هيئة المشاريع ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي

16 يوليو 2025
16 يوليو 2025

كتبنا العام الماضي مقالا معنونا «نحو الكفاءة في تنفيذ المشاريع الحكومية» بجريدة عُمان حيث تبين بأن الرؤى والأفكار التي تم طرحها قد تكون توافقت مع ما ورد من تعديل في اختصاصات الأمانة العامة لمجلس المناقصات والتي تم تعديل مسماها إلى: هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي - هيئة المشاريع - بل وتجاوزتها في جوانب متعددة لتجعل من ذلك التعديل ليس تحديثا للاختصاصات السابقة للأمانة العامة والتي أغلبها كانت تنسيقية وتشغيلية إلى اختصاصات تخطيطية وتنفيذية ذات شمولية يصل عددها إلى اثنين وثلاثين اختصاصا. نعتقد بأن التعديل جاء ليتواكب مع الخطط التنموية المتسارعة والتي تحتاج معها إلى كيان حكومي يتمتع بالاستقلال المالي والإداري في إدارة وتشغيل ومتابعة المناقصات والمشاريع الحكومية. كما أن مصطلح «كفاءة الإنفاق الحكومي» والذي لم يرد في الاختصاصات السابقة فقد تكرر 3 مرات في الهيكلة المعدلة لهيئة المشاريع والذي يعتبر تطورا نحو تطبيق أفضل المعايير في قياس مؤشرات الأداء نحو تنفيذ المناقصات والمشاريع الحكومية وتعزيز الاستفادة من المحتوى المحلي لتعزيز حضوره بالمناقصات والمشاريع الحكومية بكفاءة أفضل.

الهيكلة المستحدثة لهيئة المشاريع قد يكون الهدف منها تغيير النظرة السلبية السائدة في أن الإجراءات الحكومية تتسم بالبيروقراطية وأن المناقصات الحكومية غالبا تتجاوز الاعتمادات المالية المخصصة لها مع ما يواكب ذلك من التأخير في التنفيذ، إلى نظام وطني متكامل يعمل على تعظيم الاستفادة المثلى وبكفاءة عالية من الإنفاق الحكومي المتعلق بالمناقصات والمشاريع وتعزيز المحتوى المحلي ليكون ضمن مستهدفات وطنية تشمل القطاعات الإنتاجية الاقتصادية والخدمات. هذا التعديل في أعمال هيئة المشاريع من المؤمل أن يساعد على تعزيز تضمين المحتوى المحلي بالمناقصات والمشاريع الحكومية وأن تكون العقود التي تبرمها الوحدات الحكومية وأيضا الشركات الحكومية تلتزم بمعايير ومؤشرات قياس الأداء حسب المدد الزمنية لتنفيذ المشاريع الحكومية. بيد أن التأخير في التنفيذ وعدم التقيد بالاعتماد المالية للمشاريع والمشتريات الحكومية هي إشكالية عامة حيث يشير معهد إدارة المشاريع (PMI) أن نسبة المشاريع التي تم اعتمادها لا يتم إكمالها ضمن الاعتمادات المالية المحددة لها أو يتوقف تنفيذها قد تصل نسبتها إلى (31 %).

وبالتالي، فإن منح هيئة المشاريع صلاحيات تنفيذية ورقابية للمناقصات والمشاريع الحكومية من شأن ذلك أن يُسهم في التنفيذ الدقيق حسب الخطط الزمنية وبالتالي، يقلل من حالات التأخير في استكمال المشاريع الحكومية.

كما أن تضمين «المحتوى المحلي» ضمن اسم هيئة المشاريع واختصاصاتها دليل على التزام الحكومة بتعزيز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني. فما كان في السابق مجرد مناشدات وتعاميم تصدرها هيئة المشاريع للوحدات الحكومية والقطاع الخاص لإعطاء الأولوية للمنتجات والخدمات المحلية، أصبح التزاما وإلزاما ضمن المشاريع والعقود الحكومية. هذه الخطوة تحمل دلالات اقتصادية، إذ إن توجيه الإنفاق الحكومي نحو تعزيز تضمين المحتويات المحلية في المشاريع لا يرفع فقط من العائد على الاستثمار ويزيد من كفاءة ذلك الإنفاق، بل يقلل أيضا من المخاطر المتعلقة بسلاسل الإمداد في حال الاعتماد الكلي على الاستيراد. كما أنه يؤثر في خفض قيمة التعاقدات المالية الحكومية، لأن المواد والمنتجات المحلية تكون متاحة داخل الدولة، ما يقلل الحاجة إلى استيرادها أو توفير عمالة أجنبية من الخارج.

ولعل المثال الأبرز على هذا التوجه يتمثل في قيام شركة المطاحن العمانية بشراء محصول القمح من المزارعين العمانيين بمبلغ يصل إلى 6 ملايين ريال عماني خلال المدة من (2022 إلى 2024) ما يعكس الأثر المباشر والإيجابي في دعم المحتوى المحلي المتمثل في شراء القمح العماني حيث استفاد من ذلك الدعم ما يقرب من (150) من المزارعين العمانيين. عليه المطلوب من الوحدات الحكومية والشركات بأن يكون المحتوى المحلي حاضرا ضمن السلع والمنتجات بالمدرجة بجداول الكميات بالمناقصات والمشاريع الحكومية.

