شخصية الفرد العماني
وحيث انطلق علي الوردي في قراءته من فرضية الصراع بين قيم البداوة والحضر، وبين نزعة الفرد للتمرّد ونزعة المجتمع للضبط ننطلق هنا من تباين التشكيل الجغرافي والهوياتي لعُمان أولا؛ فهذه الأرض يقف عليها ابن الصحراء، وابن السهل، وابن الجبل، وابن الوادي، وابن الساحل.
ولكن المسار السلوكي للفرد العماني يختلف قليلا؛ فالمدينة (وأشير إلى مسقط) تتخذ الصبغة الهادئة التي تنصت إلى لون البحر، وصوت الجبال المحيطة بها، فأصبحت ثقافة الهدوء هي السمة الغالبة التي يتّسم بها العماني فوق أرض عمان.
فالبيئة تشكّل أفرادها وفق إيقاعها الذي يعكس هذا التكوين المزاجي الهادئ والمصقول بالصمت، وهي الصفات التي ينعت بها العماني ما أن يَرِد ذكره في المجالس العربية والعالمية. وقد أصبحت هوية عمانية ولدت من التاريخ الذي يسكنها، وصقلتها التضاريس والجغرافيا.
ضمن ركائز الشخصية العمانية أيضا الحذر والتحرز على الرغم من ميله إلى الانفتاح تجده يمشي إليه في حذر؛ حيث تقيّده الأعراف التي لا يمكن له أن يتجاوزها بسهولة مقدسا بذلك القانون العام للبلاد بوصفه ظلا حاميا وضمانا عاما يحفظ حقوقه، ويمكّنه من تنظيم دوره كفرد فاعل؛ لذا تجده يوازن بين الوعي بالتغيرات التي تجلبها الدولة الحديثة، وبين الوفاء للعادات والتقاليد التي تحفظ التوازن الاجتماعي للهوية الأصيلة.
والسبب الأخير هو ما يجعله يميل إلى السلام في صراعاته المختلفة متتبعا بذلك الخيار السياسي الذي ينتهجه البلد منذ عهد النهضة الحكيمة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد -رحمه الله-. حري بنا أن نشير إلى أنه لا يمكن قراءة شخصية الفرد العُماني بطريقة مبتسرة. ولا يسعني هنا التوسّع في الظروف التاريخية المتراكبة، وأدوات الثقافة المعاصرة التي شكّلت الشخصية العمانية بسماتها اليوم بسبب ضيق مساحة العمود؛ لذا فسوف أقف هنا.
ولكن وجب التنويه أن ذكر مؤلف الدكتور علي الوردي (شخصية الفرد العراقي) في بداية هذا المقال لا يراد به التفاضل، ولكنه كان الشعلة التي انطلقت منها فكرة الوقوف أمام أدوات تشكيل شخصية الفرد العماني.
