أنساغ: لا أدركُ منكِ إلا ما سيأتي

04 فبراير 2024
04 فبراير 2024

(1)

يذهب الليل إلى المجرفة، تعود الشَّاحنات بالعذابات، يرجع الشَّاعر بالنجوم (النُّجوم معضلة السُّجناء والشُّعراء، فقط).

(2)

منذ غروب الشَّمس وأنا أحدس أن هذه الليلة ستكون بلا فرشاة، ولا كأس، ولا مواء، ولا موت.

ولذلك اتَّخذتني القِطَّة، وأخذتني.

(3)

في كل خطوة أذهب إلى البحر، ولا أذهب إلى البحر في كل يوم.

(4)

تصير الطَّلقة تعويذة، ويغدو الكلام ديدانا، وكتب التاريخ جاهزة لإطلاق الإشاعات.

(5)

في نهاية كل كتاب (الكتاب الذي أقرأه الآن، تحديدا) سأعود لما كنت أعرفه جيَّدا قبل واجب معزفة أبجديَّة هذا الكتاب.

(6)

تفقس الطُّيور في الليل، وتموت الطُّيور في كل الأوقات، وليس لديَّ أيُّ يقين في ما يخص الزَّمن والبَشَر (قد أستثني «طيور» هيتشكوك، أحيانا).

(7)

القائد ينتصر، والنَّشيد الوطني يُردِّد الأرامل، والثَّكالى، والمعوقين، والألحان الحماسيَّة، والأيتام، والجرحى، إلخ.

استطرادا: يحتاج الوطن إلى حرب أخرى.

(8)

أيها الأحمق: لماذا عدتَ إلى الزُّلال والزَّبد؟

(«ذَهَب الذين أحبُّهم/ وبقيتُ مثل السَّيف فردا»، عمرو بن معد يكرب).

(9)

حظُّه في الحياة وافرٌ وفير: أبٌ، وأمٌّ، وإخوة، وأخوات، ودرَّاجة هوائيَّة، وإذلالات منبر صلاة يوم الجمعة، وتَمْر، وقصائد، وطريقٌ مخيف بين مزارع النَّخيل، ومشروع انتحار يُؤجِّل قتل الجميع.

(10)

لا ينتابكنَّ اليقين، ولا يعصفنَّ بك الرَّغيف:

«وحيدٌ ليس لي أمٌّ ولا ولد

صلَّوا معي

لكنهم في ركعة النيران لا أحد» («أوراق الجاحظ الصَّغيرة»، قاسم حدَّاد).

(11)

لا توقظوه. لا تهدروه. لا تزرعوه. لا تحصدوه. لا تكنزوه. لا تطردوه. إنَّما القول قد اكتمل.

(12)

لا يضيرني الطُّوفان: فعلتُ العواصف، وتهجَّوتُ البرق، وسامرتُ ابن نوح عند أمل دنقل، وكتبتُ القمر.

أستطيع تمييز قصائدك أيها العاشق الثَّمل (أنا عند أمواج الصَّباح في كل ليل).

(13)

يتنزَّهون في هدايا المَلِك، وتشفق عليهم عطايا الغُبار.

(14)

لم تعد النُّصوص توجع أحدا، ولم يعد البخور يضني النِّصال.

(15)

سنلتقي مرَّة أخرى (ذلك الجبل يتسلَّق الليل والسُّرَّة).

(16)

يصير المرء أسيرا لذكريات لم يعد في وسعها أن تكون حُرَّة في الماء القديم.

(17)

ليسوا من أصحاب سوء النيَّة، وليسوا ممن يضرعون في الحليب (لقد وضعوا السُّم في الحديث، ثم انصرفوا إلى الوثائق).

(18)

يا بوذا المسكين الصَّغير الذي لا يعرفني: لا تحتضن أمَّك ولا تعانق أباك. لا تعد إلى المجرى التُّرابي الصَّغير الذي نحتته الأرض بين الماء والماء. لا تشاهد الأفلام إلا كمن يتهرَّب من تراث العائلة. لا تصافح أختك ولا تصفح عن أخيك، ولا تقرأ ولا تكتب الأناجيل في قراءات «البرزنجي» حين يقدِّمون لك ضرع آخر الشِّياه. لا تبتسم لهم وهم يصلبونك، ولا تُصَعِّر خدَّك حين يدفنونك. أعطِهم المسامير من غير ابتسام، ولا ضغينة، ولا عطف، ولا شفقة عليك أو عليهم. لكن احتفظ بالمطرقة، ولا عليك من التَّشفي، والشَّماتة، وبؤس الحال وسوء المآل. لا تنظر إلى عيونهم إلا حين يستديرون فتراها وقد حدجت محدِّقةً خلف آذانهم، ثم انحدرت. لا تبصق في وجوههم، وذاكرتهم، والأطباق التي تشاركتم في مَرَقِها الفقير، ولا تُعرِّض بأسمائهم وأعراضهم. لا تتمنَّ لهم الخير، ولا الشَّر، ولا الانتظار لحيازة محبَّة القبور.

(19)

كلما ابتعدتَ عن الشاطئ، وأوغلتَ في البحر، انكسرت حدَّة الأمواج (تذكَّر: درسُ السِّباحة هذا لا يحدث في البحر فحسب، بل في اليابسة أيضا).

(20)

كارثة: هَرْوَلَ الذين كانوا هنا، ولم يجدوا شيئا هناك، ولم يعودوا يستطيعون العودة إلى هنا.

(21)

الحبُّ من احتياطات الموت.

(22)

الأذى واجب (مثل الحق بالضَّبط، وكما الحيرة في غنائم النَّدم).

(23)

ردَّة الفعل ليست مقياسا للفعل (بل للنَّوايا الخبيئة في الحالتين).

(24)

لا يزالون يحبونك، ولا تزال تحتقرهم (السِّتارة زرقاء، والشَّمس قويَّة، والأب يزرع الليمون، والأم تسقي الألم).

(25)

إلى أين سيذهب بي هذا الليل؟ ببساطة واختصار:

«أيها الماضي

ما الذي فعلت بحياتي»؟ (سركون بولص).

(26)

لا يستطيع أن يحيا، ولا يتمكن من الموت (فلماذا تتوقعون منه أن يُفلح في هذا)؟

(27)

يقولون إني ولدهم جميعا (صرت أدرك ذلك جيدا في التَّقاليد الجديدة لنُصُب العار ونَصْب المقصلة).

(28)

للأسف، لم نعد نستطيع في الأوسمة، والهالات، والنَّياشين تمييز الأماجد.

(29)

لم يعد يماطل الحياة (ولم تعد تُسَوِّفه الكُتب).

(30)

لا أحد سينقذك (البحر في المَحَّارة، والمَحَّارة ليست هنا).

(31)

بعد هذا اليوم سيكون هناك يوم آخر (إيِّاك أن تصدِّق ذلك).

(32)

أصبح من اللازم الافتخار والاعتزاز بالقَتَلَة في طابع البريد القادم.

(33)

الظُّنون والأوهام مثل التُّفَّاحة (هنا، على الأرض)، أو كما المخدَّة (هناك، في الفردوس).

(34)

أخشاكِ في الملاذ.

(35)

النَّهار عارٌ، والليل خجلٌ، واللغة لَدِنَة مثل رغيف على نزيف الشَّهيد.

(36)

ينتابني الغضب أمام الأموات (وحين تسأم القبور من الغضب، لا أنصرف).

(37)

كيف يستطيعون أن يدفنوا العطايا، والمَزارع، وهذيانات الذِّكريات المُنْحَطَّة، والهِبات لمجرد أن الوالي مات؟

(38)

أنساكِ (حين لا يكون ذلك ممكنا)، وأتذكَّرك في فقر الموهبة، والشَّمس، وصدى خطوات رَجُلٍ عاشَ ومات قبل ألف عام.

(39)

يسابقه الصَّدى، تنتظره الفضيحة.

(40)

الآخرون ليسوا أنت (في هذا الهزيع من العمر عليك أن تتخلص بأقصى وأقسى وحشيَّة ممكنة من كل ما هو ليس أنت).

(40)

في «الطَّامورة»، يشتدُّ بهم النِّقاش الحاد عن «الحداثة» و«ما بعد الحداثة».

(41)

هذا موعدٌ رمليٌّ في الحلقوم.

(42)

في الخراب الذي حاق بي، لا أدركُ منكِ إلا ما سيأتي.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني