هل الاستثمار الأجنبي ساهم في التعمين؟
10 سبتمبر 2025
10 سبتمبر 2025
يبقى الجانب المشترك لأغلب دول العالم هو تهيئة اقتصاداتها لجذب نسبة أكبر من الاستثمار الأجنبي ليس هروبًا من الضرائب فحسب وإنما الاستفادة من العمالة في الدول المستقطبة للاستثمار الأجنبي، وقد يكون هذا مشاهدًا في قطاع السيارات وقطاع الملابس والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والصناعات الدوائية والتي تحول بعضا منها للدول الآسيوية، وإن كانت تلك الدول تحصل على فوائد اقتصادية واجتماعية ولكن هناك جانبا مظلما للاستثمار الأجنبي وهو الاستغلال غير المنصف للأجور التي تمنح للعمالة بالدول المستثمر بها. فأغلب الشركات الأجنبية أصبحت لا تعبأ كثيرا بحقوق العمالة في الحصول على أجور مناسبة - وفي المقابل - فإن الدول المستقبلة للاستثمار الأجنبي أيضا قلما تكترث وذلك من أجل بقاء تلك المصانع أو الشركات في أراضيها.
احتل التعمين منذ عقود صدارة المشهد الوطني من حيث كمية السياسات والقرارات المتخذة من قبل الجهات الحكومية المسؤولة، كون التعمين هو المحطة النهائية التي يتم البحث فيها عن وظيفة مناسبة بعد عناء طويل من المسيرة الدراسية. وبالتالي، نتائج تلك القرارات وتأثيرها على مسار التعمين أغلبه - إذا ما استبعدنا القطاع الحكومي - مشاهد في ارتفاع نسب التعمين في الاستثمارات المحلية سواء في الشركات الحكومية أو الخاصة. تلك القطاعات - إذا ما أحسنا الظن - تعتبره مساهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خلافا لنظرة الاستثمار الأجنبي والذي يحكم عليه من قبيل الربح والخسارة أو عند تطبيقه فيكون بمثابة ورقة عبور للاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تقدمها الدولة، وهذا الحال مع الاستثمار الأجنبي في كل الدول، يأخذ أكثر مما يعطي.
كما أن المقولة السائدة بأن الاقتصاد العماني صغير نسبيا ولا يستطيع إيجاد أو توليد وظائف جديدة أصبحت غير صحيحة بدلالة الأرقام والإحصاءات التي أوردها الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن بيانات العمالة في العام (2024). التقرير يبرز بشكل تفصيلي بأن المعينين الجدد في القطاع الخاص يزيد عددهم على (29) ألفا من العمانيين، ولكن في المقابل بلغ عدد المعينين الجدد من الوافدين ما يزيد على (287) ألف، وإن أسلمنا بأن للاستثمار الأجنبي مساهمة فاعلة في تلك الأعداد، ولكن في كلتا الحالتين تبقى الكفة تميل لمصلحة العمالة الوافدة، بمعدل يصل إلى تسعة أضعاف المعينين الجدد عن العمانيين، كما أن الاستثمار الأجنبي لا يقدم صدقات أو مساهمات أو مشاريع تسهم في انتعاش اقتصاديات الدول التي يستثمر فيها أمواله، وإنما هدفه الأساسي تعظيم العائد على الاستثمار، فلا خلاف بأن يكون له القول الفصل في تحديد نسب التعمين. من حيث الأرقام بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل تراكمي حتى نهاية (2024) إلى نحو (30) مليار ريال عماني، وعلى الرغم من أن قطاع النفط والغاز يأخذ النسبة الكبيرة من إجمالي الاستثمار الأجنبي التراكمي، إلا أن الأرقام تشير بانخفاض أعداد العمانيين في القطاع بشكل عام بين عامي (2023 إلى 2024).
نعم يظل القطاع الخاص - يتضمن الاستثمار الأجنبي - مساهما حقيقيا في مسارات التعمين ولكنه في الجانب الآخر القول بأنه يبحث عن العمالة ذات المهارات العالية، يتقاطع مع الأرقام الواردة بالكتاب الإحصائي السنوي، أرقام المعينين الجدد بالقطاع الخاص تم تصنيفها إلى ثمانية مستويات حسب المستويات التعليمية تبدأ من مستوى لا يحمل مؤهلا إلى مستوى الماجستير والدكتوراه. حيث بلغ الذين تم تعيينهم بالقطاع الخاص من مستوى لا يحمل مؤهلا إلى مستوى دبلوم التعليم العام ما يزيد على (189) ألف من الوافدين. والغريب في الأمر من تلك المستويات هناك مستوى آخر تم تصنيفه - غير مبين - يضم عددا يزيد على (70) ألف من الوافدين، وبالتالي، فمع التقدم التقني في أدوات وتحليل البيانات إلا أن الجهات المختصة لم تستطع تحديد مؤهلاتهم العلمية. نعم تلك الأرقام تخص القطاع الخاص إلا إنها - بالكاد - تشمل الاستثمارات الأجنبية. وإن كان مقبولا القول بأن الاستثمار الأجنبي له مبرراته في تفضيل العمالة الوافدة، ولكن القطاع الحكومي لا عذر له. حيث تشير الأرقام إلى استمرار القطاع الحكومي في تعيين العمالة الوافدة ليس في المستويات التعليمية العليا فحسب، ولكن حتى الذين لا يحملون مؤهلات والذين هم أقل أو في مستوى دبلوم التعليم العام.
