هل خرّبت وسائل التواصل الشعر؟
الحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي وسّعت دائرة انتشار الشعر، واستطاعت أن تنقله من نقطة صغيرة إلى أطياف شعرية كثيرة، وعملت على التقريب بين الشعراء في الوطن العربي ككل، ولكن ذلك في المقابل جاء على حساب الجودة، والشعر الحقيقي بشكل عام، واستطاع مجموعة من المتشاعرين اختراق الذائقة الشعرية الرصينة، وسد الفراغ ـ بشكله السلبي ـ بين الشعر واللاشعر، يساعدهم في ذلك كثير من المجاملين والمتابعين، والذين لا يستطيعون التفريق بين الشعر، وأشباهه، وأصبحت الكلمة العليا لأولئك الذين لديهم أكبر عدد من المتابعين، مهما كانت نوعية هؤلاء المتابعين، دون تقيد بأسس الشعر، ومناهجه، ومدارسه، وشروطه.
لذلك تبقى وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة مهمة لنقل كل ما يقوله المتشاعرون، والذين يبسطون أيديهم على مراكز القوة في هذه الوسائل، دون التفات إلى ما سيؤدي إليه ذلك من تشويه للشعر، بل وتدميره، وإلغاء الشعراء الذين يملكون خامة شعرية حقيقية، ولكنهم لا يملكون مساحات التوصيل، أو يجهلون التواصل في وسائل التكنولوجيا الحديثة، لذلك يبقى هؤلاء الشعراء رهيني المساحات الضيقة، لا يستطيعون المنافسة، ولا مصارعة الذين يمتلكون التكنولوجيا، ولا أعداد المتابعين سواء المزيفين أو الحقيقيين الذين ليس لديهم أدنى فكرة عن الشعر، ويشجعون الغثاء بكلماتهم، وتصفيقهم الحاد.
وفي المقابل هناك أصوات شعرية جيدة، لديها الإلمام بوسائل التوصيل المختلفة، يستخدمون ذكاءهم في سبيل توسيع دائرة انتشارهم، ومساحات معارفهم، وحتى هؤلاء قد يتنازلون بين فترة وأخرى عن مبادئهم في الشعر، ويهبطون بنصوصهم للوصول إلى كلّ الفئات التي تتابع حساباتهم، ولكنهم في كل الأحوال يعتبرون هم القشة التي قد تنقذ وجه الشعر في المستقبل، قبل أن ينتهي على أيدي المتشاعرين الذين ركبوا الموجة، ولا يمكن لأحد أن يوقف زحفهم، بغير شعر يواجه هذا الغث الهائل من الشعر والشعراء.
إنّ الشعر سيبقى لأن الشعراء الحقيقيين يولدون كل يوم، وعلى كل واحد منهم مهمة خاصة، وهي الوصول إلى أداة النشر الواسعة، والتي باتت تتحكم في سيل القصائد، وتتحكم في نوعية الشعر، ونوعية المتلقي الذي يبحث عن الجمال، رغم كل الملوثات التي تعكر جو القصيدة، فالمتلقي الواعي لا يغريه المتشاعرون، ويعرف كيف يفرق بين القصيدة، و«العصيدة»، ولذلك تبقى وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للانتشار، ولكنها ليست مقياسا للإبداع، والابتكار.
