المؤسسات الصغيرة.. واقع يصطدم بالقرارات

16 يوليو 2025
16 يوليو 2025

المؤسسات الصغيرة، والمتناهية الصغر، وبعيدا عن التعريف الأكاديمي، والمكتبي العام، وعلى أساس الواقع المعيش في سلطنة عُمان، هي كيانات تجارية، واقتصادية ناشئة، ذات رأسمال قليل، وعائد بسيط، يعمل بها مواطنون متفرغون في معظم الحالات، إما متقاعدون، أو باحثون عن عمل، في وضع اقتصادي صعب، ومعقد، يحاولون الاعتماد على أنفسهم، وحفظ ماء وجوههم عن السؤال، والمساعدة في خدمة وطنهم، وتحريك عجلة التجارة، والعمل في البلاد، حتى لو كان العائد الحكومي، أو الذاتي لأصحاب هذه المؤسسات لا يرقى إلى الطموح، ولكنه مرضٍ لأن هؤلاء المواطنين يعملون لحسابهم، ويكفون الدولة عناء توظيفهم، ويساعدون في تقليل طابور الباحثين عن عمل، أو تضييق دائرة المحتاجين للمساعدات المالية، سواء من الدولة، أو من الجمعيات الخيرية، وهم جزء حيوي ومنتج من كيان الوطن.

ولكن أصبح المناخ الذي تعمل فيه هذه المؤسسات الصغيرة، لا يتناسب والأعباء التي تضعها القرارات الرسمية أمام طريقها، والتي تحد من حركتها، ونموّها، فمن الأعباء الضريبية التي تثقل كاهل هذه المؤسسات، إلى الإجراءات الإدارية المعقدة، إلى فتح المجال أمام حركة العمال الوافدين، والتساهل مع انتقالاتهم إلى كفيل آخر دون علم أو موافقة الكفيل الأول، مما زاد من تخوّف أصحاب القطاع الخاص بشكل عام من عدم وجود ضوابط صارمة لهذه العملية غير المنضبطة. وأخيرا، وليس آخرا، جاء قرار إلزام أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتشغيل عامل عماني في السجل، ليضع عقبة أخرى، ويزيد من الضغوط على هذا القطاع، مما حدا بكثير من أصحاب السجلات التجارية إلى إغلاق سجلاتهم، والبحث عن سبيل آخر لكسب العيش، وهذا ما ينعكس سلبا على قضية الباحثين عن عمل، ويزيد من العدد الفعلي لهم، ويضيف إلى هذا الملف فردا آخر ينتظر دوره في التوظيف.

أضف إلى ذلك تأثر الأسر التي يعتاش أفرادها على دخل هذه المؤسسات، وهو دخل لا يكاد يُذكر أحيانا، ولكنه يسد الرمق الأدنى من مستلزمات الحياة الكريمة، خاصة من لديه أعمال بسيطة، كالحلاق، أو الخيّاط، والذي يعمل لديه عامل أو عاملان وافدان، وقد يكتفي المواطن أحيانا بمبلغ بسيط يحصل عليه من العامل الوافد يساعده على أعباء حياته، مهما كان المبلغ بسيطا؛ لأن أفراد المجتمع غير مهيئين أساسا لهكذا مهن، وفي المقابل هناك مؤسسات صغيرة، تُدار من قبل أصحابها، وهم يعملون على رأس شركاتهم، ولديهم في بعض الأحيان شركاء عمانيون، سواء أولادهم، أو مواطنين آخرين، وهم متفرّغون لأعمالهم الخاصة، ويعتبرون -واقعيا- موظفين في مؤسساتهم، وفي أحيان كثيرة يكون الدخل مقسّما بين رواتب العمال، وفواتير الماء والكهرباء، والالتزامات للغير، وأخيرا الراتب الخاص لأصحاب العمل، وهي التزامات شهرية مرهقة، كما أن هامش الربح في هذه المؤسسات لا يكاد يذكر، ولذلك يصارع كثير من أفراد هذا القطاع على البقاء، حتى يستطيعوا إعالة أنفسهم وأفراد أسرهم.

كما أنه في الجانب الآخر، لا يرغب كثير من الباحثين بالعمل في مثل هذه المؤسسات الصغيرة، والمتناهية الصغر؛ نظرا لهشاشتها، وقلة خبرتها، وصغر رأسمالها، ومحدودية تأثيرها في السوق، وغير ذلك من العوامل، إذن وفي مثل هذه الحالات، وأمام هذا الوضع الاقتصادي والإداري الصعب، كان يجب تشجيع هذه المؤسسات، ودعمها، ومدّها بأسباب الحياة والبقاء، حتى يشتد عودها، وتقف على أرضية صلبة تستطيع فيه الاعتماد على نفسها، ومن ثم المساهمة المباشرة في تشغيل الباحثين عن عمل، أما مثل هذه القرارات المفاجئة، فلن تزيد الوضع إلا تعقيدا، وستشكّل مشكلة جديدة على المدى المتوسط والبعيد تضاف على عاتق الدولة، لذا فإعادة النظر في كثير من القرارات، والإجراءات التي تعوق عمل المؤسسات الصغيرة بات أمرا حيويا، وضروريا، وعاجلا لدفع مسار التنمية البشرية، والاقتصادية للدولة.