ماذا حدث حين تخلى طلابي في ييل عن هواتفهم أربعة أسابيع

20 ديسمبر 2025
20 ديسمبر 2025

منذ عام 2014، أقود مساقا للكتابة ضمن برنامج دراسي خارج الولايات المتحدة لجامعة ييل في أوفيلار، وهي قرية في جنوب غرب فرنسا. وعلى مدى سنوات كثيرة، جرّبت أن أُلزم هؤلاء الطلبة بأن ينقطعوا تماما عن الإنترنت طوال شهرنا هناك. لا رسائل نصية، لا بحث في جوجل، ولا نشر صور «كونفيه البط» على إنستغرام. كان معظم طلابي في الصيف الماضي من مواليد نحو 2004. حملوا الهواتف في أيديهم منذ الصف الثاني تقريبا؛ وبحلول المرحلة الإعدادية كانت إنستغرام وسناب شات تُهيمنان على حياتهم الاجتماعية، ثم جاءت تيك توك و«تشات جي بي تي» لتطبع سنوات الجامعة. قد يبدو لك أن فرض حظر على التكنولوجيا يزداد صعوبة عاما بعد عام. لكن الواقع أنه صار أسهل.

في 2017، وهو العام الأول الذي طبّقت فيه «إجازة من الإنترنت»، ارتبك طلابي من فكرة أربعة أسابيع بلا ويب. وحتى بعد أن جمعت شرائح الاتصال منهم، ظل كثيرون يريدون الاحتفاظ بهواتفهم، بحجة أنها ضرورية للصور أو الموسيقى أو لمعرفة الوقت. أما في 2025، فقد تلاشت أي مقاومة تقريبا. كان طلابي يتوقون إلى انقطاع كامل. في الصيف الماضي، سلمني السبعة جميعا هواتفهم ـ من دون تردد أو قلق ظاهر.

ما شاهدته خلال الأسابيع الأربعة التالية أقنعني أننا مدينون لطلبة الجامعات اليوم بأن نخلق مساحات وبرامج وسكنات طلابية ـ وربما حتى حُرمًا جامعية كاملة ـ خالية من الإنترنت، لمن يريدون التعلم بأقل قدر ممكن من الملهيات.

يدور حديث لا ينقطع هذه الأيام عن ضرورة إعادة تخيّل التعليم العالي في ضوء الذكاء الاصطناعي، لكننا نخطئ إذا ظننا أن الذكاء الاصطناعي وحده مسؤول عن نظام معطوب. لدي انطباع من طلابي أن الذكاء الاصطناعي يشبه طبقة كريهة من السكر فوق كعكة كانت مُرّة أصلا. على البالغين أن يتقدموا خطوة إلى الأمام وأن يضعوا حدودا واضحة، كي لا تُترك مهمة ضبط النفس كلّها على عاتق هؤلاء الشباب. وصف لي طالبي ديفِن طريقة كتابته المعتادة: «كل عشرة كلمات، أكون على هاتفي». وكانت طالبة أخرى، غابي، التي امتلكت هاتفا ذكيا منذ المرحلة الابتدائية، أشدّ التصاقا به: «كنت دائما أحاول إنهاء العمل بأسرع ما يمكن كي أعود إلى هاتفي». لجيلهم كلمة لهذا الاستخدام القهري للهاتف: التعفّن. كان طلابي يعرفون أنهم «يتعفّنون»، لكن المعرفة وحدها لم تساعدهم على التوقف.

حتى ويل، الذي يصف نفسه بأنه «لودايتي» في صفي، لم يعثر على طريقة لعيش الجامعة من دون أن تنهال عليه المشتتات. أحيانا كان يذهب إلى مقهى ويتعمّد ألا يطلب كلمة مرور الواي فاي. ومع ذلك، فإن مجرد معرفته بأن أحدا قد يرسل رسالة إلى هاتفه ويقطع عليه اندفاعه، كان يمنعه من الغوص كاملا في قصة أو فكرة.

حين كنتُ في الجامعة قبل أكثر من عشرين عاما، كان بإمكاني أن أدخل المكتبة وأختفي داخل كتابة مقال لساعات. أتذكر تلك الأيام ـ أيام الكفاح الحقيقي والرضا الذي يُنتزع انتزاعًا ـ فأشعر بغضب على هؤلاء الأطفال. نحن لم نفشل فقط في حمايتهم من تقنيات معروفة بإدمانيتها؛ بل رقمنّا كل زاوية من الحياة الأكاديمية. تُسلَّم الأبحاث عبر منصات إلكترونية، وتُعلن فعاليات الحرم الجامعي على إنستغرام. صار من شبه المستحيل اجتياز الجامعة بلا اتصال دائم، دقيقة بدقيقة.

في فرنسا فعلنا العكس تماما. نعم، كتب طلابي على الحواسيب، لكن من دون واي فاي. وإذا اشتدّت حاجة أحدهم إلى بحث لنسخة أولى من مقال، كان يحجز موعدا لاستخدام حاسوب مساعد البرنامج ـ سريعا وبالحد الأدنى: يدخل ويخرج. وحين ينهون واجبات الكتابة اليومية، يطبعونها، وعند السادسة مساء بالضبط كنت أصل لأجمع الرزمة. وفي رحلات نهاية الأسبوع، كنت أوزّع خرائط ورقية وأطلقهم في بوردو. خرجوا إلى الشوارع مثل متسكّعي المدن القدماء.

في نهاية يوم كهذا في فرنسا، لم يكن طلابي يحنّون لساعتين على إنستغرام. لو أنني سلّمتهم الأجهزة كل ليلة عند السادسة، لشاهدت الكثير من «التعفّن». لكن ما حدث بدلا من ذلك كان: تنس طاولة، حياكة، تمثيل صامت، تسلّق أكوام القش، كتابة رسائل، مراقبة النجوم، والجلوس في عشاء يمتد ساعتين من دون أن يكون على الطاولة جهاز واحد. بين دفعات الكتابة، كان طلابي يستريحون فعلا. ومثل الأطفال الذين ما يزالون هم عليه، كانوا يلعبون.

بعد أربعة أسابيع من هذه الإيقاعات الجديدة، أخذ طلابي يحدّثونني بحماس عن النتائج: ويل صار ينام بعمق أكثر من أي وقت مضى، وغابي عادت تقرأ بسرعة من جديد، وديفِن فاجأ نفسه لا بإنتاجه فقط (15 مقالا في أربعة أسابيع) بل أيضا بقدرته على أن يجلس في غرفة ـ وحيدًا ـ ويكتب لوقت طويل (ست ساعات كاملة).

طوال السنوات التي درّستُ فيها هذا المساق، لم أرَ فرقا أكبر بين كتابة الأسبوع الأول وكتابة الأسبوع الرابع. مرة بعد مرة، وبدهشة مسموعة في أصواتهم، كان الطلاب السبعة جميعا يرددون ما يفرح الآباء والمعلّمين سماعه: لديّ ما يكفي.. الأمر في داخلي.

وقبل أن يعود الجميع بالطائرة إلى بيوتهم هذا الصيف، سحبتُ طلابي جانبا، واحدا تلو الآخر، لنفكر معا في كيفية أن تنجح «إجازة من الإنترنت» داخل الحرم الجامعي. هل نجرؤ على الحلم؟ إذا كان الانفصال قد ترك فيهم أثرا بهذه القوة ـ من نوم أعمق إلى قراءة أسرع، ومن خيال أكثر انفلاتا إلى ثقة أكبر ـ أفلا ينبغي لنا أن نحلم؟

لم يكن أحد أكثر استعدادا للحلم من ديفِن. لقد وجد أن صياغة مقالاته دون اتصال لاسلكي بالإنترنت شديدة الفاعلية، فخطا خطوة أغرب: خفّض سطوع شاشة حاسوبه المحمول حتى صارت سوداء تماما، ثم أخذ يكتب من دون أن يرى الكلمات على الشاشة؛ كأن مجرد الوهج قد يفسد تدفّقه الجديد. قال لي إن أفضل كتاباته خرجت من تمارين الكتابة داخل الصف، حين أجبرتُ طلابي على الكتابة باليد أثناء الندوات. كلما ابتعد هذا الشاب عن التكنولوجيا، بدا أنه يمسك بقواه الإبداعية أكثر.. ويُظهرها.

قد يكون العيش خارج الشبكة حجر الأساس لبرنامج جامعي كامل. لماذا لا نبتكر مسارا لمن يتوقون إلى الانفصال، لمن لا ينقصهم سوى بنية واضحة ومجتمع يساندهم على ذلك؟

ليس هذا حلما طوباويا كما قد يبدو. نايال فيرغسون، المؤرخ وعضو مجلس أمناء «جامعة أوستن»، يجادل بأننا بحاجة إلى إعادة تخيّل التعليم العالي بحيث يقضي الطلاب سبع ساعات يوميا في ما يسميه «الدير»: مساحة تناظرية بلا إنترنت. في «الدير» يقرأ الطلاب كتبا ورقية، يناقشونها، يكتبون مقالات، يحلّون مسائل، ويؤدون الامتحانات شفهيا أو على الورق. ويقابل وقت «الدير» وقت آخر في ما يسميه «سفينة النجوم» ـ حين يعود الطلاب إلى الشبكة «لاستخدام الذكاء الاصطناعي». إذا كان طلابي يبرهنون أن «الدير» ينجح، فهم يبرهنون أيضا أن رؤيته ليست طموحة بما يكفي.

طلاب اليوم يحتاجون إلى «دير» لا ينهار مع نهاية اليوم. أتخيل طلابا في مسار دراسي بلا إنترنت يوقّعون عقدا يلتزمون فيه بالامتناع عن الهواتف الذكية فترة ما. وأتخيل تزويدهم بهواتف بسيطة قابلة للطيّ (على أن تكون مميّزة الشكل لبناء هوية وألفة وروح جماعة)، إلى جانب حواسيب محمولة مُفرَّغة من كل شيء إلا إمكانات معالجة النصوص (أو ـ على الأقل ـ محجوبة عن مواقع التواصل الاجتماعي). وأخيرا أتخيل مختبر حاسوب على الطريقة القديمة، يُسمح فيه بعدد محدود من ساعات الوصول إلى الإنترنت أسبوعيا ـ دخولا وخروجا، بلا إقامة.

كثير من الكليات اليوم يملك مساحات مخصصة لفئات الهوية (في «ماونت هوليوك»، مجتمع «موزاييك» السكني- التعليمي للطلبة الذين يعرّفون أنفسهم بوصفهم من ذوي البشرة الملوّنة)، بل وحتى لتفضيلات نمط الحياة (في «براون»، سكن خال من المواد المخدِّرة).

حان الوقت لاحتضان الطلبة الذين لديهم إرادة الانفصال، كي ينجزوا ـ ضمن جماعة ـ ما يكاد يكون مستحيلا على الفرد وحده.

هناك نسخ كثيرة مما فعلناه في فرنسا يمكن أن تُحرّر الطلبة من المشتتات وتصلهم بقواهم الفكرية الخام. وليس بالضرورة أن تكون المسألة «إما الدير أو لا شيء». كلما ابتكرنا تنويعات أكثر (رحلات نهاية أسبوع بلا هواتف، وحدات تمتد شهرين تتطلب انقطاعا، أسابيع دراسة بشاشات مُطفأة)، ازدادت قدرتنا على احتواء طلبة من كل الأنواع وفي كل الظروف، سواء كانوا من تخصصات الآداب والعلوم الإنسانية أو من تخصصات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، أو كانوا يعملون بالتوازي ويتولّون رعاية أفراد من الأسرة.

الأهم هو ألّا نستخفّ بشهية اليوم للغوص الكامل في عالم خارج الشبكة. في هذه الأيام يبدو لطلابي أن الانفصال عن الاتصال صار غرائبيا مثل فرنسا نفسها ـ مكانًا «أجنبيًا» يتوقون إلى معرفته واستكشافه والعودة إلى أنفسهم عبره، كما نفعل كثيرا في السفر.

لكن ما جعلته تجربتي مع طلابي واضحا هو مدى حيوية «الإجماع الجماعي» لإنجاح إجازتنا من الإنترنت ـ حقيقة أن السبعة جميعا كانوا ملتزمين بالكامل. كان ويل يمزح بأن الطالب الذي يحاول الانقطاع وحده سيحتاج إلى «درع بقلب من حديد» كي يحتمي من خوف فوات الشيء.

حين يدرك الآباء أيَّ مُخرِّب للمعرفة يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي، يصبحون أكثر استعدادا لدعم إصلاح طموح وشامل. أعرف آباء كهؤلاء؛ فأنا أرسل إليهم رسائل بريد إلكتروني كل يوم أحد أثناء مساقي. ودائما ما يرد بعضهم على تطميناتي بأن أبناءهم أحياء وبخير ويزدهرون: يا لها من تجربة، يقولون. ما أسعد هؤلاء الأطفال بانفصالهم عن الشبكة. الجميع ـ لا الشباب وحدهم، بل الآباء أيضا الذين كافحوا لتربية أطفال في عالم تحكمه الهواتف ـ باتوا مستعدين لتغييرٍ جذري.

لم أعد واثقة أن مضمون مساقي هو الموضع الذي يكمن فيه أكبر أثري كمدرّسة. مع هذا الجيل على الأقل، يبدو أن ما نُقصيه نحن المعلّمين لا يقل أهمية عمّا نُدخله. حين نصنع «حاويات» للتعلّم، نمنح أفراد هذا الجيل المُنهَك بالتكنولوجيا فرصة عادلة ليبقوا مع أفكارهم الخاصة، إلى أن يصنعوا منها شيئا ويذوقوا تلك الجرعة القديمة من الدوبامين التي تأتي حين يركّب المرء معنى من شتات. لا أعرف ماذا ندين به لطلابنا إن لم يكن هذا.

كولين كيندر كاتبة ومدرّسة في البرنامج الصيفي لجامعة ييل.

خدمة نيويورك تايمز

تمت الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي