاليات المصاحبة. وفي الكويت، تحضر المواسم الشتوية عبر مهرجانات وأنشطة ترفيهية وثقافية تستهدف العائلة والمجتمع المحلي.
أما في سلطنة عمان، فإن الموسم الشتوي ارتبط لسنوات بمهرجان مسقط الثقافي والترفيهي، والذي تغير اسمه لاحقا ليصبح ليالي مسقط، ليأخذ مكانه على خارطة السياحة الشتوية الخليجية. ومؤخرا بدأت بعض المحافظات تحذو حذو العاصمة، بإطلاق مهرجانات شتوية متنوعة، مثل مهرجان الباطنة، ومهرجان الشرقية، ومهرجان شتاء مسندم ومهرجان البريمي، في محاولة لتوسيع التجربة السياحية، وتوزيع الحركة السياحية على مختلف محافظات سلطنة عمان.
جاءت هذه المقدمة للتعريف بما يمكن تسميته اليوم بسياحة المدن، وللقرب الجغرافي بيننا وبين دول الخليج الشقيقة، تعمدت الاستشهاد ببعض مدنها التي اشتهرت بتقديم مهرجاناتها الشتوية، بوصفها نماذج واضحة لكيفية توظيف المدينة كوجهة سياحية قائمة بذاتها. فسياحة المدن لا تعني مجرد فعالية موسمية أو مهرجان عابر، بل تقوم على تقديم المدينة بكل ما فيها من حياة وثقافة وخدمات وتجارب، بحيث يشعر الزائر أن وجوده في المدينة تجربة متكاملة، لا سلسلة من المحطات المنفصلة.
ولو تعمقنا في مفهوم سياحة المدن عالميا لوجدنا أن إيطاليا على سبيل المثال لا تسوق لعاصمتها روما أو ميلانو فقط، بل تسوق لنمط حياة وثقافة تمتد من الشمال إلى الجنوب. واليابان تقدم نفسها دولة تجمع بين الحداثة المتقدمة والتقاليد العميقة في تجربة واحدة كذلك الحال مع عواصم مثل لندن وباريس. فلندن لا تقدم نفسها مدينة تاريخية فحسب، بل تجربة حضرية متكاملة؛ أما باريس، فهي مثال آخر لسياحة المدينة بوصفها أسلوب حياة متكاملا من المعالم السياحية إلى الموضة والأزياء كل هذه الأمثلة وغيرها تثبت أن مفهوم سياحة المدن لا يقوم على الجهد العابر أو الفعالية المؤقتة، بل على استراتيجيات شاملة في التخطيط والتسويق وإدارة التجربة السياحية. فالدولة أو المدينة التي تنجح في هذا النوع من السياحة هي تلك التي استطاعت أن تخلق لنفسها معنى واضحا في ذهن الزائر، وهوية يمكن التعرف عليها والشعور بها منذ لحظة الوصول حتى المغادرة.
عودة إلى شأننا المحلي في الترويج للسياحة الشتوية، فإن كثرة المهرجانات والفعاليات التي تقام في مختلف محافظات سلطنة عمان تعد في جوهرها أمرا إيجابيا، وتعكس حراكا ثقافيا وسياحيا لافتا، كما تخلق نوعا من التنافس الصحي بين المحافظات لتقديم نفسها بوصفها وجهة مناسبة للسياحة الشتوية. هذا التنوع، من حيث الفكرة والمكان والتجربة، يمكن أن يكون عنصر قوة حقيقيا إذا ما أحسن توظيفه ضمن إطار وطني جامع.
إلا أن المشهد الحالي يكشف عن فجوة واضحة في تكامل هذه الجهود؛ فكل مهرجان يروج له بوصفه حدثا قائما بذاته، دون أن يكون جزءا من سردية أو مفهوم وطني أوسع يقوم على توحيد مفهوم السياحة الشتوية في سلطنة عمان. هذا الترويج الذي يمكن وصفه بالفردي لكل محافظة على حدة، لا يخلق القوة والزخم المطلوب للسياحة الداخلية، ولا يمنح السائح الخارجي صورة واضحة ومتماسكة عن التجربة العمانية في فصل الشتاء. بل إن تعدد الرسائل، واختلاف الهويات البصرية، وتباين الخطاب الإعلامي، قد يؤدي أحيانا إلى تشتيت الجهود بدلا من مضاعفة أثرها.
ما نحتاجه اليوم ليس تقليص عدد المهرجانات، بل إعادة تنظيمها ضمن رؤية واحدة، تجعل من الشتاء موسما عمانيا متكاملا، تتوزع فعالياته على المحافظات، لكنها تلتقي عند فكرة جامعة وهوية واضحة. عندها فقط يمكن لهذه المهرجانات أن تتحول من أحداث متفرقة إلى منظومة سياحية متكاملة، قادرة على جذب السائح، وإقناعه بالبقاء، ثم العودة مرة أخرى في العام الذي يليه.
عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»
