مذاق الجنة وتاريخ اللذة!
21 أكتوبر 2025
21 أكتوبر 2025
كتاب مذاق الجنة للمؤرخ والمفكر الألماني ولفغانغ شيفلبوش الذي صدر في العام 1980م. الكتاب لا يشير إلى الجنة في معناها الديني، ولكنه دراسة ثقافية تاريخية تستعرض كيف شكّلت المواد المنبّهة والمسكّرة مثل القهوة، والشاي، والتبغ، والشوكولاته، والخمور، والتوابل مسار الحضارة الغربية الحديثة منذ القرن السادس عشر. يتناول الكتاب هذه المواد بصفتها رموزًا اجتماعية وثقافية ساهمت بشكل مباشر وتدريجي في تشكيل السلوك الجمعي، وأثّرت بالتالي في الاقتصاد والسياسة وحتى الاستعمار الأوروبي. حيث حلل الكاتب بذكاء العلاقة بين اللذة والضبط الاجتماعي في بدايات الرأسمالية. ومن هنا نعود بالزمن إلى القرن الميلادي التاسع عشر في مرتفعات كافا بإثيوبيا، حيث يقال: إن راعيا اسمه كالدي لاحظ أن مِعازه قد أصبحت أكثر نشاطا بعد أن التهمت عشوائيا ثمار شجرة حمراء اللون في الحظيرة. وفضولا منه اندفع إلى تجربة مذاق الشجرة، فشعر بنشاط ذهني وبدني لم يعهده من قبل. فضلا عن أنه قام الليل كله ساهرا، ولم يغمض له جفن. في الصباح حمل الراعي (كالدي) الحبوب إلى أحد الرهبان في الدير، لكن الراهب استعاذ منها برميها في النار معتقدا أنها من عمل الشيطان، ففاحت منها رائحة زكية جذبت الرهبان الذين جمعوا الحبوب المحترقة وغلوها في الماء، فكان أول فنجان قهوة في التاريخ! ثم أصبح الحبشيون يمضغون حبوب القهوة كغذاء منشّط أثناء الترحال أو الرعي.
انتقلت حبوب القهوة الحبشية إلى اليمن في القرن الخامس عشر، والتي استقرت فيها زراعة القهوة وانتشرت تجارتها. وفي منتصف القرن السادس عشر ظهر أول مقهى في إسطنبول لتاجرين سوريين سُمي «بقهوة خانة»، وأصبح مكانا يرتاده ويستقر فيه الشعراء والفقهاء والتجار والمثقفون. حتى أثار ذلك المقهى حفيظة السلاطين العثمانيين ورجال الدين الذين لم يفهموا سببا وجيها يجعل الناس يدمنون الشراب الأسود الساخن، ويتحلقون حول فناجينهم في جلسات حديث ممتد. فحاولوا تحريم مشروب القهوة بوصفها بدعة، وتتسبب في فرط النشاط الذهني، وضياع وقت الفرد بلا طائل.
ثم في القرن السابع عشر وصلت القهوة إلى أوروبا عبر البندقية، ثم إلى إنجلترا وفرنسا وهولندا. وأصبحت تحمل اسم كوفي Coffee؛ نسبة إلى منشأها الأصلي (جبال كافاKaffa). ثم من ميناء المخا اليمني صدّرت قهوة الموكا (Mocha) إلى العالم الأوروبي، فخلّصت شعبه (صغيرا وكبيرا) من الإفراط في شرب النبيذ الذي كان يُستبدل بالماء؛ بسبب التلوث الكبير لمياه الشرب آنذاك خوفا مما سببته من أمراض. ومع توسع الاستعمار الأوروبي انتشرت القهوة بشكل عالمي موسع. فزرعتها فرنسا في جزر الكاريبي. والهولنديون زرعوها في جاوة الإندونيسية. أما البريطانيون فقد أدخلوها إلى الهند وشرق إفريقيا.
ومن هنا كان الفضل لعرب اليمن في تصدير القهوة إلى العالم. وتعريف العالم بكيفية طحن حبوبها وصنع شراب دافئ منها. كما أطلقوا عليها اسم «قهوة»، وهو اسم مأخوذ من العربية القديمة ويعني في الأصل «ما يُذهب الشهية»؛ حيث كلمة قهوة تشتق من الفعل (قَهِيَ) ما يعني فترت شهوته عن الطعام. ويقال قديمًا يُقْهِى الإنسان عن الطعام ما يعني يُفقده شهوته؛ لذا بعد أن ظهر شراب البن سمي قهوة؛ لأنه يُذهب الجوع ويُنشّط المزاج، فهنيئا مريئا، وسُقيا لقهوتكم!
