أن تقول لنا «وليس لأي أحد آخر»: «مَعَلِش»

18 فبراير 2024
18 فبراير 2024

(1)

العالم معطوب (هذه ليست مشكلة). أنت معطوب (هذه لا تزال ليست المشكلة). اللغة لا تريد ولا تستطيع أن تفهم ذلك (هذه بالضَّبط هي المشكلة).

(2)

يقضون في حليب الطَّير، وأغادر في قمصان الرِّيح.

(3)

الفقدُ شِعر (يمكن استدعاؤه في التَّلف، وحركة الأمواج، واهتراء الأعصاب، وغيبوبة الخمرة القويَّة في كأس بلا ثلج أو ماء ولا دروب، أو إغماءة الشمس الخجول، وفي النَّثر المفتون والمارق).

(4)

لا أستطيع الوَسَن. لا أتمكن من الكلام. لا يفقهني الصَّمت. تتحاشاني التَّأتاة (كم هو الهواء ثقيل، يا عدالة القاضي، في هذه المحاكمة).

(5)

في الدأب على النبوءة تنقطع الرِّضاعة، ويصير للأمِّ مصيرٌ آخر.

(6)

الموت محاولة أخرى في خضم الاجتهادات فقط (لكن بعد سديم كبير، وليالٍ مأثومة في الصِّراط، وضباب اهترأ حذاؤه في سفرٍ طويل إلى غيمة). والموت لن يحيق إلا بالأحياء فحسب، حتى وإن كانوا كثيرين، فحسب وفي أيَّة حال.

(7)

عند الفجر، الصُّداع ضريبة الخمر الهنديَّة الرَّديئة، وبقايا الأزمنة، وبشارات النَّدم، وصقيع الدِّيكة في مجز الصُّغرى، والبحر خيرٌ من النوم.

(8)

أكتُم المعلوم (لأنني، تقريبا، لن أموت بتلك الطَّريقة).

(9)

كلُّ قدسيَّة اختراعٌ باهر كالخطيئة، والكهرباء المتقطِّعة، والأسماك، وزجاج النَّوافذ الحزينة، والاقتتال في المطبخ، والحرب العالميَّة الثالثة.

(10)

السَّماء بعيدة، أبعد من الزُّرقة (والكارثة هي أنك تعي ذلك بأكثر مما يجب).

(11)

المقت، والكراهية، والازدراء، والبغض، والاحتقار، والضَّغينة.. كل ذلك وغيره من الأسباب الأخرى لبعض العطالة والعدالة.

(12)

ماذا لو حدث هذا مرَّة أخرى: أمُّي تُرضِعني وتقتل انعكاس وجهينا في بئر البيت؟

(13)

يفعل بالخيوط بين أصابعه. تفعل به الخيوط بين أنامله. يُسَلِّي الخيوط في الأرق. لا ينسج. لا ينسى.

(14)

يا هند بنت عتبة بن ربيعة القُرشيَّة: لن أعطيهم المزيد من روحي، ولا وقتي، ولا كَبِدي، ولا معركةً قريبة من الجبل أو الصَّحائف.

(15)

على الفضيحة أن تتعتَّق مثل أعناب الجبل الأخضر (النَّبيذ الأحمر يحتسيه الآخرون، دوما).

(16)

هذا المكان لم يعد صالحا لإقامة الموت.

(17)

لا يريد الموت. لا يكفيه الضَّغث.

(18)

يبتَزُّك كمن يكافئك.

(19)

الأمل يعبِّر عن نفسه (وليس عن صاحبه).

(20)

كفى: كم مرَّة ستغتالون ذلك الشهيد؟

(21)

هذه جنازة الأمس التي تسير في كل يوم.

(22)

نتكاتف (فهذا من متطلبات المؤازرة والمؤامرة).

(23)

أنتِ لستِ أنتِ! أنتَ في استطاعة ما تبقى من هذه الليلة!

(24)

أبتسمُ أمام الإخفاق (في الحقيقة، أبتسم له).

(25)

صار يصيبنا ما هو مكتوبٌ على الآخرين.

(26)

الذِّكريات ليست بُردة، ولا استعادة، ولا استعارة، ولا وسادة، ولا مجازا، ولا نعالا، ولا غيمة (فلتبقَ الذكريات هكذا).

(27)

القشُّ يصطفي.

(28)

سيمضي الليل، وسوف يستيقظ الدُّب.

(29)

الكتابة أقصى درجات العجز، والتَّظاهر حقٌّ متاح للجميع (ما يعتبره الآخرون تظاهرا مني هو حقيقتي الدَّاخلية، وما يعتقدون أنه حقيقتي الدَّاخلية ليس إلا تظاهراً منِّي. يوكيو ميشِما، «اعترافات قناع». جرى الاقتباس من الذَّاكرة بالمعنى وليس بالحرف نظراً لعدم وجود الكتاب لديَّ في هذه الليلة).

(30)

الموت ليس حقَّا، ولا واجبا. الموت اكتساب.

(31)

يشتكي العشب أحيانا، ويبكي، وتمضي الأقدام (أو تتعثَّر) دوما دما. أما جنكيز خان فله رأي آخر: «أنا غضب الله على الأرض، وحيث يمرُّ حصاني لا ينبت العشب».

(32)

الإسفلت، والإسمنت، والبشر، والحجر، والأسلاف من الضحايا، وكل ذلك كان عنه مسؤولا.

(33)

الموت مبكِّر دوما، وعلى حق دوما.

(34)

رئتي صغيرة (يا أيُّها الهواء الصَّغير).

(35)

أين كنتِ في المعبد؟

(36)

لم يخرج الأرنب من الجحر بعد انقراض الجَزَر.

(37)

لا أحد منهم في المواجهة، وجميعهم في العقابيل.

(38)

هذا الوقت كئيب، ولن أستطيع أن أحبَّكِ في الرَّبيع.

(39)

المواقيت شَرْعَنة.

(40)

يذهب الأموات إلى السِّينما، ويعود الأبطال بالقتلى.

(41)

لم نتعب من الأسياد بل تعبنا من العبيد («ليست العبرة بالعدد/ عبدٌ واحدٌ يكفي»، قاسم حدَّاد).

(42)

لا تُعَوِّد قلبك على الفواصل (سيفعل الخافق ذلك حين يريد).

(43)

كم أنا خاسر. كم أنا عاجز عن الليمون، والأفلام، والتَّهاني.

(44)

التقينا ثلاث أو خمس أو عشر مرَّات (وبسبب ذلك لم يحدث الرَّحيل إلا مرَّة واحدة).

(45)

أشرقت الشمس اليوم أيضاً يا أيتها المراكب، و يا أيها الذين غرقوا.

(46)

جميعهم يندمون على الصَّليب (وكُلُّهم رفعوه إلى السَّماء).

(47)

أحدِّق في ميلادي (الميلاد يقتلني، ويؤذيهم).

(48)

يستطيع المرء أن يميِّزهم بسهولة (لفرط عدد جمهور المسرحيَّات).

(49)

يصير الأمر مثل من يَتَمْنْطَقُ بالهواء.

(50)

يخافون من قبر أمُّه (ويرجمونه هناك بالضَّبط، ولن يدفنوه هناك بالضَّبط).

(51)

أيها البحر: ليست السَّماء وراءك، بل الصَّرخات.

(52)

لا أريد أن أكون شجاعا. لا أريد استراحة المحارِب. أريد أن أموت كما يموت كل مُتعَب.

(53)

الكتابة تعظيم للنِّسيان.

(54)

لا يمكن أن يكون هناك ما هو أكثر متعة، وحزنا، وحسيَّة، وغبطة من التَّدخين في أفلام الفنلندي أكي كورسماكي (وإذا تجلى التَّدخين بما هو أروع من ذلك -- لا سمح الله -- فإني سأقلع عن هذه العادة السيئة فورا).

(55)

الغضب أهم من الحب والخبز؛ فهو التَّعبير الأسمى عن الحريَّة. كُن غاضبا ولو جائعا. بمعنى آخر: كُن فلسطينيَّا من أهل غزَّة، أعلى من المناديل وفوق الطَّحين، دوما. ولا يفوتنَّك، في خضم ذلك، أن تقول لنا (وليس لأي أحد آخر): «مَعَلِش».

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني