لماذا تتأخر علاوة البعثات الداخلية؟

28 سبتمبر 2025
28 سبتمبر 2025

في سبتمبر ٢٠٢٣، كتبتُ عن الطلبة الذين قرّروا الانسحاب من مقاعدهم الجامعية، لا لأنّهم على عداء مع المعرفة، بل لأنّ جيوبهم أضعف من أن تتحمّل نزيف المواصلات والسكن والطعام، في وقت يلتهم فيه التضخم المال كما تلتهم النار الورق. 

وفي سبتمبر ٢٠٢٤، كتبتُ مقالًا آخر، عندما شعّ أملٌ في الرئة التعليمية، إذ أُعلن عن مخصّصات شهرية للطلبة، إلا أنّ ابتهاجنا سرعان ما تضاءل حين رُبطت العلاوة بدخل الأسرة، وعدد الأفراد، والمسافة بين البيت والجامعة، فاستفادت أسرٌ قليلة، فيما ظلّت أخرى عالقة في شَرك الضرائب ورفع الدعم وغلاء المعيشة، فلم تنل شيئًا لأنّها ببساطة لم تستوفِ الشروط! 

واليوم، سبتمبر ٢٠٢٥، أكتب عن الفئة «الناجية» التي فازت بتلك الشروط بالغة التحديد، لكنها -هي الأخرى- وقعت في مأزق جديد.. عدم انتظام صرف مخصّصاتها الشهرية بصفة دورية، نظرًا لمرور المسألة في شبكة من البيروقراطية البائسة، حيث تغدو «الإجراءات» أهم من «النتائج»! 

وعندما سألنا عن سبب التأخر، جاءنا الرد بأنّ الأمر مرتبطٌ بالحاجة إلى تحديث بيانات الطالب بصورة دائمة: انتظامه التعليمي، وضعه الأسري، حالته المالية. وهذه المتابعة الدؤوبة المُهلكة تُعنى بتحقق شق «الرقابة» أكثر من تحقق «القيمة»، وتُفضي إلى مزيد من التعقيد! ناسين أو متناسين أنّ تلك المبالغ الهزيلة لا تذهب إلى ترفٍ أو كماليات، بل إلى إيجار غرفة، أو مستحقات حافلة، أو وجبة طعام! 

ظنّت الأسر «الناجية» أنّ المخصّصات ستمنحها شيئًا من الطمأنينة، فإذا بها تصطدم بتذبذبٍ غير مأمون، وكأنّها أمام خيارين تعيسين مجددًا: إمّا أن تُعيد أبناءها إلى منازلهم، أو أن تلجأ إلى الاقتراض، أو إلى شدّ الأحزمة! 

فالمُقتدر سيبذل ما يملك من مالٍ في سبيل تعليم أبنائه، بينما الفقير سيتنازل بحسرة، في مشهد لا ينحاز إلا إلى مزيد من التصدّع الاجتماعي، وإلى تقويض ما تبقّى من تماسك! 

ولذا، ليس علينا أن نتعجّب حين نجد الطالب الجامعي يُعيد رسم خريطة رغباته التعليمية، فيغدو التخصص مجرد وسيلة لتخفيف العبء عن كاهل العائلة، لا انعكاسًا لشغفه. فعلى سبيل المثال: جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، بما تمنحه من مخصّصات شهرية -وإن بدت متواضعة في وقتنا هذا- باتت حلمًا جذابًا، لأنّها تُودِع في حساب الطالب ما يسدّ الرمق ويرفع الحرج. 

السؤال البدهي: لماذا كل هذا التعقيد والضجيج؟ أليس الأجدر أن يُمنح كل طالب حاصلٍ على مقعد تعليمي -بعد الثانوية العامّة- راتبًا يُعينه على مشقّة العيش؟ لاسيما أنّه يُكافأ عند بلوغه سنّ الثامنة عشرة بقطع الريالات العشرة التي رافقته في طفولته؟! 

وأمام محدودية من يُبتعثون إلى الخارج، يبقى غالب الطلبة في الداخل، رغم أنّهم حققوا معدلات مرتفعة لا تقل شأنًا عن غيرهم؛ فلماذا هذا التمييز؟ وإن بدا الاختلاف في مقدار العلاوة مُسوَّغًا بتفاوت تكاليف المعيشة، فما الذي يبرر حرمان البعثات الداخلية من حقها في الدعم أصلًا؟ أليس في ذلك تكريس لفكرة أنّ التعليم في الداخل أقل جدارة وقيمة؟ 

لماذا لا تكون للطلبة بطاقة وطنية تُعنى بتقديم خصومات فارقة، تُتيح لهم حياة أكثر يُسرًا في المطاعم، ودور السينما، والمتاجر، ووسائل النقل، والخدمات الصحية، كما هو معمولٌ به في دول عديدة؟ ليغدو الطالب شريكًا في المجتمع لا عالة عليه. فلا يمكن لعقل أن ينشغل بالأسمى وهو مثقل باللهاث وراء الضروري! ولماذا لا تبتكر المؤسسات التعليمية فرصًا للعمل في أوقات مجتزأة من يوم الطالب، تضمن عدم تعارض العمل مع الدراسة؟ 

إنّ صرف المُخصّصات الشهرية لجميع الطلبة الحاصلين على بعثات داخلية ليس ترفًا مجانيًا، بل حماية أصيلة لنسيج المجتمع، وإنعاشٌ للقوة الشرائية في مجتمع فتي، وتجذّرٌ صلبٌ في صميم لغة الحياة اليوم، وضمانٌ لغدِنا الآمن من انهيار صمّاماته أمام توحّش مخالب العالم الهش. فكما يُقال: «مقعدٌ تعليمي ينتزعُ حجرًا من يد عاطلٍ غاضب، كان سيقذفه لا محالة في وجه المجتمع»! 

هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة «نزوى»