فلسفة الحظ ومارد المصباح

19 أغسطس 2025
تساؤلات
19 أغسطس 2025

في البدء، تصوّر الإنسان للحياة أربابا، ولكل ربّ مهمة خصّ لها: فللخصب إله، وللموت إله، وللجمال إله، وللرزق إله. وهكذا عرف الحظ كقوة ميتافيزيقية تُنزل العطايا لمن تشاء وتمنعها عمّن تشاء. وأصبحت فكرة «الحظ» واحدة من أكثر المفاهيم غموضا وجرأة وجاذبية في الوعي الجمعي. وفي بعض الحضارات، لازم هذا المفهوم فكرة أن الحظ هو نتاج مصادفة غير متوقعة، خارجة عن نطاق الإرادة أو المنطق السببي، فنجد في الحضارة المصرية القديمة، أن كهنتها يؤمنون بأن الفرعون ذو نسب مقدّس، وقد منح حظا إلهيا وافرا. وهذا السبب في النجاة من المعارك والهبات الغزيرة في الزراعة والقوة. وكان الكهنة يقرأون الحظ في حركة النيل، ففي صعوده مؤشر للبركة، وفي هبوطه نذير شؤم ونحس. ما يعني أن الحظ كان مرتبطا برضا الآلهة، لا بجهد الإنسان وذكائه. 

وفي الميثولوجيا الإغريقية، كانت آلهة الحظ تحمل دائما قرن الوفرة، إشارة إلى الحظ الوفير الذي قد تمنحه لعبادها. أما في حضارة بابل وآشور، فقد كانت تستخدم الكواكب والنجوم لقراءة الحظ والتنبؤ بالطالع. وكان الكهنة يمتلكون قدرات خارقة للتأثير على رسم مسار الحظ. وفي الحضارة الهندية، يرتبط الحظ بمفاهيم الطاقة الكونية، مثل «الكارما»، التي جاءت من النصوص المقدسة في الهندوسية، وأصبحت مذهبا يدان به في البوذية والهندوسية، التي تختصر الفكرة بإعادة تصنيف الحظ تحت مفهوم الكارما، فما يحدث للمرء من خير أو شر ما هو إلا انعكاس لما صدر عنه في حيوات سابقة. 

أما عن حال العرب الفكري قبل الإسلام، فقد كانوا يستقسمون بالأنواء. فقيل: «مطرنا بنوء الثريا» بمعنى أن سبب المطر هو طلوع نجم الثريا. وكانوا أيضا يستقسمون بالقداح التي تمثل نوعا من المشورة المقدسة، حتى نزلت الآية بتحريم هذه العادة بشكل صريح. فقال الله تعالى: (وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ فَإِنَّهُ فِسْقٌ). 

كان العرب أيضا يؤمنون بالطير. فيتشاءمون ويتطيرون من بعضها مثل: البومة والغراب والحدأة والنعامة. ويتفاءلون ويستبشرون بقدوم أنواعها الأخرى مثل: الهدهد واليمامة والحمامة البيضاء والعندليب. والحظ عند العرب مقرون بالسعد والنحس، وحتى الوجه والاسم كان يُقرأ للحكم إن كان صاحب الوجه «مبروكا» أو «مشؤوما». 

ولم تنكر الديانات الحظ، لكنها قرنَته بمشيئة الله. ففي الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، تختصر الحظ في مفردات مختلفة. فمثلا في اليهودية يظهر الحظ على شكل «بركة» كما ذكر في (سفر التكوين 39:2) عندما قال واصفا نبي الله يوسف أنه محظوظ: «وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلًا نَاجِحًا». وفي المسيحية، يستبدل الحظ بمفهوم «النعمة» أو «التوفيق الإلهي». وقد قيل فيها: «ليس من الإنسان الطريق، بل من الرب». وفي الإسلام، يتمثل الحظ في «حصتك من الرزق»، و«قدرك»، و«قسمتك»، لكنه ليس شأنا مستقلا، بل تابع لمشيئة إله عادل، هو الله عز وجل. ومما جاء في العقيدة: «ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وليس للعبد من الأمر شيء إلا إرادة تابعة لمشيئة الله». والمبدأ الديني هو أن كل شيء مكتوب، لكننا نُحاسب على خياراتنا داخل النص المكتوب. وبذلك يُلغى الحظ بوصفه قوة مستقلة، ويُعاد تعريفه بوصفه مظهرا من مظاهر القدر. ومن هنا، يمكننا التمييز بين ثنائية الحظ والقدر بشكل طفيف. فالحظ هو ما لا تفسير له، ولكنه مرتبط بشكل وثيق بسريرة المرء. أما القدر، فهو ما لا مهرب منه. وهو المصير، لأنه يأتي على شكل سلسلة من أحداث لازمة. جاء عن الرواقيين أنهم قالوا: «نحن لا نملك التحكم في ما يحدث، لكن نملك كيف نستجيب له». أما الوجوديون، فيذهبون إلى إلغاء الحظ والقدر، وأن المرء هو المسؤول عن كل ما يحدث له من فرح، ألم، أو إخفاق. 

آية السيابية كاتبة عمانية