لا تسيئوا إلى الشِعر
29 سبتمبر 2025
29 سبتمبر 2025
كثيرا ما ردد الناس عبر الزمان أن «الشعر هو ديوان العرب»، وأنه هو الحافظ لأيامهم، وسيرِهم، وحياتهم، ومعاشهم، وهو السارد لقصصهم، والشاهد على أحوال زمانهم، وهو الطائر المحكي لأخبارهم، ولذلك كانت تقام له الأسواق في الجاهلية، ويعلقونه على صدر الكعبة، ويقدسونه، ويحتفلون بمولد الشاعر، كما يحتفلون بأهم مقتنياتهم، وكان الشاعر مقدّما في قومه، فهو لسانهم الذي يذود عن حياض القبيلة، ويدهم التي يطاولون بها عدوهم، وقوّتهم الناعمة التي يصلون بها، ويقطعون بها، وكان للشعر حتى زمان قريب، شأن عظيم، وكعب عالٍ، وشرف رفيع، ولذلك خرجت الأشعار التي تسرد حكايات الناس، وتعيد تشكيل حياتهم، ووجد فيه الشعراء متنفسا لهم، وفضاء واسعا يعلنون فيه عن خلجات أنفسهم، ويفضفضون عن مشاعرهم، ويعبّرون عن أحاسيسهم، ومواقفهم سواء الاجتماعية، أو السياسية، أو العاطفية بطريقة إما أن تكون مباشرة، واضحة، وإما بطريقة غامضة، مستترة.
وكان تفاعل المجتمع مع الشعر عاليا، ومشجعا، ومحفزا، وكان الشعراء من المقرّبين لدى الخلفاء، والأمراء، والشيوخ، وظل هذا الأمر إلى وقت قريب، حيث بدأت الأضواء تنحسر شيئا فشيئا، وأساء بعض الشعراء لأنفسهم من خلال الاستجداء في مجالس العامة، وإراقة ماء وجوههم في المدح المبالغ فيه لكل من هب ودب، والتناول الفج، ولم يعد للشعر قضية يتوجه إليها، إلا ما ندر، ولم يعد البعض يبجّل الشاعر، ويقدّره، بل أصبح الشعر فقرة هامشية غير مهمة على جدول مناسبات اجتماعية، حيث يقدّم الشاعر فقرته -على استحياء- أثناء تناول القهوة، ورضي بعض الشعراء -للأسف- بهذا الوضع، ولعبوا دورا في تهميش الشعر، وتقزيم قائليه، فاعتقد بعض الجهلة من الناس أن الشعراء جميعهم على نفس الشاكلة، وأنهم دون استثناء مجرد واجهة احتفالية غير ذات قيمة.
إن للشعر -على مدى تاريخه- هيبة، وقيمة، وللشاعر مكانة عالية، عليه ألا يفرّط بها، من أجل حفنة نقود زائلة، وعليه أن يحترم ذاته، ويفهم أنه أتى من عالم شعري يمتد عبر الزمن، وأن في عنقه أمانة يحملها، وراية يرفعها، لا أن يهبط بنفسه، وبشعره إلى الدرك الأسفل من الأجناس الأدبية، وفي المقابل على المجتمع أن يعيد نظرته للشعر، وأن يفهم أن ما يقوله الشاعر هو جهد ذهني كبير، يخرجه من أعماق قلبه، كي يشعر غيره بالسعادة، والرضى، وهو لذلك يحتاج إلى التقدير، والاحترام من الآخرين، الذين يرقصون طربا على جرح الشاعر وألمه، دون أن يرقوا بأفكارهم إلى مستوى الكلمة، وعمق الفهم.