أيضا تم منح هيئة المشاريع اختصاصا بقيامها نحو توفير الدعم اللازم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتمكينها من الاستفادة من الدخول والمنافسة على المناقصات والمشاريع الحكومية. فعلى الرغم من المبادرات الحكومية في هذا الجانب بضرورة تخصيص نسبة معينة من المناقصات والمشتريات الحكومية لتلك المؤسسات وقيام الحكومة بإنشاء كيان حكومي للإشراف على تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن الأرقام تشير إلى استفادة (370) مؤسسة صغيرة ومتوسطة من المناقصات والمشتريات الحكومية خلال السنوات الثلاث الماضية. ذلك العدد مقارنة بالمؤسسات الحاصلة على بطاقة ريادة والتي وصل عددها (2400) مؤسسة، يعتبر غير متوازن مع الجهود والمبادرات المبذولة نحو تعزيز مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي.

إن المتمعن في أعمال هيئة المشاريع يلاحظ بأنها منحت الصلاحيات الكاملة فيما يتعلق بالمناقصات والمشاريع الحكومية والمحتوى المحلي. تلك الصلاحيات تمتد لتشمل كافة مراحل المشاريع الحكومية، من تصميم نماذج العقود ومراجعتها فنيا وماليا، وصولا إلى متابعة تنفيذ المشاريع والتأكد من سير الجداول الزمنية للتنفيذ. هذا يعني أن الهيئة أصبحت ذات اختصاصات تمكينية حتى في مراجعة العقود الحكومية قبل توقيعها، حيث كانت تلك المراجعة في السابق تتم عن طريق وزارة العدل والشؤون القانونية. هذا الإجراء من شأنه تسريع مدة التنفيذ نظرا لتقليص المدة الزمنية لاعتماد العقود والمناقصات لأنها أصبحت تحت مظلة حكومية واحدة.

تشير تقارير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة إلى قيام إحدى الشركات الحكومية بالتعاقد مع مورد معين لمدة تزيد على أربعة وعشرين عاما دون إعادة طرح السلعة التي تم التعاقد على شرائها للتنافس.

كما قامت إحدى الشركات بتخفيض المبالغ المخصصة لمستهدفات المحتوى المحلي بنسبة كبيرة، وبالتالي، مثل هذا التخفيض يؤثر على كفاءة الإنفاق الحكومي. من أجل تصحيح تلك المخالفات فإن هيئة المشاريع مستقبلا أصبحت هي من تحدد المبادرات المتعلقة بمعايير قياس مؤشرات كفاءة المحتوى المحلي في المناقصات الحكومية، ليس فقط تلك التي تجريها الوحدات الحكومية، بل امتد ذلك ليشمل الشركات الحكومية التي تمتلكها الحكومة أو تسهم فيها بنسبة تزيد عن (40 %).

هذه الخطوة تعزز من حوكمة المحتوى المحلي، إذ كانت الشركات الحكومية في السابق لا تخضع لرقابة جهة حكومية أخرى فيما يتعلق بالتزامها بمستهدفات المحتوى المحلي. هذا التغيير في صلاحيات الهيئة من شأنه تعزيز دمج المحتوى المحلي ضمن الخطط السنوية للشركات الحكومية وتعاقداتها، ما سيؤدي إلى زيادة تضمين المحتوى المحلي ضمن مكونات المشتريات والمناقصات الحكومية.

إن تعديل الهيكل التنظيمي لهيئة المشاريع برفع عدد المديريات العامة من 3 في الهيكل السابق إلى 6 مديريات عامة منها على سبيل المثال: المكتب الوطني للمحتوى المحلي، ومكتب متابعة المشاريع، والمناقصات والمشتريات الحكومية، يتطلب تعيين كفاءات عمانية متخصصة عالية التأهيل والتدريب وذلك لكيلا يتصادم هذا التعديل المنشود منه رفع كفاءة الإنفاق الحكومي بالمناقصات والمشتريات الحكومية مع نقص الكفاءات الوطنية.

أيضا قد يكون مناسبا قيام هيئة المشاريع بالاستفادة من خبرات القطاع الخاص ومن تجربة شركة تنمية نفط عمان في تأهيل الموارد البشرية المتخصصة بإدارة المشاريع. حيث إن للشركة خبرات فنية طويلة في تطبيق منهجيات، على سبيل المثال «لين» التي تهدف إلى تقليل الهدر في النفقات والتحسين المستمر وأيضا في تبسيط الإجراءات. عليه فإن تطبيق أفضل الممارسات في إدارة المناقصات ومتابعة المشاريع الحكومية وتعزيز استخدام المحتوى المحلي من شأنه الحصول على أعلى كفاءة في الإنفاق الحكومي.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس