هل نشهد هيكلة تنظيمية أعلى للزكاة؟
للزكاة أبعاد إنسانية تتجاوز الجانب الديني بكونها فريضة على الأغنياء يتم دفعها للفقراء حسب النصوص الشرعية حيث إنها تمثل أعلى مراتب التآخي بين أفراد المجتمع لتقليل الفجوة المالية بينهم.
كما أن نصاب الزكاة الذي يؤخذ من الأفراد الذين تنطبق عليهم شروط الزكاة ليس إنفاذا للقانون - كما هو الحال - في مفاهيم الضرائب وإنما هي فريضة شرعية لتطهير النفس الإنسانية من التعلق بالمال واكتنازه والحث على استثماره لكي ينمو وتزيد حصيلة أموال الزكاة. أيضا فإنه خلال العقود الماضية ظلت الزكاة في مسار قد يكون ساكنا بالنظر إلى حداثة تشكيل اللجان المختصة بالزكاة.
كما أنه بالرجوع إلى الاختصاصات الحالية لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية يلاحظ بأنه لم يتم تحديثها بالتوازي مع إعادة الهيكلة التي شملت جميع الوحدات الحكومية. هذا المقال لا يهدف للحديث عن أهمية ومكانة الزكاة في الإسلام فهذه الجوانب أهل الاختصاص والخبرة أولى بها وإنما الهدف هو محاولة تقريب الصورة بشكل أوضح حول أهمية إعادة هيكلة شؤون الزكاة.
كما تعتمد آلية تحصيل أموال الزكاة بين النظام الإلكتروني للزكاة التابع للوزارة وبين حسابات لجان الزكاة المشكلة في جميع الولايات والنيابات. تلك اللجان أغلب أعمالها هي جهود ومبادرات أهلية تقوم بأدوار مجتمعية تستحق الثناء والتقدير. طبعا تحصيل الزكاة يتم طواعية وليس - كما هو الحال - بالنسبة لنظام الضرائب التي لها آليات تشريعية وتنظيمية وإلزامية تتم إدارتها من قبل الدولة.
وبالتالي، الزكاة وسيلة للتضامن الاجتماعي من خلال توزيع نسبة معينة من ثروة الأغنياء على مصارف الزكاة حسب ما تقرره الشريعة الإسلامية من شروط وأحكام. رغم قلة الأرقام لنسبة مساهمة الزكاة في الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن البيانات تشير إلى إمكانية مساهمتها بنسبة تتراوح بين (0.3% إلى 2%) في الدول الإسلامية طبعا تختلف النسبة طبقا لعدد السكان ومستوى دخل الأفراد ومدى إلزامية تطبيق الزكاة على الشركات.
وإن كانت الزكاة هي من أركان الإسلام فليس هناك قوانين إلزامية بدفعها شأنها شأن الضرائب. ولكن في بعض الدول الإسلامية يتم فرضها إلزاميا على الشركات حسب الضوابط المعتمدة، كما هو الحال، في المملكة العربية السعودية.
في الجانب الآخر فإن إندونيسيا تطبق الوكالة الوطنية للزكاة التسويق الرقمي لتحسين توزيع الزكاة على المستحقين مع تفعيل مؤشر وطني لقياس الأداء. أيضا في سنغافورة توفر الدولة تقارير مالية شفافة عن كل ما يخص الزكاة وفي ماليزيا يتم منح خصم ضريبي أو إعفاء ضريبي لدافعي الزكاة.
كما أن مؤشرا للشركات الوطنية التي تتوافق أعمالها وسلوكها مع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية التي بلغ عددها (27) شركة حتى نهاية العام الماضي التي تقرها بورصة مسقط وتراجعها كل ثلاث أشهر. إلا إنه من غير الواضح وجود آلية معتمدة تستطيع من خلالها تلك الشركات دفع الزكاة ومن ثم خصمها ضمن الإعفاءات الضريبية عند إعداد القوائم المالية، أو أن يتم إعفاؤها من كل أو جزء من ضريبة الدخل كما هو معمول به في بعض الدول.
وبالتالي، ينبغي العمل على تأطير جوانب الزكاة فيما يخص الشركات والعمل نحو توعيتها بأهمية الزكاة ومنحها تخفيضات ضريبية الأمر الذي من شأنه أن يرفع من المبالغ المحصلة من الزكاة والتي تُسهم في الوفاء بالمتطلبات المعيشية للأسر المستحقة.
كما أن الاهتمام بجوانب الزكاة ينبغي أن يشمل تعزيز استخدام التطبيقات الإلكترونية لتسهيل متابعة وتحصيل أموال الزكاة لتحقيق أعلى جوانب الحوكمة والشفافية والكفاءة في إدارة تلك الأموال مع دراسة الأنظمة والممارسات الجيدة التي تم تطبيقها في الدول الإسلامية.
تلك المبالغ وحسب الشروط والضوابط التي تعتمدها لجان الزكاة بالولايات البالغ عددها (66) لجنة، فإنه يستفيد من أموال الزكاة سنويا ما يقارب من (30) ألف أسرة. مع العلم وحسب ما صرح به مسؤولو وزارة الأوقات والشؤون الدينية بأنه قبل تشكيل لجان الزكاة كانت المبالغ المحصلة في حدود مليون ريال عماني.
في المقابل فإن التقديرات تشير إلى أن الأموال المحصلة من مصادر الزكاة المختلفة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي قد تصل بين (10 إلى 15) مليار دولار سنويا.
أيضا الضريبة يتم فرضها تطبيقا للقوانين التي تختلف من دولة لأخرى، ويمكن أن تطبق حتى لو كان الدخل أقل من حد معين حسب النظام الضريبي المعمول به. بينما الزكاة هي ركن شرعي من أركان الإسلام، ويتم فرضها إذا توافرت شروط معينة منها النصاب أي أن يصل المال إلى الحد الأدنى المحدد شرعا بحيث يتبقى المال في ملكية الفرد لمدة سنة هجرية كاملة مع استثناء بعض أصناف الزكاة التي تؤخذ زكاتها وقت حصادها.
وبالتالي يمكن القول بأن الزكاة أكثر عدالة من الضريبة على الأفراد وخاصة الذين لا يكون لديهم استقرار مالي، على سبيل المثال، الراتب الشهري الذي يتم صرفه بسرعة قد لا يخضع للزكاة إذا لم يتبق منه حتى نهاية الحول. بسبب تلك الفروقات بين الضريبة والزكاة والعمل بآلية تكاملية بين النموذجين، فإن تجربة المملكة العربية السعودية بإيجاد كيان إداري تنظيمي بمستوى هيئة عامة واحدة تعنى بالزكاة والضريبة والجمارك قد تكون جديرة بالاهتمام.
كما أن إعادة الهيكلة ليس بسبب ضعف الجهود المقدرة التي تقوم بها الجهات الحكومية والأهلية وعلى رأسها لجان الزكاة، ولكن لأن للزكاة أصناف كثيرة متعددة منها النقدية والعينية كزكاة الزروع والثمار والأنعام، والتي في حال وجود كيان إداري ومالي له من الصلاحيات الممكنة، فإنه سوف يعمل على زيادة الوعي المجتمعي، مما يرفع من كفاءة تحصل أموال الزكاة.
وبالتالي، التطلعات عالية إلى قيام الجهات الفاعلة والمختصة بالحكومة نحو المضي قدما بتحويل توصيات مؤتمر ومعرض الزكاة الثالث الذي اختتم أعماله في الفترة الماضية، إلى إجراءات تنفيذية لإعادة هيكلة شؤون الزكاة للمستوى التنفيذي والمؤسسي الأعلى الذي يتناسب مع أهميتها على الصعيد الوطني، وبما يتوافق مع أفضل الممارسات المعمول بها في الدول الإسلامية التي أنشأت هيئات أو بيوتا للزكاة على مستوى قطاع مختص يُشرف على جميع الجوانب المتصلة بالزكاة.