أيضا قد تكون البيئة التنظيمية للاستثمار الأجنبي من خلال تقديم بعض من الحوافز الاستثمارية سببا في عدم تحقيق مستهدفات التعمين. فالحوافز الاستثمارية بالمناطق الحرة وخاصة منطقة صحار يلاحظ بأن التعمين ليس هدفا استراتيجيا طويل المدى ينمو تدريجيا بنمو الاستثمار الأجنبي واستدامته، وإنما تم تضمينه مع التسهيلات الاستثمارية حسب ما ورد بدليل الحوافز الاستثمارية: تعمين مرن حتى نسبة (15 %).
وإن كانت تلك الحوافز الممنوحة للمستثمرين الأجانب يتم تطويرها من خلال تدشين الإقامة الذهبية التي تم الإعلان عنها مؤخرا والتي هي نسخة معدلة من برنامج إقامة مستثمر المعمول بها قبل أربع سنوات. تتضمن الإقامة الذهبية مبادرات جديدة لجذب المستثمرين ومنها السماح بتأسيس الشركات مع توفير (50) فرصة عمل للمواطنين، فهذا توجه جيد ينص - تحديدا - على العدد المستهدف من تعيين العمانيين. ولكن أغلب المبادرات ركزت على الاستثمار المالي من حيث شراء المسكن والعقار والأسهم أو السندات لمنح الإقامة الذهبية التي تمتد لعشر سنوات، مع إغفال الاستثمار البشري. جذب الاستثمار البشري يكون مناسبا عن طريق تنفيذ مبادرات لتشجيع العلماء والأساتذة ورجال ورواد الأعمال والمفكرين من الحصول على مزايا الإقامة الطويلة في سلطنة عُمان، شأنها شأن المزايا الممنوحة لجذب الاستثمارات المالية الأجنبية، مع العلم بأن هذا النهج متبع في أغلب الدول.
الاستثمار الأجنبي لا أحد يشك بأن له فوائد إيجابية من حيث مساهمته في زيادة شراء المحتوى المحلي وزيادة تدفق السيولة ولكن أيضا ينبغي لهذا الاستثمار بعدما يجني أرباحا منه وبصفة مستدامة، بأن يُسهم أكثر في قطاعات التعمين، إما أن تظل تلك النسب في حدودها الغير متكافئة مع جملة التسهيلات والحوافز الاستثمارية فهذا يحتاج إلى تدخل من الجهات المختصة. على سبيل المثال، فإن محلات اللولو هايبر ماركت انتشرت بشكل سريع في أغلب المحافظات، إلا أن ذلك الانتشار المتمثل في زيادة عدد الفروع التي تجاوزت ثلاثين فرعا فإن نسب التعمين لا تزال دون الطموحات. وإن كان التوقع وصول نسب التعمين حتى المستويات الإشرافية والتنفيذية ولكن ظلت الشركة تستقطب العمالة الوافدة التي أغلبها من جنسية المستثمر. هذا الانتشار في عدد الفروع وفي الهيمنة في قطاع التجزئة والمواد الغذائية يلاحظ بأنه أيضا أثر على أداء الشركات الوطنية العاملة في نفس القطاع. - في نفس السياق - ما يحدث في القطاع الصحي وانتشار المستشفيات والمراكز الصحية ذات الاستثمار الأجنبي غير المتناسق مع الاستثمارات المحلية يؤثر - بلا شك - على القرارات الحكومية المتعلقة بالتعمين لتكون غالبا تصب في مصلحة المستثمر الأجنبي.
يظل الاستثمار الأجنبي أحد العوامل المعززة للتنمية الاقتصادية وبالأخص في دولة مثل سلطنة عُمان التي تعمل على خطط خمسية للتنويع الاقتصادي للتقليل من الاعتماد على النفط والغاز. فمع ما تم ذكره من اتساع الفجوة بين المعينين الجدد من العمانيين والعمالة الوافدة بسبب تغلل الاستثمار الأجنبي وحصوله على الأفضلية في تحديد نسب التعمين لسنوات طويلة، يبقى هناك سؤال محير دون إجابة شافية حول مدى كفاية مساهمة الاستثمار الأجنبي في مسارات التعمين.
د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس
